هذا هو واقع اللبنانيين في الخليج…

سيتم ترحيل كل من يدعم حزب الله" الكلام للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، اشارة واضحة ترافق دلائل ملموسة لسياسة تضييق خليجية تسعى الى عزل اللبنانيين الشيعة للضغط على "حزب الله"، لم تعد تنفع معها في المقابل سياسة النفي من الجانب الرسمي اللبناني. انت لبناني شيعي في دول الخليج… اذاً انت متهم بالولاء لـ "منظمة ارهابية"… الخليج سيعاقبك، ويحق لمخابرات الدول المزعومة ملاحقتك، ستجدها تداهم منزلك، تضيق على مصالحك التجارية والمالية وتمنع عنك التأشيرات… فإلى الترحيل الذي أصبح هاجساً يرافق العمالة اللبنانية في دول مجلس التعاون الخليجي. المخاوف تكبر وقصص كثيرة لأفراد عاشوا "الخناق" الخليجي، منهم من قرر الرحيل وآخرون حُرموا العودة، تحدثوا لـ"صدى البلد" عن تجاربهم في دول ارتأت أن تجعل منهم حلقة ضعيفة عبر تطبيق سياسة عقاب جماعي.

لم يعد خافياً على أحد انّ المصالح الاقتصادية اللبنانية في دول الخليج أصبحت في خطر، يعيش معه اللبناني الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية رهينة أحداث وتطورات جعلته شريكاً رغماً عنه في أزمة بات يُعدّ إثرها أياما مفترضة لغربة زادت مرارتها، حيث اتفقت الدول على تكبير دائرة الصراع لتشمل الجميع. وبين النفي والتأكيد، قرارات جاءت على ألسنة المعنيين في الدول الخليجية تؤكد بداية فرض الحصار، وملاحقة كل من ينتمي الى "حزب الله" تمهيداً لعملية الترحيل الجماعية، وذلك بشكل اعتباطي دون الاستناد الى وقائع ملموسة من جهة، ومعلومات تؤكد انّ عدد المبعدين وصل الى 18 لبنانياً في قطر تحديداً وذلك خلال الفترة التي تلت قرار مجلس دول التعاون الخليجي الذي اعلن في العاشر من حزيران اتخاذ إجراءات "ضد المنتسبين لحزب الله في اقاماتهم او معاملاتهم المالية والتجارية" من جهة اخرى.

جولة ترحيل
مضت على وجود أحمد م. في قطر سنوات ثلاث، لم يعلم انّ زيارته السنوية الى لبنان مع بداية كل صيف ستكون الاخيرة هذه المرة، حيث تفاجأ في ختام رحلته في مطار بيروت بعدم حصوله على تأشيرة الذهاب الى قطر، ولدى سؤاله عن السبب ردت الشركة القطرية التي كان يعمل فيها بإجابة مختصرة "استغنينا عن خدماتك". قطر وغيرها من الدول استغنت عن خدمات آخرين ايضاً، بانتظار جولة جديدة من الترحيل وصفارة من دول غربية تعلن الاستمرار في سياسة تشديد الحصار على كل موالٍ لـ"حزب الله"، وكانت قد بدأت منذ أشهر عمليات مداهمة وتفتيش لمنازل بعض اللبنانيين، ما اضطر بعض منهم الى إزالة اي دليل يؤشر لولاء أو انتماء الى الحزب. يروي أحد المغتربين في المملكة العربية السعودية رفض الكشف عن اسمه، بأنّ بعض اللبنانيين يعيشون هاجس الترحيل، "يتجنبون حتى ذكر اسم حزب الله، اضطررنا الى ازالة صور السيد حسن نصرالله من منازلنا، لا نستطيع أن ننقل هواجسنا الى أهلنا في لبنان عبر الهاتف فنحن مراقبون في كل خطوة نقوم بها". هو يعلم حتماً بأنّ دوره في الترحيل سيأتي عاجلاً أم آجلاً "لن يكون لنا خبز في هذا البلد بعد ذلك، ولكن لا يسعنا سوى الانتظار فعسى أن تتبدل الأحوال"، يخالفه صديقه الرأي "لن تتبدل الأحوال، الأوضاع وصلت الى حدٍ مفروغ منه. الامور تنذر بالاسوأ". يتحدث الصديق عن لافتة على احد المراكز الرسمية التي تؤمن جوازات السفر في السعودية جاء فيها: "أي سعودي سينخطف في لبنان، رح نخطف لبنانية مكانه، وعادي لا ترجعون السعودي خلوه عندكن".
استفزت تهديدات الدول الخليجية بطرد الشيعة، عددا كبيرا من اللبنانيين من مختلف الطوائف، وثمة من طالب ذويهم بالاستغناء عن بلد يذلهم والعودة الى لبنان، وكان أن دعت مجموعة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً عبر "الفيس بوك" كل لبناني يُطرد من الخليج الى استملاك شقق تعود الى رجال الاعمال الخليجيين في لبنان.

تجديد الإقامة
قاسم ب. لبناني آخر يروي لـ"صدى البلد" تفاصيل ما حصل معه عندما سافر من البحرين الى سلطنة عمان من اجل تجديد الاقامة، "استوقفتني الشرطة في مطار عمان لأكثر من 10 ساعات، علّها اشتبهت باتمائي الى حزب الله الحزب الذي بات الجميع يعتبره ارهابياً في الدول الخليجية للأسف. حققت معي وأجرت تحريات خاصة شملت التحقيق مع مسؤولين في عملي الحالي وكذلك القديم… إثر ذلك تأكدوا من نظافة ملفي حسبما قالوا لي، وللمفارقة منعوني من دخول عمان مرة اخرى". اذاً، مصير اللبنانيين في الخليج على المحك ينذر بتداعيات خطيرة على كل الصعد بما فيها الاقتصادي الذي يستند بشكل ملحوظ على عائدات اللبنانيين في دول الاغتراب سيما في دول الخليج، حيث تقدّر تلك التحويلات بحوالى نصف العائدات أي ما يصل الى أربعة مليارات دولار. يؤكد احد العاملين في مكاتب التوظيف المعتمدة من قبل سفارات الدول الخليجية في لبنان لـ"صدى البلد" انّه لم تُرد لغاية الساعة اي تأشيرات جرى الاتفاق عليها مسبقاً للدول الخليجية، "ولكنها قد لا تكون مستعدة بعد ذلك لتسهيل اعطاء الفيزا، أمّا التضييق فسيشمل الموجودين اساساً هناك عبر عدم تجديد اقامتهم".
تجربة المهندس علي ح. الشخصية تجعله ينفي ما تتداوله مكاتب التوظيف والجهات الرسمية المعنية في لبنان، "من ضمن أكثر من عشرة مهندسين طلبوا للعمل في المملكة العربية السعودية منذ خمسة أشهر، كنت الوحيد الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية. أمس حصل الجميع على تأشيرات الذهاب للعمل باستثنائي أنا، أمّا التعليل الذي حصلت عليه من قبل المكتب المعني بانّ الطلب رُد بسبب رقم التأشيرة، وفي المقابل يعود الوزير عدنان منصور لينفي ويستبعد ويتحدث عن انعدام المبررات لطرد اللبنانيين من الخليج، وهذا خير مثال". روايات تؤكدّ صحة ما يتم تداوله عن انّ دخول اللبنانيين إلى دول مجلس التعاون سيخضع لتدقيق كبير، حيث لن تسمح تلك الدول بدخول أي شخص يشتبه في علاقته بحزب الله، "هي عملية نفاق لشعب تناسى انّ اللبناني ساهم الى حد كبير في اعمار بلادهم".

لم تعد هناك حاجة الى مبرر لطرد اللبنانيين من دول الخليج… والقرارات غير المعلنة باتت مصحوبة بشواهد عملية تؤكد انتقال السياسة المتبعة للضغط على "حزب الله" من طور التهديد الى التنفيذ

السابق
الانتحار الطائفي: حرب السنة والشيعة
التالي
مناصرو “الانتماء اللبناني” أمام السفارة الإيرانية لوضع اكليل من الزهر في موضع مقتل السلمان