جنبلاط المدافع: أركلوها.. كرة الفتنة


عشية 16 آذار وغداة 14 آذار يقف النائب وليد جنبلاط بين ضفتين: ذكرى كمال جنبلاط، وحلم انتفاضة الإستقلال. جنبلاط الأب، نظرته وقيوده، مفاتيح السياسة، الطموح، التاريخ، ودم يثقل على الذاكرة، فيتفلت من اللسان في لحظة انفعال وجداني او لحظة اشتعال الغريزة السياسية في ابن المختارة. والإنتفاضة – الحلم الذي تراءى له وكاد يتلبسه ويتناثر فيه، قبل أن يسقط، فلا خلعه، ولا أكمله، بل تركه فوق كتفيه المثقلتين، رغم انحناءة بانت ملامحها في قامته اليوم.
واقفا… بل يمشي ثعلب السياسة. هو النهر، او ذلك الماء الذي يجري ولا ينفذ. تظنه واقفا لكنه يجري كعادته. يحدق او يرمق. يتعب الجسد، ولا تتوقف عيناه عن الترصد. كأنه يبحث بهما عن منفذ ما في حصار محكم. لكنه لن يعدم وسيلة. يغريه احيانا هذا الحصار، وتغويه لعبة التفلت من براثن المتربصين، او الحدَ من شهوة الالتهام التي يستشعر انفاسها فوق جلد البلد، وفوق جلده اولا، في زمن الفتنة المستشرية.
كلمات وليد جنبلاط هذه الايام مثقلة بحذر مضاعف من فحيح الفتنة. يسأل بتلقائية: ماذا تفعلون لمنع الفتنة المذهبية؟ هل تحذرون وتنبهون من الخطر الكبير؟ هل تكلمون الحزب الفلاني او الجهة الفلانية؟ المرجع الفلاني؟ هل تحذرون الناس من خطر انفلات الغرائز من عقالها؟ هل؟ هل؟…
فنجيبه: مهلا ايها الزعيم. ماذا تفعل انت لكي تستكين الافاعي؟
انا؟، يردّ: أتحدث، أعبر عن مخاوفي واقول ما يجب ان يقال… وماذا بعد يا بيك؟ يصمت قليلا كأنه ينتقي الهواء ليحمله كلمات وصلت قبل ان ينطق بها، بعينيه وملامحه ثم لسانه: لا أدَعي انني قادر على فعل شيء اكثر من ذلك. المخطط كبير ووليد جنبلاط أقل من ان يغيّر فيه او يَحول دونه. لا احد يساعد. الكل يتمترس خلف شعاراته ولا يتزحزح.
وهو، جنبلاط، لا يتزحزح عن وقوفه الى جانب الثورة السورية. هي ثورة، يتابع جنبلاط، رغم محاولات دؤوبة من قبل النظام لادراجها في نفق الطائفية والمذهبية. وهذه المرة انخرط الغرب في محاصرة الثورة والمعارضة السوريتين، يقول. ثم يأسف للمحاولات الخبيثة لافشال الشيخ معاذ الخطيب، من خارج المعارضة وداخلها.
يعتب بيك المختارة على الرئيس سعد الحريري، كأنه يواجهه: "ما هكذا تورد الابل يا سعد". في زمن الفتنة المذهبية واشتعالها لا يتوقعنّ احد ان يخرج جنبلاط من وسطيته. هو ببساطة لا يريد الانجرار الى مواجهات يمكن ان تستثمر في صراع مذهبي لن ينجو منه احد. هو على قناعة بأن نزعة الالغاء لم تزل متحكمة بفرقاء في 8 آذار. ويرى أنّها في 14 آذار مدمرة: "التوافق قدر لبنان فلا احد يستطيع الغاء الآخر". (ربما لم ينتبه جنبلاط انه يغطي حكومة اللاتوافق)
هذا القدَرُ اللبناني ليس يقينا بعد. لذا فالخطر قائم وداهم في مرمى بصر زعيم المختارة. الانتخابات النيابية يجب ان تُجرى في موعدها لأنّ في ذلك عنصر استقرار، ومؤشرًا ايجابيًا. وكما الحاجة الى تغيير قانون الانتخاب، ثمة اتفاق على مبدأ القانون المختلط بين النسبي والاكثري. والخلاف الباقي على نسبتهما تستحكم به عقلية الاستئثار، يكشف جنبلاط: اي الحصول على اكثرية في مجلس النواب، اي الحكم بلا توافقات… اي بلا وليد جنبلاط.
رغم ذلك يرفض البيك تأجيل الانتخابات. يتهم بعض القوى المسيحية المعارضة بانجرارها الى فكرة التأجيل. ينتقدها بشدة. كانتقاده استحضار بعض القوى المسيحية عقلية الانزواء والعزلة. لا يستسيغ حركة نائب الشوف والقوات اللبنانية جورج عدوان وتفكير: "يحلو له العودة الى مرحلة حزب التنظيم". يستدرك جنبلاط فجأة: "لا اريد الاستغراق في الحديث عن هذا الساسي او ذاك"، ليكرر مقولة التوافق، وضرورة الحدّ من تمدد "الظواهر المتطرفة".
يطالب الحريري بدور فاعل على هذا الصعيد، لا يعفي حزب الله من المسؤولية: "نتحدث مع وفيق صفا وقت الحاجة الى ايصال رسالة الى قيادة الحزب، هم لا يبادرون لا يتصلون، لكن العلاقة مستمرة وليس من رغبة في احداث اي مشكلة. موقفي من تأييد الثورة السورية واضح وموقفهم من تأييد النظام حاسم".
لكن جنبلاط متخوف من التوترات على الحدود مع سورية. غير مطمئن لابعاد ما جرى في بلدة عرسال البقاعية، وشديد القلق من مواجهات تستدرج البقاعيين اليها. يدعو البقاعيين الى تلافي تدحرج كرة النار السورية صوبهم.
هذه الأيام، في حين يؤدي نجيب ميقاتي دور حارس المرمى، يتلبّس جنبلاط دور المدافع، ويجهد في تشتيت الكرات: أركلوها بعيدا، كرة الفتنة، يصيح في اللاعبين من حوله… أركلوها وأخّروها قدر ما تستطيعون.
 

السابق
سماع دوي إنفجار قبالة بلدة الضهيرة – صور
التالي
جمر الفتنة بين مصر وغزة