صور مدينة الأرجوان تحتضر ومساع لإخراجها من غرفة الإنعاش

لم يعد سراً أن مدينة صور تنازع بعدما أغلقت أكثر من خمسين مؤسسة تجارية وسياحية أبوابها، وأن ما تبقى من روح فيها مستلقٍ على فراش الإفلاس. هذه المدينة التي عاشت طفرة إقتصادية غير إعتيادية بعيد حرب تموز عام 2006 فارتفعت أسعار الإيجارات والإستثمارات فيها أضعاف أضعاف سعرها المعهود، وقفزت أسعار العقارات قفزة بهلوانية فوصل ثمن المتر المربع الواحد إلى خمسة آلاف دولار، هذه المدينة تعيش اليوم في غرفة الإنعاش.

فما هو السر الذي ينهش روحها الإقتصادية وما هي الأسباب الحقيقة التي جعلت مدينة الأرجوان تحتضر؟ وهل أنعش مهرجان التسوق الذي أطلقته بلديتها مع تجمع التجار أسواقها؟ وهل إستفادت المدينة من خطة الحسومات التي أطلقتها وزارة السياحة؟
كل هذه الأسئلة طرحناها على عدد من أبناء المدينة كي نضع "الأصبع على الجرح" ونهز الغيورين على صور لتحرك قبل فوات الأوان؟
فوصف أهم وأقدم خبير عقاري محلف من قبل الدوائر العقارية والذي تمنعه الوظيفة من الإفصاح عن إسمه، أن ما شهدته مدينة صور في السنوات التي تلت حرب تموز 2006 ما هو إلا مؤامرة ضد الجنوبيين لتهجير الفئة الشبابية من المنطقة، فدخلت أموال مجهولة المصدر معروفة الهوية إلى المدينة لإستنزافها ببطء، فعاشت المدينة إنتعاشاً وهمياً مدة ثلاث سنوات، حيث لعبت تلك الأموال دورها في تخدير المواطنين من الغلاء غير مبرر الذي إقتحم حياتهم اليومية، واستسلموا لإغراءات تجار الأراضي الذين نجحوا في جعل متر الأرض عملة صعبة، وصل سقفه إلى الخمسة ألآف دولار أمريكي.

وختم الخبير بالقول أن هناك من يحاول إحتكار أراضي الجنوب عامة ومنطقة صور خاصة لأهداف وأغراض لا تخدم أبناء المنطقة إطلاقا.
بدوره حسن مغنية صاحب أوتيل كوين اليسا الذي تعرض للتفجير في السادس عشر من تشرين الثاني من العام 2011، أشار إلى أن هناك من يعمد إلى قتل المدينة أمنيا وإقتصاديا وسياحياً، وبإسلوب يصعب الصمود أمامه، وعلى المسؤولين في الدولة معرفة هذه الجهة ومحاسبتها من أجل حماية المنطقة من الأسوأ.

وأضاف على الرغم من أن الأزمة الإقتصادية بدأت أوائل العام 2011 بعدما انتهت فترة إعادة الإعمار ورحلت كافة المؤسسات الداعمة، إلا أن أصحاب المؤسسات السياحية رفضت الإستسلام وتحملت الخسائر بهدف الصمود في المنطقة والعمل على إنعاشها، إلا أن التفجيرات التي إستهدفتنا كسرت عزيمتنا لأن الدولة إمتنعت عن دعم صمودنا وحماية مؤسساتنا من الأيادي السود التي تعبث بأمن الناس ومصالحهم.

سياحة الجنوب ليس وجهتها
وعن خطة الحسومات التي أطلقتها وزارة السياحة قال مغنية:" لا يمكن أن تستفيد مدينة صور من خطة الوزارة، لأن السياحة في صور تعتمد على المغتربين بالدرجة الأولى وغالبية مغتربينا يعودون صيفا، كما أن خطة الوزارة أطلقت من أجل سياح لم يكن يوما الجنوب وجهتهم".
وأضاف مغنية:" كذلك مهرجان التسوق الذي أطلقته البلدية والذي يهدف الى تحريك الحركة التجارية لم ينجح في تحريك الحركة السياحية لأن الموسم الحالي لا يعتبر موسماً سياحياً ومع الأسف لبنان عامة يفتقر الى السياحة الداخلية".

أما سامر الأسمر صاحب محل ملبوسات فقد نوه بمساعي بلدية صور وقال:" أن الواقع المؤلم الذي تعيشه المدينة دفع ببلديتها إلى التحرك والبحث عن حل ينعش أسواقها، فأقامت مهرجانا للتسوق بالتعاون مع تجمع تجار المدينة وهي مشكورة على مسعاها، ولكن هذا التحرك لم ينجح بإخراج المدينة من صندوق الإنعاش الذي تنازع فيه، وذلك لأن المعنيين غفلوا عن معالجة الأسباب الحقيقة للأزمة والتي تكمن بزحمة السير التي خلفها المشروع الأوروبي والذي مازال مستمراً بقضم مساحة الشوارع خدمة للأرصفة التي بدورها باتت تشتهي القليل من المارة".
وتابع سامر قائلا:" إن قلب المدينة خسر أكثر من نصف الزبائن القادمين من قرى وبلدات القضاء حيث غيروا وجهتهم الى صيدا وبيروت، هرباً من زحمة السير التي تحرق أعصابهم وتقتل فرحة تسوقهم، كما أنها تهدر وقتهم وتنهب محروقات سياراتهم".

أما محمد فران صاحب مؤسسة لبيع كافة المستلزمات الرياضية فقد اعتبر أن ما تمر به مدينة صور من أزمات إقصادية هو أمر طبيعي، وذلك لأن كافة العوامل التي خلقت تلك الطفرة الإقتصادية بعيد حرب تموز قد تبخرت وقال: "إن ما تعاني منه مدينتنا اليوم هو ناتج عن سوء الإستفادة من النعم التي هطلت عليها خلال السنوات الأربعة التي تلت الحرب، حيث ساد الإستغلال والطمع في نفوس أبنائها، فإرتفعت أسعار العقارات، الإيجارات والإستثمارات بشكل غير طبيعي وذلك لأن الطلب على البيوت والشقق السكنية والمحلاّت التجارية تخطى مساحة العرض المتوفرة في المدينة.
وأن الجمعيات والمؤسسات الدولية والعديد من الشركات العالمية بالاضافة إلى القوات الدولية التي جاءت بناء لقرار 1701، كانت السبب في هذا الهيجان الذي عاشته المدينة بالإضافة إلى مئات العائلات التي تهجرت من قراها بفعل الدمار الذي أصاب ممتلكاتها.

كل هذه العوامل أدت إلى رفع أسعار الإيجارات والإستثمارات بشكل خيالي وغير منطقي، وكان الطمع سيد الموقف في حسم الفائز بإستئجار أو إستثمار أي مساحة متوفرة، فمن كان مقتدراً على الدفع أكثر ولفترة أطول، كان هو صاحب الحظ الأوفر في الحصول على شقة سكنية أو محل تجاري.
ولفت فران إلى أن منطقة صور تفوقت على العاصمة بيروت في موضوع الغلاء كما أنها سبقت الغلاء الذي سببته الأزمة الإقتصادية العالمية بسنتين.
وبعدما تعافى الجنوب ورحلت كافة هذه الجمعيات والمؤسسات صعقت المدينة من كافة الجهات، وأفلس العديد من المؤسسات السياحية والتجارية المتأثرة برحيلها الذي جعل العديد من شباب المنطقة عاطلين عن العمل بعدما اعتادوا على رواتب دسمة معهم، كما فرغت الشقق من نبضهم المادي. ومع هذا فإن أصحاب العقارات السكنية والمحالات التجارية يفضلون إستيطان الغبرة ممتلكاتهم عوضاً عن تقبل الواقع والعودة إلى أسعار الإيجارات الطبيعية التي كانت عليه قبل حرب تموز.

كما أنه ليس سراً أن هناك أموالاً خيالية دخلت البلد بطرق غير شرعية هيمنت على غالبية الأراضي الزراعية والعمرانية في "قضاء صور".
وكانت كلمة موحدة من كافة المواطنيين الذين إلتقيناهم، ومفادها أن على الدولة والمسؤولين فيها ضبط الإستغلال وتحديد بدل الإيجارات والإشتراك في مولدات الكهرباء الذي يتجاوز مئتي ألف ليرة لبنانية لخمسة أمبرات في أغلب الأوقات، والعمل على إستراجاع واقع الحياة التي كانت عليه المدينة قبل العام 2006 قبل انهيار المدينة كلياً.
  

السابق
رسائل احتجاج خليجية على قتال “حزب الله” في القصير
التالي
العميد وهبي قاطيشا: الحكومة مرتهنة لأنظمة المبايعة للإسرائيلي