فيلم..

مرّة أخرى، يدخل البعض في خطيئة رد الفعل ويسقط في تجربة نسجها المرتكب فأخرجته من دائرة الإدانة الى دائرة المستهدَف!
ليست المرة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة.. وبائس أو مدّع، من يستطيع التعميم ووضع إطار واحد، محدّد وواضح للجاني أولاً، ولبعض أصحاب رد الفعل ثانياً.
من "آيات" سلمان رشدي الشيطانية في منتصف ثمانينات القرن الماضي، الى الرسوم الكرتونية في الدانمارك وصولاً الى الفيلم الأميركي الحالي، خيط واحد يربط الفاعلين، هو التعرّض بالإهانة لمقدّسات الآخرين، ومحاولة الحطّ من قدرْهم من خلال الاستهانة بقيمهم الجليلة والأبدية.. لكن ذلك على خبثه وتجاريته ومعاني الانحطاط والانتهازية فيه، دلّ ويدلّ الى أمرين كبيرين، يُفترض النظر إليهما بعقل بارد وأعصاب فولاذية.

الأول، هو أن البيئة التي تخرج فيها وعنها تلك الممارسات تخطّت في ثقافتها وآدابها وفنونها وإنجازاتها كل "تابو" يتصل بها وبمعتقداتها وبمقدساتها، قبل أن تتعرض لمعتقدات الآخرين ومقدساتهم… وبالتالي، فإن القياس يُفترض أن يكون واحداً وأن يؤخذ كما هو، وإن كان في نهايته لا يبرّر على الإطلاق ذلك الاستهداف المشين.
الثاني، هو أنه لا يصحّ في كل مرة إظهار البنيان الذي يتعرض للاستهداف وكأنه أضعف من أن يتلقى حجراً طائشاً، أو رمية سهم مقصودة. أو أن لا يتحمل سلّماً وضعه كاتب انتهازي أو رسام كاريكاتير لم يسمع به أحد، أو سينمائي مبتذل، أو متطرّف أرعن، أو متآمر عليم، بهدف العربشة عليه لتحقيق أهداف محدّدة. أكانت شهرة متميزة، أو طمعاً بمال، أو تعبيراً عن تطرّف أياً كانت طبيعته، أو توسّلاً لغرض سياسي تآمري كبير.

صحيح في الإجمال أن الغريزة المستهدفة بالاستفزاز أقوى من كل عقل حتى لو كان بحجم الجبل، لكن الصحيح أيضاً هو أن الردّ على التعرّض للمقدسات يُفترض أن لا يطيح بها وببعض أساسياتها تحت لافتة الدفاع عنها!.. لا عشوائية في النصّ القرآني المقدّس ولا في سُنّة الرسول العربي الأكرم، بل لا مكان للجور والظلم حتى مع أكثر الأعداء عداوة ووضوحاً وبياناً. بل الأساس أن العدل هو الأساس، وناموس البشر، وإلاّ لما كانت الرسالة لتصل وتترسخ لو لم تكن أقوى من كل استهداف، مباشر وبدائي، أو غير مباشر وحديث… والتاريخ مليء بالشواهد.

والمعضلة في كل حال، تكمن في أن خيط الاستهداف واحد وواضح، والأهداف متعدّدة ومبهمة: إذا كان المقصود إشعال الفتن فإن المرتكبين والمحرضين أبعد من المنال، والرد عليهم محلياً (وبالواسطة) لن يؤدي سوى الى تنفيذ أهدافهم المطلوبة! وإذا كان المقصود الافتراء من خلال إظهار سلبيات الممارسة وإرجاعها الى النصّ الأصلي، فإن التعرّض العشوائي للآخر يؤكد مرامي المرتكب الأول ولا يُبدّدها! وإذا كان المقصود بث روح الكراهية وتغذية الأحقاد، فإن إعمال الغريزة والرضوخ لشيطان الغضب هما حطب موقد ذلك الخبث ومبعث انتعاش نيرانه ولهيبه!

.. لا يلغي كل ذلك، أن الشعور بالظلم والاستهداف، حقيقي في هذه المنطقة وليس مفتعلاً. وأسبابه التراكمية لا ينفيها إلا بائس، على مثال صانع هذا الفيلم المبتذل!
  

السابق
موسكو تبحث عن الحل.. الشرع قائداً للمرحلة الانتقالية !؟
التالي
السيّد ليس على علم بالمتفجرات