حادث الكويخات .. وما أدراك ما الكويخات!

أقام الجيش اللبناني حاجزاً لتفتيش السيارات تحسّباً لمشكلات يمكن أن تقع بعد أن قرّر الحزب السوري القومي الاجتماعي الاحتفال في ذكرى شهداء مجزرة حلبا في ذلك اليوم المشهود، وقرّر الفريق الآخر إقامة احتفال ليس في تاريخه المتوقّع ولا في الدعوة التي أحاطت به. وأصرّ أصحاب الاحتفال الثاني على موقفهم. ووجد الجيش نفسه في موقف المجبر على حماية الاحتفالين، فأقام حاجزاً على طريق الكويخات لمنع تنقّل المسلحين أو نقل السلاح. الأوامر العسكرية ليست كتمنّيات السياسيين ولا تقوم على اللعب بالكلام الذي يمكن تفسيره حسب الحاجة. الأوامر هي أوامر.
يُمنع نقل السلاح، ويُمنع وصول مسلّحين إلى هذا الموقع. انتهى الكلام ونقطة على السطر.

حدث ما حدث، وقامت القيامة على الجيش. وكانت تلك القيامة استكمالاً للحملات التي سبقت وتطالب بإبعاد الجيش أو بمشاغلته، أو بإقامة «جيش لبنانيّ حرّ»، ونتذكر الحملة التي طاولت الجيش والوزير و.. لأن الوزير قال إنّ مسلّحين من «القاعدة» يمكن أن يكونوا في عرسال أو غيرها. «نحن نرفض هذا الاتهام، نحن لا نقبل اتهاماً مغرضاً وسياسياً كهذا يصبّ في مصلحة سورية وحزب الله»، ولا أحد يعرف ما الذي دفعهم إلى حشر اسم حزب الله في موضع جغرافي بعيد عن اهتمامات الحزب والمقاومة.

المهم أنّ جنود الحاجز نفّذوا أوامر أعطيت إليهم. لو كان الحادث في الجنوب مثلاً وحصل ما حصل لقامت القيامة بشكل معكوس: «الجيش قام بواجبه، ووأد الفتنة، ومنع حدوث انقلاب، ومنع المسلّحين والمخرّبين من تنفيذ مخطّطاتهم وإجرامهم. كان المجرمون ينقلون السلاح بحسب خطة وضعها لهم النظام السوري أو ربما مخابرات إيران، أو أنّ محمود أحمدي نجاد أشرف على نقل السلاح بنفسه لتنفيذ المخطّط الفارسي في لبنان، ولكنّ عيون الجيش الساهرة على الأمن والاستقرار في بلاد أرز الربّ كانت للمخرّبين بالمرصاد».

يا جماعة الخير، نفّذ جنود الحاجز أوامر واضحة، فكيف يعاقب جندي نفّذ أمراً كانت نتيجته مؤسفة بمقتل الشيخ ومرافقه؟ هل من العدالة أن يعاقب ضابط أو جندي نفّذ أمراً؟ إن كان الأمر كذلك، فما طبيعة هذا الجيش وكيف تريدونه أن يكون؟ حتى لو نجمت عن تنفيذ الأمر كارثة، فالمسؤولية لا تقع على الجندي ولا على الضابط، بل على الإدارة السياسية. والخطأ كان في توقيف الضباط، لأن في ذلك بادرة سيئة العواقب.
ومع ذلك، وقف أحدهم يوم السبت الفائت أمام كاميرا التلفزيون ليقول أنّ إطلاق سراح الضبّاط مشروع فتنة، لأنّ الناس لن يقبلوا ذلك، وهذا يؤدّي إلى هيجان واضطراب ويؤدّي إلى احتقان. الفظيع في هذا الموقف أنّ الرجل إياه، وبطريقة غريبة ربط إطلاق سراح الضبّاط بزيارة البابا بينيدكتوس السادس عشر، «والتخطيط الجهنمي من قبل سورية تمهيداً لإثارة فتنة طائفية تقول لـ«قداسته» أنّ المسلمين يثيرون المتاعب والفتن».

لا أعرف كيف ربط إطلاق سراح الضبّاط بزيارة البابا وبأوامر من سورية لإثارة الفتنة في لبنان واتهام المسلمين لدى البابا.
هذا الرجل صاحب هذا القول، هل يعرف أنّ كلامه هو تلميح، لا بل أوامر برفع درجة الاحتقان. لست في موقف من يقدّم النصيحة ولكن، أما كان أجدر به أن يقول شيئاً مثل: نطالب بإجراء تحقيق، أو أنّه علينا الانصياع لقرارات الجيش الوطني الذي نتذرّع به تارة حبّاً وهياماً، وطوراً انتقاداً واستخفافاًَ، حسب الأهواء والمصالح والحزبيات والسياسات التي نختار. أما كان أجدر به أن يدعو إلى التهدئة والانصياع إلى قرارات اتخذتها قيادات عسكرية أو سياسية، حتى نحفظ للدولة بعض هيبتها ونساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ بدل أن نصرخ مطالبين بالدولة بينما نعمل على هدمها، وإلا…

يجد بعض القوميين أنّه كان على الحزب السوري القومي الاجتماعي أن يشنّ حملة تشهير بالدولة التي لم تقم بواجبها حتى في التحقيق لمقتل عددٍ من الشبّان ذُبحوا بأبشع صورة، ومع ذلك، وحفاظاً على هيبة الدولة، ترك الحزب الأمر إلى القضاء والتحقيق، ولم يلجأ إلى الانتقام ولا إلى الإثارة والتلويح بالفتنة والعمل لها.

قصّة سليمان والامرأتين اللتين تتنازعان طفلة معروفة، الأمّ الحقيقية رفضت اقتسام الطفلة لأنها تحرص على ابنتها، أمّا مدّعية الأمومة فرحّبت وقبلت.
ما أكثر المجانين الذين «يحكون».. وما أقلّ «العقّال» القادرين أن يسمعوا.  

السابق
مذكرة.. الخط الأحمر
التالي
فارس يصاب بتصلب في الشرايين