سليمان الاول: الاقوى بعد الطائف

ينبهنا الرئيس ميشال سليمان في مواقفه الاخيرة الى أن رئاسة الجمهورية لا تحتاج الى صلاحيات دستورية اضافية، وان مسألة الصلاحيات المشكو من غيابها، ليست دستورية بقدر ما هي شكوى تأتت من غياب مبادرات وطنية او سياسية يمكن لرئيس البلاد ان يطلقها في توقيت مناسب ليتلقفها المجتمع ويتفاعل ايجابيا معها، بمكوناته السياسية والمدنية والنقابية وغيرها. وربما يكتشف الرئيس ميشال سليمان اليوم ان الخروج – كما يفعل اليوم – كان ممكنا من اسر الدائرة او المعادلة السياسية التي طوقته طيلة السنوات الأربعة الماضية، وبدا في كثير من الاحيان مستسلما لها.

لا نقصد بطبيعة الحال الانحياز إلى فريق سياسي من دون آخر، وان كان ذلك حق له في المبدأ، إلا أنه قد لا يليق بموقع رئيس الدولة وحامي دستورها ان يلتحق بفريق هنا او هناك. فرئاسة الشعب تتيح له ان يشكل قطب الرحى في الحياة الدستورية والسياسية، محركا لها وفاتحا لآفاق جديدة تساهم في اخراج البلاد من حالة الدوران العبثي، ومن مسار الاهتراء الحتمي لمقومات الدولة وشروطها الدستورية والقانونية والطبيعة.
بين الكلام المبدئي ومروحة الفاعلية لموقع الرئاسة الاولى، ثمة تطور جديد في حركة رئيس الجمهورية، ينطلق من وقائع ومعلومات توفرت للرئيس سليمان كما لسواه من المسؤولين، لكنه ربما سارع الى التقاط اللحظة السياسية وباشر الحكم كأنه رئيس منتخب منذ اسابيع وليس منذ العام 2008. وذلك ضمن رؤية تقوم على انه قائد مرحلة استعادة السيادة اللبنانية، واعادة الاعتبار لموقع الرئاسة الاولى من مدخل استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها.

الرئيس سليمان بدأ مرحلته السياسية الجديدة مع اعتراضه العلني على عمليات القصف السوري لمناطق لبنانية قبل اكثر من شهر، ثم في احتضان خطوة الاجهزة الامنية التي كشفت مؤامرة (المملوك-سماحة)، وتصريحه اللائق والمشرف بأنه ينتظر اتصالا توضيحيا من الرئيس السوري بشار الاسد حول مخطط تفجير الشمال والفتنة. ومع هذه الخطوات كانت بعض العيون تجحظ اعجابا وبعضها استياء واخرى تغض الطرف كأنها لم تسمع مضمون ما لم يقله أي رئيس لبناني منذ اتفاق الطائف. واكمل رئيس الجمهورية، كما قال، انه ابلغ الوفد السوري في قمة طهران لدول عدم الانحياز، حين التقاه خلال دخوله قاعة المؤتمرات، انه يتمنى ألا يكون ثمة علاقة لسورية بمؤامرة التفجير، وابلغهم ايضا انه، كما قال له الرئيس الاسد، لا يتدخل بعمل السلطة القضائية، وذلك حين سأله عن مذكرات الجلب السورية بحق سياسيين واعلاميين لبنانيين. واليوم الرئيس اللبناني لا يتدخل في السلطة القضائية، سواء في قضية سماحة او سواها.

يمكن اسناد هذه الصورة المعدلة، التي يقدمها الرئيس سليمان عن موقع الرئاسة الاولى، الى اقتناعه بأن النظام السوري الذي عرفه اللبنانيون في العقود الماضية ذاهب في مسار انحداري في الحد الادنى، وتراجعت سطوته على لبنان وبات يفتقد القدرة على التوجيه في لبنان. ولعل ما يمكن ان يكتشفه اللبنانيون في الايام والاشهر المقبلة ان الوصاية السورية والسطوة التي تلتها كانت رئاسة الجمهورية هي اول من يدفع الاثمان من هيبتها ودورها وتأثيرها في الحياة الوطنية، باعتبارها الموقع الدستوري الاول وهو اكثر من يدفع حين يأتي الوصي، اما الصغار فهم من يستعينون بالوصاية والنفوذ السوري على موقع الرئاسة الاولى ومن ثم على الرئاستين الثانية والثالثة.

الرئيس سليمان يريد ان يضع بصمة الرئاسة الاولى على مرحلة استعادة هيبة الدولة، انطلاقاً من معادلة "اتفاق الدوحة" التي يجدر التذكير انه تم الانقلاب عليها وتعطيل مفاعيلها العربية والداخلية. وهو الى ذلك يعد نفسه لدور اساسي في الانتخابات النيابية. فكما هو معلوم في لبنان الانتخابات النيابية هي مسيحية بامتياز. فلدى السنة والشيعة والدروز النتائج باتت معروفة. اذاً المعركة مسيحية بامتياز، والرئيس سليمان يعد نفسه ليس من اجل بعض المقاعد النيابية بل لمعركة انتخابية تغير المعادلة النيابية المسيحية القائمة اليوم، مستفيدا من تعاطف لبناني عام مرشح للتزايد في المرحلة المقبلة مع تنامي مواقفه السيادية. وهو يهدد بذلك ليس موقع الجنرال ميشال عون الانتخابي فحسب بل حتى مسيحيي 14 اذار.

بالتوازي يجب الانتباه ايضا الى موقع الكنيسة المارونية والمؤسسة العسكرية. فكلا المؤسستين تقتربان الى الرئاسة الاولى، مع تحفظ البعض على موقع الجيش في هذه المعادلة، والرئيس يخطو خطواته هذه مدركًا حاجة المسيحيين واللبنانيين عموما الى استنهاض الرئاسة الاولى وهو يقدم ما عليه لتحقيق الفرصة مستثمرًا حاجة حزب الله للتهدئة بدفع الجيش والقوى الامنية الى التقدم بعض الخطوات للامام.

 

 

السابق
«بائع البطيخ» الذي أكل الطبقة الوسطى!
التالي
أهم من الترحيب بالبابا!