أهم من الترحيب بالبابا!

حماس اللبنانيين، كل اللبنانيين، لزيارة البابا بنيدكتوس السادس عشر، يعززه هذا الإجماع النادر من كل الأطراف السياسية، ومن كل المكونات الطائفية، على الترحيب بهذه الزيارة التاريخية لـ «بلد الرسالة».
هذا الإجماع السياسي، وذاك الحماس الشعبي للمشاركة في التأهيل ببابا الفاتيكان، إنما يُؤكّدان مرّة أخرى، أن لا مشكلة طائفية أو مذهبية في وطن الأرز، بقدر ما تكمن الأزمة الحقيقية والمزمنة لهذا البلد المعذب، في الصراعات السياسية المحلية، وذات الامتدادات الخارجية، والتي غالباً ما تتخذ من «واحة الديمقراطية في المنطقة» ساحة لتصفية حساباتها على حساب أمن اللبنانيين واستقرارهم.
ويُدرك اللبنانيون، وقبلهم كل القيادات الرسمية والسياسية، حراجة المرحلة، ودقة الظروف الأمنية والإقليمية التي تتم فيها هذه الزيارة البابوية، مما يُضفي عليها أهمية مضاعفة، ليس بالنسبة للبنان فقط، ولا حتى بالنسبة لمسيحيي الشرق وحسب، كما حاولت بعض الجهات الكنسية المحلية الترويج له، بل هي زيارة تاريخية وذات أهمية مضاعفة، بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط كلها، بلداناً وشعوباً، لأن خطاب البابا بنيديكتوس ليس موجهاً للبنانيين وحدهم، ولا للمسيحيين في لبنان وبعض دول الإقليم وحسب، بل إلى كل الناس، مسيحيين ومسلمين، لأنه يُركّز على صيغة العيش المشترك بينهم، بل وبينهم وبين اليهود أيضاً، وذلك انطلاقاً من الحرص على تعزيز أسس العدالة، ونشر مبادئ الحوار، وبناء قواعد الثقة والسلام بين الجماعات المتواجدة في الإقليم، على نحو ما سُرّب من نصوص «سينودس الشرق الأوسط» الذي يحمل عنوان «شركة وشهادة».

يمكن القول، إذاً، أن إصرار البابا على القيام بهذه الزيارة في مواعيدها، بغض النظر عن التوترات الأمنية التي تلاحقت في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الفائت، هذا الإصرار يشكّل فرصة ذهبية للبنان لتوظيف مجيء سيّد الكنيسة الكاثوليكية إلى ربوعه، وإطلاق الإرشاد الرسولي الجديد لمنطقة الشرق الأوسط، في تعزيز مكانة الوطن الصغير، صاحب التجربة المميزة في العيش المشترك بين أبناء الديانات السماوية، وخاصة بين المسلمين والمسيحيين، إلى جانب تفعيل الدور اللبناني في ورشة الحوار المفتوحة بين المسلمين والمسيحيين، حيث ينص الإرشاد الرسولي «سينودس الشرق الاوسط» في أكثر من فقرة إلى ضرورة اعتماد الحوار كوسيلة لمعالجة أزمات المنطقة وتحقيق السلام مع الآخر.
ويبدو أن لبنان أبدى تجاوباً ملحوظاً مع الرغبة البابوية في إبقاء الزيارة على موعدها أواسط الشهر الحالي، وذلك على الصعيدين الرسمي والسياسي.
 على الصعيد الرسمي: مهّدت مواقف الرئيس ميشال سليمان الأخيرة من قضيتي مخطط التفجير والخروقات السورية، وعمليات الخطف وتداعياتها السلبية، الأجواء المناسبة لاستعادة الدولة للمبادرة الأمنية في البلد، والعمل على إعادة أجواء الانضباط العام في مختلف المناطق اللبنانية.
ولعل تصريحات رئيس الجمهورية الجمعة الماضي في جبيل، وعملية الجيش النوعية في حيّ الرويس في الضاحية الجنوبية، يحملان أكثر من ترجمة عملية لعزم الدولة شرب «حليب السباع» عشية زيارة البابا، لتهيئة المناخات المناسبة من التهدئة والأمن قبل وصول الحبر الأعظم.
 على الصعيد السياسي: ظهر إجماع غير مسبوق بين طرفي 8 و14 آذار على توفير الأجواء المناسبة للزيارة البابوية، من خلال هذا التسابق على الترحيب بالزائر الكبير، وسحب ألغام التوتر من الشارع تفادياً لأية مفاجأة غير سعيدة عشية موعد الزيارة أو خلالها.
قوى 14 آذار سارعت إلى احتواء «صدمة» إطلاق الضباط الثلاثة، وردود الفعل الغاضبة في منطقة عكار، تجنباً لتطور الأحداث إلى ما لا تُحمد عقباه.
و «حزب الله»، من جهته، بادر إلى تأمين الغطاء السياسي لعملية الجيش في الرويس، وتنفيذ الاستنابات القضائية بحق المطلوبين من عشيرة المقداد، التزاماً بتوفير مناخات التهدئة المطلوبة لزيارة البابا.

هنا، من حق كل لبناني أن يتساءل:
ألا يحق لأبناء هذا الوطن المعذب أن ينعموا بالأمن والتهدئة السياسية إلا لأيام معدودات..؟ وماذا يمنع القيادات السياسية المعنية من تنظيم خلافاتها وصراعاتها على السلطة، بعيداً عن توتير الشارع، وشحن النفوس والعقول بالخطابات الفئوية والحزبية والمذهبية الملتهبة؟
لماذا لا تدوم «هدنة البابا» أسابيع وأشهراً مثلاً، حتى تبرد الرؤوس الحامية، وتهدأ النفوس المشحونة؟
وهل يكفي مجرّد الترحيب بسيد الفاتيكان، أم أن الأهم هو العمل بمضمون الإرشاد الرسولي الذي يُؤكّد على الحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات، بعيداً عن كل أشكال العنف؟
أما بعض نصوص الإرشاد الرسولي فتحتاج إلى وقفة نقاش هادئ، خاصة بالنسبة لعبارات لا تدل على أن أصحابها يفهمون الإسلام جيداً!.  

السابق
سليمان الاول: الاقوى بعد الطائف
التالي
ميشال وميشال وميشال