تلامذة لبنان أبطال العرب في المناظرة

يطرح موضوع النقاش. تنقسم الفرق بين مع أو ضد. يتألف كل فريق من خمسة أشخاص، توزّع المهمات في ما بينهم. المتحدث الأول باسمهم تقع عليه مهمة فتح القضيّة، وإعلان موقف مجموعته، وإعطاء أول سببين لهذا الموقف. المتحدث التالي، هو من يقوم بتأليف المقدمة لكل موضوع. بعدها يبدأ الحوار ويتقدم كل شخص ليواجه شخصا آخر في الفريق المقابل، يقدم الحجج والأدلة المقنعة لدعم قضيتهم. أمّا المهمة الأخيرة، وهي خطاب الرد، فيقوم بها المتحدث الأخير في كل من الفريقين. كل ذلك يجري في أوقات صارمة، تحدّد بالدقائق.
هذا ما يسمى بفن المناظرة.
في إحدى قاعات المدينة التعليميّة، جرت مباريات البطولة الدولية للمدارس العربية، التي نظمها مركز قطر للمناظرات. وفي ختام الجولات، وقف الفريق اللبناني مواجها للفريق الأردني، ليتناظرا حول موضوع «يؤمن هذا المجلس بمنح الحصانة القضائية للحكام المستبدين مقابل تنحيهم عن السلطة».
انتهت الجولة بفوز لبنان بالمركز الأول، تلاه الفريق الأردني، فيما حل الفريق التونسي في المركز الثالث.
المشاركات شملت جميع الدول العربيّة. أربعة أيام طرحت فيها مسائل متنوعة شملت مواضيع سياسية واجتماعية واقتصاديّة وغيرها.
الفريق اللبناني المشارك تميّز بتمثيله التنوع في لبنان: خمسة أشخاص من مدارس ومناطق وطوائف مختلفة، لم يكن اختيارهم عشوائيا، بل باعتبارهم طلابا متفوقين رشحتهم مدارسهم أولا، ومن ثم اختيروا من بين 35 شخصا، نتيجة لأربعة اختبارات قامت بها مدربتهم سناء خوري في قصر «الأونسيكو».

قلّة سمعت بفوز لبنان في المسابقة، الأمر الذي سبّب خيبة عند المشاركين اللبنانيين. نور الهدى محمود، إحدى المشاركات، من ثانويّة الغبيري الرسمية الثانية، أشارت إلى أن جميع البلدان المشاركة كانت ترافقهم تغطيّة إعلاميّة، إلا الفريق اللبناني «لا إعلام ولا اهتمام من الوزراء المعنيين». في حين أن توقعات ليال شاهين، الثانويّة النموذجية في الهرمل، حيال وجود مواكبة إعلامية ورسمية في المطار لدى وصولهم، كانت خاطئة. لم يكن بانتظارهم إلا الأهل وبعض الأصدقاء. وما أحزن ليال أكثر هو معرفتها كيف تم استقبال الفريق المصري مثلا: «تأهلوا للربع النهائي بس، ولما وصلوا ع بلدن عملولن تكريم كبير، مع انو عندن ثورة ومشغولين!».
ينفي صليبا وهبي، من ثانويّة كفرشيما الرسميّة، حصول الفريق على أي تشجيع من قبل الدولة، «وزير التربية ما كان عرفان انو نحنا بقطر، أبدا ما تابعونا». أعضاء الفريق يؤكدون أن زيارة الوزير كانت بمبادرة منهم. والوزير بدوره تسلّم الكأس، وأخذ صورة فوتوغرافيّة معهم، ولم يقل لهم سوى مبروك. وبالنسبة لصليبا ورفاقه، هذه الكلمة ليست كافية لأول بطولة تقام للمدارس، ويفوزون هم باسم لبنان.

تمارا جمال الدين، من ثانويّة مارون عبود الرسميّة في الهرمل، تؤكد ما قاله زميلها، أن الوزير لم يكن على علم وتفاجأ بالخبر، لكنه أكدّ الاهتمام بالفريق الثاني في المرة المقبلة، إضافة إلى وعده بمعاودة الاتصال بهم.. لكنه لم يفعل. غياب الصحافة أيضا كان له تأثير سلبي عند المشاركين، حسب تعليق تمارا. «كل شي تعبناه ما لقينا مقابلو شي بلبنان». فيما لا يجد علي الزعبي من ثانوية رأس النبع الرسميّة، ما يقوله حيال الأمر، ويرجّح أن غياب التغطيّة الإعلاميّة يعود لكون المناظرة غير معروفة على الصعيد اللبناني. ولو كان فوزهم في بطولة في كرة القدم مثلا، لكانوا وجدوا صدى لانتصارهم. وبرغم توقعات علي السابقة بأن حفلة أو تكريما ما يحضر لهم من قبل الدولة، إلا أن اللامبالاة التي لمسها من قبل المعنيين لم تحزنه كثيرا.
بعيدا عن خيبتهم بوزرائهم وإعلامهم، كان لهؤلاء انتصار حققوه ومكاسب جديدة أضافوها إلى حياتهم. أولها كان تعرفهم على فن المناظرة التي لم يسبق لهم يوما أن سمعوا بها. علي تعرف على قيمة الحوار وبدا أكثر استعدادا من ذي قبل للاستماع إلى الرأي الآخر. هكذا، أيقن أن لا أحد يمتلك وجهة نظر صائبة تماما. فللآخر أيضا حجج منطقيّة تبرر مواقفه وتستحق الاستماع إليها. نور الهدى أيضا لا تخفي أنها اليوم باتت تتقن أكثر من أي وقت مضى فن الحوار والاستماع إلى الآخر. إضافة إلى تعلمها قيمة الوقت وكيفيّة تقسيمه لتوصل فكرتها بأفضل الطرق الممكنة. صليبا بدوره وجد في الأمر ثقافة جميلة وهامة، تمنى أن تنتقل إلى السياسيين اللبنانيين. واعتبر أن تجربته هذه أجمل ما خبره في حياته، لأنها غيرت له الأحكام المسبقة التي كانت في ذهنه عن الآخر، إن كان على الصعيد الطائفي، أو على صعيد شعوب الدول الأخرى. «هذه التجربة أغنتنا ثقافيا وأشعرتنا بالانفتاح»، يقول. ليال كذلك كانت لها أحكام مسبقة وخاطئة عن البلدان الأخرى، صححتها عن قرب، بعدما تعرفت على ثقافات ومعارف متنوعة. كما ساهمت هذه المباراة باكتسابها الكثير من المعلومات. في حين أن ثقة تمارا بنفسها ازدادت، خصوصا بعد فوزها بالمرتبة الثالثة لأفضل متحدثة من أصل 105 في العالم العربي. كما اكتشفت تمارا قرب الشعوب العربيّة من بعضها البعض، بالرغم من انعدام التواصل بينهم، الأمر الذي جعلها تحتفظ لنفسها بصورة جميلة عن كل شعب.

المكاسب التي حققها الفريق اللبناني من توثيق الروابط والصلات وترسيخ ثقافة الحوار الهادئ البناء هي نفسها التي كان منظمو المباراة يهدفون إلى تحقيقها. هي تجربة جعلت الفريق اللبناني يغيّر نظرته إلى الآخر، إلا أنها على الصعيد الداخلي رسخت نظرتهم أكثر فأكثر حيال واقع الدولة اللبنانيّة: «اتضايقنا شوي، بس هيدي الدولة اللبنانيّة.. ما في اهتمام»، بحسب ما تقول ليال.

السابق
الصورة تتكلم
التالي
تهريب السلاح والادعاءات السخيفة