المقدم هنري منصور: انتشار المخدّرات جنوباً يتوسع والجميع مسؤول

تعتبر مشكلة الادمان مشكلة عالمية، ذات جوانب متعددة ولا تختلف في ذلك أية دولة سواء كانت متقدمة أو نامية. وعلى الرغم من الجهود المحلية والعالمية التي تبذل في مواجهة هذه المشكلة ضمن الاهتمام بالصحة الفردية والمجتمع، فإن مشكلة الادمان في تفاقم متزايد حتى بلغ عدد المدمنين كما ورد في بيانات منظمة الصحة العالمية (1990) حوالي 162 مليوناً في كافة انحاء المعمورة.

وتبعاً لاحصاءات قامت بها مؤسسة أم النور خلال العام 2001 تبيّن أن نسبة زيادة المدمنين على المخدرات وصلت إلى 54.8% من المدمنين خلال عام، كما تبين لهم من الاحصاء نفسه أن معدل العمر ينخفض اذ كانت الفئة العمرية ما دون ال24 سنة تشكل 5% من المتعاطين في العام 1990 في حين وصلت الى 40% خلال العام 2000. ومن الجدير بالاشارة ان التدرج نحو المخدر الحاد ونحو حالة التبعية أخذت تجري اليوم بسرعة أكبر من الماضي، كما أن الفئات الاجتماعية كافة معنية بهذه المشكلة.
ونظرا لاهمية هذه الآفة وانتشارها السريع في لبنان بشكل عام ومنطقة الجنوب بشكل خاص قمنا باعداد ملف من عدة حلقات سيصار الى عرضها تباعا.
. وفي هذا السياق التقى رئيس مكتب مكافحة المخدرات في الجنوب المقدم هنري منصور عدداً من الجمعيات والمؤسسات المهتمة في منطقة صيدا في الأسبوع الأخير من كانون الثاني 2012 في قاعة جمعية المواساة في صيدا. وكان الحوار حول: استشراف لوضع منطقة الجنوب في مجال المخدرات.

ارتفاع عدد المتعاطين
بداية عرض منصور الأرقام المتعلقة بالموقوفين في خلال الخمس سنوات المنصرمة إذ بلغ عدد حالات التوقيف 1719 حالة توقيف لنحو 1500 شخص. وهو رقم يتضمن التجار والمروّجين والمتعاطين. وأضاف: أما عدد الموقوفين المتعاطين في خلال الثلاث سنوات الأخيرة. فقد بلغ 733 موقوفاً منهم 583 شخصاً بتهمة تعاطي حشيشة، 110 أشخاص بتهمة تعاطي هيروين و40 شخصاً بتهمة تعاطي كوكايين.

أسباب التعاطي
وفي النقاش لأسباب تزايد عدد المتعاطين رأى منصور: "من جملة الأسباب، تأثر بعضهم بالجو الجامعي الذي يعيشونه وخصوصاً في جامعات بيروت، والسبب الآخر أن التعاطي يبدأ بالأب أو الأخ الأكبر لينتشر بين أفراد العائلة".
ولاحظ منصور أن عدداً من المتعاطين انتقل بسرعة من تعاطي حشيشة الكيف إلى تعاطي الهيرويين، وأن بين من تم توقيفه من يتعاطى أكثر من مادة مخدّرة في الوقت نفسه وقد بلغ عدد هؤلاء 137 موقوفاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وأن قسماً تورط بالتعاطي في خلال سفره إلى الخارج.

الفئات الاجتماعية
وعن الفئات الاجتماعية، فقد ذكر المقدم منصور أن المتعاطين هم من فئات اجتماعية مختلفة ذكوراً وإناثاً: عمّالٌ، موظفون، طلاب جامعات، متسربون من المدارس، عاطلون من العمل. وأشار في ملاحظة أخرى إلى تدني عمر المتعاطين إلى ما دون العشرين عاماً، "فقد تم توقيف عشرين متعاطياً دون العشرين خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وتم رصد أربع حالات وفاة بسبب جرعة زائدة في منطقة الجنوب عام 2011، وهي حالات صُرّح عنها في حين يمكن أن تكون هناك حالات لم يصرّح عنها رسمياً".
وعتب المقدم منصور على عدم تعاون بعض البلديات والمخاتير وبعض المرجعيات السياسية في مكافحة هذه الظاهرة لأسباب عائلية، انتخابية وحزبية.

الواقع والمستقبل
يبدو من حديث المقدم منصور أن نسبة التعاطي ستزيد مستقبلاً إذا لم يتم الاتفاق بين مكونات السلطة والمجتمع على وضع خطة وآلية عمل لمواجهة هذه الآفة. ويقول مصدر أمني معني: إن ارتفاع عدد المتوفين بسبب جرعة زائدة يعني ان قسماً من المتعاطين وصل إلى مرحلة متقدمة من التعاطي، وهذا ما يؤشر إليه أيضاً الانتقال السريع من استخدام حشيشة الكيف إلى تعاطي الهيرويين.

الوضع الراهن في مدينة صيدا
أما في مدينة صيدا، يبدو أن تعاطي المخدرات لم يعد مقتصراً على أحياء البلد القديمة بل بات منتشراً في أحياء مدينة صيدا نفسها، ويمكن رصد مجموعات التعاطي في عدد من الأحياء مثل حي الزهور، الاسكندراني. التعمير التحتاني، القياعة. إلى جانب مخيم عين الحلوة نفسه. وتنتشر حبوب الهلوسة بشكل واسع لسهولة الحصول عليها ورخص أسعارها.
ويوضح بعض المراقبين: صارت المخدرات متاحة وسهل الحصول عليها وبطرق مختلفة، بعضها عبر الهاتف، أو عبر وسيط وبعضها يطلق عليه مخدرات دليفري، حيث تصلك من دون تكبد مشقة الذهاب إليها.

كيف يتم الحصول عليها وتوزيعها؟
أحد المصادر يقول: يحضر التجار المواد الممنوعة إلى المدينة حيث يتسلمها معتمدون للترويج والتوزيع. ثم تباع إلى المتعاطين. أما حبوب الهلوسة فيتم الحصول عليها بواسطة وصفات طبية مزوّرة. يشرح أحد المروّجين في أحد أحياء صيدا وقسم من مخيم عين الحلوة: أننا نستعمل وصفات طبية مزوّرة لشراء الحبوب من صيدليات مختلفة، وأحياناً نلجأ إلى تهديد الصيدلي في حال امتناعه عن بيعنا الحبوب، يكفي أن يبيعنا مرة واحدة حتى يعلق ونخضعه للابتزاز. ثم نعود ونبيع الحبوب إلى المتعاطين بالمفرّق.
أحد أصحاب الصيدليات يوضح الأمر: أننا نرفض أن نبيع أي شخص أدوية تستعمل كمخدرات إلا إذا كان زبوناً للصيدلية ونعرفه تماماً ويجب أن تكون الوصفة حديثة جداً ومن طبيب نعرفه. يمر بنا أحياناً أشخاص يحملون وصفات طبية لا نعلم إذا كانت صحيحة أم لا؟ لذلك نمتنع عن البيع. لكن المعلومات من المروّج تفيد أن المروّجين يجدون دائماً من يبيعهم أدوية مهدئة تفيدهم في تجارتهم غير المشروعة.
ويبدو أن المروّجين قد بنوا شبكة حماية لهم عند حدود البلد القديمة، فعند اقتراب أية دورية من مكتب مكافحة المخدرات، نستعمل وسائل تنبيه مختلفة نجعل المروّجين والمتعاطين يختفون في لحظات.
بعضهم يستعمل الصافرة العادية، البعض الآخر يستخدم الجوال فمثلاً 3 Missed call يعني مداهمة، اثنتان يعني دورية عادية وهكذا، وبعض آخر يستخدم عيوناً تسرع لإخبارهم وهذه الفئة هي من كبار المروّجين.
يقول مصدر أمني: عندما نقترب من منزل عائلة مروّجين من آل د. في لحظات يقفزون عبر سطوح المنازل المتلاصقة ويختفون عن الأنظار.

الاعتقالات
توحي الأرقام الموجودة لدى مكتب مكافحة المخدرات أن جميع المتعاطين في البلد القديمة تم توقيفهم مرة أو أكثر من مرّة. ومعظمهم صار تحت المراقبة، لكن الأخطر أن أفراد بعض العائلات تتعاطى وتروّج وتتاجر والالتصاق المكاني بين المنازل في البلد القديمة يساعدهم على الفرار والهرب عندما تحاول الدوريات توقيفهم.

العوائق
يبدو أن غياب مرجعية أمنية واحدة وآلية عمل واحدة تساعد على تزايد انتشار المخدرات. إذ يكثر الحديث في المدينة عن حماية بعض الأجهزة الأمنية لمتعاطين أو تجّار. ويبدو ذلك كأنه وجه من أوجه الحقيقة، فإذا كان مكتب مكافحة المخدرات يلاحق المتعاطين والتجار والمروّجين فإن أجهزة أخرى قد تستخدم بعضهم كمخبر، مما يجعل البعض يظن أنه بات في شبكة أمان، لكنه يكتشف أن أحداً لا يحميه حين يتم إلقاء القبض عليه بتهمة الترويج والتعاطي. وعندما سألنا أحد المسؤولين الأمنيين عن ذلك، وجّه الاتهام إلى القيادات السياسية بأنها تتدخل للإفراج عن الموقوفين، إلا أن أحد المصادر في مكتب مكافحة المخدرات، أكد أن اتصالات السياسيين وبشكل غير مباشر تقتصر على الاستفسار عن أسباب التوقيف فحسب، ونفى معرفته إذا كان يحصل شيئاً لدى القضاء.
وفي قصر العدل أكد أحد الموظفين أن اتصالات السياسيين للاستفسار أيضاً. وأن الموضوع محسوم، فالمتعاطي يتم توقيفه حتى 15 يوماً ويحوّل للمحاكمة وينال عقوبة مالية. أما المروّج والتاجر فيحوّل إلى محكمة الجنايات وهناك لا نعلم ماذا يحصل، ولكن لا أعتقد أن أحداً يتدخل لصالح مروّج مخدرات.
ولا ينفي أحد المعنيين بمكافحة المخدرات استخدام المتعاطين سابقاً كمخبرين: "بعد توقيف المتعاطي وخروجه وثبوت عدم تعاطيه مجدداً، نجري اتصالات معه لبحث إمكانية التعاون لكشف المزيد من شبكات الاتجار بالمخدرات، البعض يقبل والبعض الآخر يرفض لكننا لا نسمح أن يؤدي تعاونه معنا إلى تعاطيه المخدرات مجدداً.

ماذا عن عين الحلوة
ويشهد مخيم عين الحلوة انتشاراً واسعاً لعدد من المواد المخدرة وعلى رأسها حبوب الهلوسة، يقول أحد الناشطين الاجتماعيين: أن نسبة تعاطي المخدرات تزداد يوماً بعد يوم والبعض يرى أنها تصل إلى نسبة 30% من الشباب، ويعود ذلك إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يزداد سوءاً كل يوم.

كيف تدخل المخدرات إلى مخيم عين الحلوة؟
يوضح الناشط المذكور عملية إدخال المخدرات بالآتي: أول وسيلة أن البضاعة تصل من البقاع إلى متعهد في المنطقة الذي يسلمها إلى تاجرين أحدهما فلسطيني والآخر لبناني ويتم نقلها أحياناً إلى داخل المخيم بواسطة سيدات. ويستخدم المروّجون إشارات سرية عبر الهواتف الجوّالة لتوزيع المخدرات على المتعاطين.
ويتابع: أشتبه أن بعض الأجهزة الأمنية قد يساهم في انتشار المخدرات وأعطي مثلاً على ذلك: فمنذ فترة وبعد تزايد عمل المروّجين أقدم أحد الأشخاص (ع.س.) مع مجموعة مسلحة على مداهمة 3 أوكار لتجار المخدرات في أحد أحياء المخيم حيث تم اعتقالهم متلبسين، وسلموا إلى الكفاح المسلح الذي بدوره سلمهم إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، إلا أن المذكور تم توقيفه بعد خروجه من المخيم تحت تهم مختلفة منها إطلاق نار وحمل سلاح غير مرخص وأثناء التحقيق قيل له "شو بدك تعمل شيخ شباب" من دون الحديث الصريح عن دوره في اعتقال التجار. ويصف الناشط الوضع الراهن: "أن الكفاح المسلح أحياناً يعجز عن اعتقال أي تاجر أو مروّج لأسباب سياسية أو عائلية أو مناطقية، ولكن يصل وضع المروّج أحياناً إلى درجة لا يعد هناك إمكانية للسكوت عنه فيجري اعتقاله. ويتهم الناشط المنظمات الفلسطينية بعدم مكافحة هذه الآفة وملاحظة مرتكبيها.
من جهة أخرى يشير أحد المصادر في مكتب مكافحة المخدرات إلى عدم تعاون الأجهزة الأمنية الفلسطينية ويوضح ذلك قائلاً: طلبنا منهم توقيف عشر تجار معروفين وأن اعتقالهم يساعد في انحسار حالة الانتشار الواسعة للمخدرات في المخيم، إلا أنهم لم يهتموا بالموضوع، ربما لأسباب عشائرية، أو عائلية وغيرها. إلا أن مصدراً فلسطينياً آخر أوضح أن الكفاح المسلح قد سلّم مؤخراً أربعة أشخاص: لبنانيان (محمود .م) و(وسيم. ف) وفلسطينيان هما (عبد الرحمن.ح) و(عماد.م) والأولان كانا يسلمان مخدرات إلى الفلسطينيين. كما تم تسليم (شادي.ج) أبو اسكندر أحد أبرز تجار المخدرات في مخيم عين الحلوة والذي توفي لاحقاً في سجن رومية إثر جرعة زائدة.
وحول انتشار حبوب الهلوسة يفيد المصدر الفلسطيني أن الجهات الأمنية عقدت اجتماعاً مع أصحاب الصيدليات الموجودة في المخيم ويبلغ عددها 28 صيدلية تعهدت خلاله بالامتناع عن شراء الأدوية المذكورة وإدخالها إلى المخيم.

السابق
وهاب هنأ بوتين بإعادة إنتخابه رئيسا لروسيا: العالم يحتاج إليكم لوقف آلة القتل والتدمير الأميركية
التالي
بماذا تنفع الأحلام؟