حجاب اليوم.. بين الموضة الصارخة والألسن اللاذعة!

بنطال ضيق وكنزة "بادي"، حجاب مزركش، ومكياج صاخب.. موضة الفتاة المحجبة اليوم!

قد يرى البعض أن هذا المظهر يتعارض مع واقع الحجاب المتعارف عليه وفقا للقصص التاريخية الدينية الموروثة. فالتقاليد والعادات تصوّر المرأة المحجبة بالثوب الفضفاض الطويل، او الثوب العادي شرط أن لا "يكسّم" جسدها ويظهر مفاتنه. وقد يرى البعض الآخر أن الواقع والموضة والتطوّر السريع الذي تعيشه المجتمعات فرضت على المحجبات نمطا معيّنا من الملابس، إلاّ أن بعضهن جنحن بهذه الموضة بعيدا حتى أن البعض أطلق عليهن مصطلحات عديدة كـ "عاريات الدماغ، راقصات الحجاب، غطاء للرأس فقط".. وغيرها من المسميات القاسية.

يبرر جعفر ذلك بقوله: "حجابهن لا يعدو كونه غطاء للرأس لا اكثر، يقلدن به الغرب عبر تباهيهن بأنهن على الموضة، ضاربات بعرض الحائط قيمة الحجاب، الذي يقع رهينة الغزو الثقافي العولمي الذي اطاح بقيمته، وبتنا لا نشاهد الحجاب بمعناه الديني بل غطاء للرأس ليس إلا.
اختارت ريما ان تعلق بعبارة "أرضي ربي بحجابي ولكنني من حقي أن أرتدي على الموضة".

ولا يتردد الباحث عبد الهادي منذر بالقول " أن الغرب إخترع هذا الحجاب ليضرب المجتمع وليحكم سيطرته عليه، إذ بات الحجاب أقوى من السلاح النووي بل أفيون الشعوب، ويستشهد بدراسة عالمية إجتماعية حول الحجاب والتي أثبتت " أن الغرب نجح في غزوهم العالم الإسلامي عبر نشرهم موضة الحجاب الحديث عبر البرامج التلفزيونية المفزلكة التي غزت المجتمع بسرعة فائقة".

في الساحة العامة بالنبطية يجلس وليد محاولا ان يتأمل المحجبات وما أكثرهن، فلا يرى إلا ملابسهن المثيرة، وإذ بسهى تعبر الشارع مرتدية "بنتاكور" ضيق وكنزة قصيرة، ترسم جسدها بكامل تفاصيله، وتضع على رأسها حجابا بألوان فاقعة على الطريقة الخليجية، ويطفو على وجهها المكياج الصاخب، غير آبهة بما يحوطها من كلام. وبالنسبة لوليد فان الفتاة المحجبة تمتلك رغبة في إبراز نفسها امام الرجل من خلال ملابسها التي غدت عامل جذب فيقول:"شو هالحجاب معقول! أما ان تتحجب مضبوط أو بلاه.. شوف وين صرنا". ويكمل "هذا يؤدي إلى خلق نظرة سلبية لصورة المرأة المحجبة، محمّلا المسؤولية للأهل "الذين يسمحون للبنت بأن تشوّه الصورة المألوفة للمرأة المحجبة".
 أما وسام "فالحجاب، بالنسبة له، لا يعني ستر الرأس والجسد فحسب، بل حجب الرجل عن المرأة"، وهذا الامر اختلف على مرّ الزمن وما عاد موجودا بفعل الاختلاط والحداثة، وبذلك فمن الطبيعي أن يكون اللباس العصري هو الطاغي. ولكن التطرّف هو غير المقبول أخلاقيا في الوقت الحالي، وقد يصبح عاديا بعد عشر سنوات.

تبرر سهى حجابها "المودرن" قائلة: "أعرف أن حجابي خاطئ، او غير مكتمل، ولكن لا يمكنني أن أعرض جمالي الا من خلال طريقة ملابسي والاكسسوار الذي أرتديه، لا أخفي أنني أعيش شخصيتين، الاولى تؤنبني وتخبرني أنني أنحرف عن طريق الحجاب، والثانية تلعب دور المجتمع الذي يفرض عليّ أن أكون على الموضة. وغالبا هذا ما نجده في المحلات، وأفضل أن أكون على الموضة".

قد تكون الموضة هي العامل الاول الذي يدفع بالمحجبات إلى اختيار هذا النوع من الملابس لمجاراة المجتمع وتطوره السريع، وقد تكون نظرة الشبان متفاوتة بين موافق ومعترض، ولكن بالنسبة للفتيات غير المحجبات فإن الامر مختلف فبالنسبة لفرح المسألة مرتبطة "بالحرية الشخصية، فلكل شخص الحق والحرية في لبس ما يحلو له، ووضع الحليّ التي يريد". وتكمل "هذا ظلم، فمن غير الطبيعي ان يتم الجمع بين التزيّن والترتيب بتشويه صورة الحجاب، فالمجتمع يتطور والامور ما عادت كما كانت منذ 5 سنوات".

تعيش الكثيرات من المحجبات صراع بين الموضة المفروضة عليها ونظرات الناس الناقدة لتلك الملابس الملفتة، ويعملن على الدفاع عن انفسهن بعبارة "الله وحده العالم ما في النفوس.. والمهم انا محجبة".
يؤكد دكتور علم الاجتماع هاشم بدر الدين ان "المحجبة تعيش صراع داخلي قاس، اذ لا يمكن لها ان تتنحى عن الواقع الديني القائم، ولا أن تظهر نفسها مكبوتة دينيا، وهذا ما حذا بها الى مجاراة العصر، وتغيير نمط حجابها شكلا ولونا، الى أن وصلنا الى الاشكال الحالية أقواس قزح الحجاب، وهذا الصراع قد يدفع بها نحو الانحراف، ولكن لا يمكن تحميل الفتيات كل المسؤولية فالجزء الاكبر منها يقع على الاعلام وجزء على التربية الاسرية وأخر على الرفيقات اللواتي يلعبن دورا في تغيير عقلية الفتاة في شكلها السريع".

لمواجهة هذه الظاهرة نحتاج الى تظافر جهود رجال الدين والثقافة والفكرة، هذا ما يشدد عليه الشيخ غالب ضاهر الذي يرى أنه لا يمكن الوقوف صامتين ونحن نرى الحجاب ينحرف عن خطه، والذي يهدد المجتمع ويهدد في تفكك الأسر، ويرفض ضاهر تسمية حجاب اليوم بحجاب "فهو لا يعدو كونه زيا دخل عالم معظم الفتيات المحجبات فبات ثقافة الموضة الحديثة التي تترافق مع ترويج تجاري واعلامي كبير، وهذا يسبب الكثير من التفلت الديني، ويزيد من حالات الطلاق والتفكك الأسري. ويلفت الى ان "الفتاة اليوم تصنع حجابها وتفرضه على مجتمعاتنا، معتبرا أن "الحجاب ليس بالعطور والألوان الصارخة والملابس المثيرة"، الحجاب هو كي لا تتعرض الفتاة للأذى إذ يحجب عنها الاثارة والشهوة. ختم قائلا: "إن قلبي ينفطر على ما آل اليه الحجاب".
يقول الامام علي(ع) "جمال المرأة حياءها ووجهها وليس طريقة لباسها". ويبقى السؤال من يتحمّل مسؤولية هذا الإنحراف الخطير للحجاب؟ وأي واقع ينتظرنا في حال إستفحلت هذه الموضة وانتشرت، وفي تعزيز قوى الغزو الثقافي الهادر؟ وأي دور سيلعبه علماء الدين المجتمع والأسرة؟
أسئلة تبقى رهينة المراقبة لوسائل التطور السريع من إنترنت وإعلام القادرة بدعايتها ان تقلب الموازين، وان ترسم خارطة جديدة لعادات وتقاليد موروثة منذ القدم. 

السابق
نقولا نحاس: لا عائق في تنفيذ خطة الكهرباء
التالي
من يحمي داتا التربية؟