اهل بيت اوتاوا منقسمون… بانتظار تدخل المجلس الشيعي الاعلى

لم اكن ادرك من لحظة هجرتي الى العاصمة الكندية "اوتاوا" ان الوضع العام للجالية اللبنانية وتحديداً الشيعية قد وصل الى هذا الحدّ من التفكك والتشرذم وغياب التعاون والالفة بين افرادها. وخلافاً للمنطق العقلي القائل بأن اي اقلية او مجموعة بشرية تتشارك في ذات العادات والتقاليد والعقائد تتضامن فيما بينها في مجتمع غريب ومختلف عنها، إلا ان اللبنانيين وكعادتهم شذوا عن ذلك المنطق وبدوا في بلاد الصقيع اكثر خلافاً وفرقة من سكان البلد الام، فانقسموا في احزاب وطوائف ومذاهب، يتخصامون حين يتناولون سلاح المقاومة ودوره، يتعاركون حينما يذكرون مواقفهم من سوريا ونظامها واتهامات العمالة والتبعية المتبادلة، ويغضبون عند تطرقهم الى المحكمة الدولية واخبار التلفيقات المتناقضة حولها.

عند هذا الحد لا يظهر فيما ذكرناه اي غرابة، وخاصة اننا كلبنانيين نشأنا على الاختلاف فيما بيننا ولكن ان يضرب التباين في المواقف تياراً موالياً متضامن في الظاهر مختلف في الجوهر والمضمون فهذا ما يلفت الانتباه ويدفعك للاحاطة بأسبابه خاصة وان اصحابه جالية لبنانية شيعية جنوبية هاجر رعيلها الاول الى كندا في منتصف السبعينات وزاول اعمالاً تجارية اتاحت لهم فيما بعد ان يتحولوا الى رقم صعب في معادلة رجال الاعمال ولكن من دون ان يصلوا الى لوبي ضاغط سياسياً واقتصادياً على مراكز القرار في كندا.


 وفي التقييم الاولي وبعد اكثر من عام من محاولتي الدخول الى نسيج الحياة الاجتماعية في "اوتاوا" عبر بوابة نشاطات الجالية اتضح لي ان تلك الجالية وقد انقسمت على ذاتها الى طوائف ومذاهب اسلامية ومسيحية تمر في مرحلة من التشرذم وصل مده الى حد تباين "جالية المذهب" فيما بينها صراعاً على المؤسسات والمراكز الدينية التعبوية انطلاقا من مبررات تعدد المرجعيات الدينية داخل الطائفة الشيعية بالتحديد. فعندما لا يتجاوز عديد الجالية الشيعية في اوتاوا الافاً خمسة على حد اقصى يصبح الحديث عن انقسام فيما بينها غير مبرر ولكن الحقيقة على ارض الواقع تبرز كالتالي: منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات كان النشاط الشيعي في اوتاوا يقتصر على استئجار قاعات خاصة لاحياء المناسبات الدينية ومن اهمها ذكرى عاشوراء، ومع ان عديد الجالية كان لا يتجاوز الالف او الالفين على حد اقصى الا ان مظاهر التضامن الديني ومشاركة بعضهم بعضاً في الافراح والاتراح بدى السمة الابرز.

مع مطلع العام 2000 تغيّر المشهد، اجتمع عدد من رجال الاعمال الشيعة في "اوتاوا" ودعوا الى انشاء مركز خاص بالطائفة تحت اسم "مركز اهل البيت"، وبعد ان تم فتح باب التبرعات لابناء الجالية استقبل المركز ضيوفه بعد اقل من سنة، نشاطات دينية مختلفة، مجالس عزاء واحياء مراسم عاشوراء. بدى المركز في بدايته اشبه بجامع للطائفة واتباع مرجعايتها المختلفة ولكن مع الوقت ارتدى لوناً حزبياً خالصاً، اتبع مرجعية السيد علي خامنائي من ناحية تحديد عيدي الفطر والاضحى فيما وجد اتباع المرجعيات الاخرى وتحديداً مقلدي السيد محمد حسين فضل الله والسيد علي السيستاني انفسهم خارجه. ومع ان معارضة هؤلاء لم تظهر في البداية إلا انها اليوم باتت اكثر وضوحاً وعلانية ووصل الحد ببعض مقلدي المراجع الاخرين من المتمولين الى الدعوة لانشاء مركز ثان مواز للاول، وهو ما يؤد اذا لم تسو الامور على عجل الى مزيداً من الانقسام.
ومن هنا تبرز الحاجة الى دور للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى كمؤسسة دينية جامعة تسعى الى التوفيق بين الاطراف وتوحيد الكلمة. مع العلم بأن نشاط الجاليات العربية الاخرى وبالاخص العراقية والصومالية يظهر اكثر تلاحماً رغم انه لا يمكن مقارنتها بامكانيات الجالية اللبنانية. 

السابق
النهار: مهلة أسبوع لمخرَج يطوي أزمة الأجور ومداخلات سياسية تعطّل المناقلات الديبلوماسية
التالي
كرامي: طرابلس مظلومة بالمبالغات