الحسن: نجاح الثورة السورية ينعكس إيجاباً على لبنان

شككت وزيرة المال السابقة ريّا الحسن في ان تكون حكومة «كلنا للعمل» قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم اليوم، بفعل افتقارها للرؤية الاقتصادية او لأي برنامج من شأنه تحصين الاقتصاد في وجه اي خضات محتملة.

عرضت وزيرة المال السابقة ريّا الحسن للتحديات الاقتصادية العالمية والاقليمية وتداعياتها على الاقتصاد المحلي الذي، "أظهر انه يتمتع بميزات عدة مكنته من التأقلم والصمود على مر السنين وفي أيام الحروب والأزمات الاقتصادية، ومن اهم تلك الميزات مناعته والمبادرة الفردية وديناميكية القطاع الخاص".

وقالت الحسن في حديث لـ"الجمهورية": "اثبتت التجربة ان عامل الثقة هو من اهم ركائز الاقتصاد، والتي عززتها السياسات الاقتصادية والمالية التي انتهجها فريقنا السياسي على مر السنين الماضية. وبالفعل، فقد استطاع لبنان ان يصمد خلال السنوات الخمس الماضية في وجه الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، اضافة الى الأزمات الداخلية، لا بل تمكن من تحويل هذه الأزمات الى فرص ساهمت ايجابا، وبشكل ملحوظ، بتطور اقتصاده ما ظهر جليا في نسب النمو المرتفعة وانخفاض معدلات الفوائد، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات، وفائض اولي في الموازنة، مما ساهم في انخفاض في نسبة الدين الى الناتج المحلي".

الا ان الحسن أسفت كون "كل هذه المكتسبات ضاعت نتيجة الانقلاب السياسي فضلا عن تخبط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بقرارات متسرعة نتيجة غياب الرؤية والبرنامج الاقتصاديين. وانعكس ذلك سلبا على معظم المؤشرات الاقتصادية للعام 2011، حيث تدنّى النمو الى 1,5 في المئة، وشهد ميزان المدفوعات عجزا بواقع مليارين ونصف المليار دولار وتراجعت الحركة في القطاعات السياحية والعقارية وانخفضت نسبة التحويلات". واذ اشارت الحسن الى انه "اذا تمكنت المالية العامة من الصمود في 2011 ، وذلك بدرجة كبيرة مرده الى المكتسبات المحققة في السنوات السابقة، الا ان علامة استفهام كبيرة ترسم حول مدى قدرة الحكومة الحالية على مجابهة التحديات الجديدة التي ستطرأ عام 2012 ، اضافة الى التحديات الموروثة من العام 2011".

اضافت الحسن : "ان تلك التحديات المحلية ستزداد تعقيدا بفعل العوامل الاقتصادية العالمية والاقليمية، و"التي ستؤدي حتما الى تضييق هامش التحرّك امام الحكومة". وشككت الحسن "بأن تكون الحكومة قادرة على مواجهتها مجتمعة سيما وان التجارب الماضية اظهرت ان اقتصاد لبنان يتأثر مباشرة بما يحصل في الخارج".

 ما هي ابرز التحديات؟

برأي الحسن، سيشهد "الاقتصاد العالمي وفقا لكل المؤشرات والدراسات، انكماشا نتيجة التراجع في اداء الاقتصادين الاميركي والاوروبي ما قد يؤدي الى ركود في هذين الاقتصادين. وبرغم المحاولات العديدة لايجاد الحلول الناجعة لمعالجة تلك الأزمات – على تباطؤها – الا ان الوقائع تظهر أن الأزمة أعمق بكثير مما كان متوقعا. فالمشكلة بنيوية ومتجذرة وتتمثل في تراجع التنافسية والزيادة المطردة في الانفاق غير المجدي، وفي ظل تراجع عامل الثقة في الاسواق المالية كلها عوامل أدّت الى تراجع النمو الاقتصادي. كل هذه العوامل، اضافة الى وجود دين عام مرتفع في تلك البلدان، حدّت من قدرة القطاعين العام والخاص على تحريك العجلة الاقتصادية عبر الانفاق على استثمارات جديدة".

والى المديونية المرتفعة، وانعدام الثقة، لا تهمل الحسن التخبّط في أسعار العملات العالمية. اذ قالت: "الاقتصادات العالمية التي تعاني تراجعا في النمو، تحاول ان تستغل السياسة النقدية لتحفيز هذا النمو، وخصوصا في الولايات المتحدة، وذلك من خلال خفض سعر صرف عملاتها لتحسين ميزان المدفوعات. ولما كانت اوروبا تحتاج الى ضخ الاموال بهدف مساعدة الاقتصادات المتعثرة، فان ذلك سيؤدي حتما الى المزيد من الانخفاض في سعر صرف اليورو. ورغم ان الولايات المتحدة اتخذت العديد من الخطوات ادت الى خفض سعر صرف الدولار، ورغم الطلب المتزايد على سندات الخزانة الاميركية الا ان الاحتياط الفيدرالي قد لا يتمكن من المحافظة على نسب الفوائد المنخفضة ما سيؤدي الى زيادتها وبالتالي احتمال ارتفاع في سعر الدولار".

وفي محور آخر، ربطت الحسن بين التباطؤ الاقتصادي العالمي والتباطؤ الاقتصادي العربي، اذ ان التحديات التي تواجهها بعض الدول العربية نتيجة الربيع العربي لا تنحصر فقط في تطلعات تلك الشعوب وتوقها الى الحرية وتبديل الانظمة السياسية، بل ناتج ايضا الى تطلع هذه الشعوب لتحسين ظروفها المعيشية. الا ان التحولات السياسية الجوهرية، رغم اهميتها لا تعني بالضرورة معالجة التحديات الاقتصادية لتلك البلدان ما يجعل الاسراع في معالجة الاوضاع السياسية والامنية امرا ضروريا كي تتفرغ تلك البلدان لمعالجة اوضاعها الاقتصادية والمعيشية، ولنا في تجربة اوروبا الشرقية مثالا، حيث أظهرت ان التغيير السياسي لم ينعكس سريعا في تلبية التطلعات الاقتصادية".

وتتطلع الحسن لأن يكون هذا الحراك في الشارع العربي مقدمة لارساء الاصلاحات المطلوبة، مبدية املها في تفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك في هذه المرحلة الانتقالية، ومشددة في الوقت نفسه على حاجة هذه الدول الى مساندة عربية ودولية لتتمكن من رسم سياسات اقتصادية واجتماعية ناجعة. واذ اعربت عن اعتقادها بأن العام 2012 لن يحل كل المشكلات الاقتصادية، أملت ان يرسي العام 2012 الركائز الاساسية لانطلاق تلك البلدان.

واضاءت الحسن على تحديين اساسيين يواجهان المنطقة، الاول يتمثل بالثورة السورية، والثاني التصعيد السياسي بين ايران والغرب. في ما يتعلق بالتحدي الاول، املت الحسن ان تحقق الثورة السورية ما يطمح اليه الشعب السوري لما لذلك من انعكاسات ايجابية على المنطقة وعلى لبنان. اما بالنسبة الى التحدي الثاني، فقالت ان التوتر المتزايد بين ايران والغرب وتصاعد لغة التهديد السياسي والعسكري، اضافة الى فرض مزيد من العقوبات الغربية على ايران، قد ينعكس على ارتفاع اسعار النفط العالمية.

وخلصت الى ان كل هذه التحديات لا بد ان تكون لها تداعيات على الاقتصاد الوطني بفعل ترابط الاقتصاد اللبناني باقتصادات دول المنطقة. وهنا نبّهت الحسن الى انه "على المسؤولين ان يتعظوا مما يجري حولنا، فأزمة الدين في اوروبا فجرت المشكلة وحدّت من تمكن حكومات تلك البلدان من حلها. وعليه، يجب ان يدرك من هم في السلطة، انه اذا استمرينا في الاستهتار في الانفاق العام وعدم معالجة المديونية العامة فاننا بالتأكيد سنواجه المشكلات ذاتها ما سينعكس سلبا على الاقتصاد ككل. وأوضحت الحسن ان احدى اولويات فريقها في الحكم كانت الحد من تنامي الدين العام من خلال العمل على تحقيق معدلات نمو مرتفعة يستفيد منها جميع اللبنانيين، وتحقيق فائض اولي متصاعد، ما أدّى الى خفض نسبة الدين الى الناتج المحلي. ولفتت الى ان " أخطر ما تقوم به هذه الحكومة هو عدم تنبّهها الى مخاطر ارتفاع الدين، حيث جاهر معظم اركانها بذلك".

أضافت: "اضافة الى التحديات الخارجية التي سيكون لها انعكاس على الواقع الداخلي، فان من اهم المعوقات التي سيواجهها الاقتصاد اللبناني في 2012 هي التخبّط السياسي والاقتصادي لهذه الحكومة وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات اساسية تساهم في النمو الاقتصادي _ واهم مؤشر على ذلك عدم قدرتها على درس واقرار مشروع موازنة العام 2012، هذا فضلا عن تخبطها في قرار تصحيح الاجور. دون ان ننسى سوء ادارة القطاعات الانتاجية لاسيما الكهرباء والاتصالات وترهلها، وهو ما سيؤدي حتما الى ازدياد في انعدام الثقة لدى المستهلك والمستثمر. ولعلّ تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية والمالية خير دليل على انعدام الرؤية والتخبط في القرار الاقتصادي، ما سوف يؤدي حتما الى ان تشهد تلك المؤشرات المزيد من التدهور خلال 2012".

ورأت الحسن ان السبب الرئيسي لغياب الرؤية الاقتصادية هو التناقض الصارخ بين الاراء الاقتصادية. وحذرت من ان هذا الامر "لا يبشر بقدرة الحكومة على رسم خطة ومعالجة الامور الاقتصادية والمعيشية بحيث اصبحت اشبه بحكومة تصريف اعمال عاجزة عن اتخاذ القرارات المصيرية نتيجة عجزها عن معالجة المواضيع الاساسية".

وختمت الحسن انه برغم كل تلك المؤشرات السلبية، الا انها تعوّل على دور القطاع الخاص وديناميكيته معطوفا على اداء مصرفي سليم سوف يساهم الى حد ما في جبه تلك التحديات خلال العام 2012، من دون ان تجزم بأن القطاع الخاص سيكون قادرا على تحمّل المزيد من التخبّط الحكومي، ما قد يكون له انعكاسه السلبي.

وختمت بالقول: "لا بنيان متين من دون اساس، وبالتالي لا اقتصاد متين من دون رؤية واضحة. واذا لم تكن هناك رؤية فلن تكون هناك خطة اقتصادية تحقق تطلعات الشعب اللبناني وتستحوذ ثقة المستثمر والمؤسسات الدولية". 

السابق
سرقة خزنة حديدية من داخل مطعم Crepaway في المزار
التالي
هل يعيد سقوط النظام خَلط التحالفات؟