هل يعيد سقوط النظام خَلط التحالفات؟

من الثابت أنّ سقوط النظام السوريّ سيشكّل زلزالاً على مستوى المنطقة، وتداعياته تمتدّ من روسيا مروراً بإيران والعراق وصولاً إلى لبنان والسلام العربي-الإسرائيلي.

لا يمكن تشبيه سقوط النظام السوري بسقوط نظام بن علي ومبارك والقذافي، نظراً لامتلاكه أوراقاً حيويّة عمل على مراكمتها على مدى عقود أربعة، ونظراً لمحوريّة دوره في صميم المحور الممانع الممتدّ من طهران إلى حماس، ومن هنا فإنّ سقوطه سيعيد خلط الأوراق في أكثر من ساحة وعلى أكثر من مستوى، وبالتالي السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: هل سيعيد سقوطه خلط التحالفات بين 8 و14 آذار؟

إنّ لبنان هو الأكثر تأثّراً بالوضع السوري، ومن نافل القول إنّ هذا الوضع بدأ مع نشأة الكيانين، واستفحل مع وصول نظام البعث الذي تمكّن في مرحلة معيّنة من الإطباق على القرار السياسي اللبناني، واستمرّ حتى مع خروج الجيش السوري، وبالتالي نهاية هذا الدور أو النفوذ باتت مرتبطة حُكماً بنهاية النظام.

هذا على المستوى السوري، أمّا على المستوى اللبناني، فلا يحتاج المرء إلى كثير عناء لإدراك أنّ الانقسام السياسي الحادّ الذي شهدته البلاد بين 8 و14 عرف أوجَهُ بين لحظة انفراط التحالف الرباعي وتوقيع وثيقة التفاهم بين "التيّار الوطني الحر" و"حزب الله" في شباط 2006 وبين أحداث 7 أيّار 2008 ومن ثمّ خروج النائب وليد جنبلاط من 14 آذار في آب 2009.

وإذا كان المشهد السياسي ما زال تقريباً على حاله إنْ لجهة التموضعات أو لناحية طبيعة المواضيع الخلافيّة، غير أنّه لا يمكن غضّ النظر عن جملة وقائع ومعطيات أهمّها:

أوّلاً، خروج النائب جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي من الحركة الاستقلاليّة ومحاولة تشكيلهما مع رئيس الجمهورية خطّاً أو خياراً وسطيّا، ولا يبدو أنّ الزعيم الدرزي، على رغم موقفه الداعم للثورة السوريّة، في وارد العودة، أقلّه لغاية اللحظة، إلى تموضعه السابق، كما لا يخفى أنّه مع استمرار ميقاتي على رأس الحكومة لقيادة المرحلة الانتقاليّة.

ثانياً، الدور الذي يتولّاه البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أخرج بكركي من الاصطفاف القائم، مُبَدِّياً الملفّات المسيحيّة على ما عداها، ومعتمداً سياسة الانفتاح على كلّ الأطراف على رغم ثبات مواقفه الأخيرة من مسألة السلاح.

ثالثا، محاولة رئيس الجمهورية البقاء على مسافة واحدة من فريقي النزاع بغية أن يتمكّن في اللحظة المؤاتية من جمعهما على قواسم مشتركة تعيد اللحمة إلى البلاد.

ولعلّ ما تقدّم يعكس الوقائع المثبتة داخل المشهد السياسي، ولكن في موازاة هذا المشهد ثمّة حراك سياسيّ واضح داخل 8 و14 آذار، ومن أبرز معالمه:

أ- التململ العونيّ الظاهر وبداية التفكير الجاد بإعادة التموضع السياسي. ومن الواضع أنّ العلاقة بين الحزب والتيّار دخلت في خريف عمرها.

ب- التماسك داخل الجسم الـ14 آذاريّ لا يقلّل من حقيقة أنّ هذا الفريق لم يستطع أن يطوّر تحالفه إلى جبهة سياسيّة، وهذا يؤشّر، بحدّ ذاته، إلى أنّ هذا التحالف معرّض للانفراط لحظة دخول البلاد في مرحلة سياسيّة جديدة ستحمل معها عناوين سياسية جديدة.

ج- إنّ ردود الفعل التي صدرت داخل الحركة الاستقلاليّة على أثر تبنّي اللقاء الماروني للاقتراح الأورثوذكسي تَشي بأنّ التحالف بين هذه القوى هو على العنوان السيادي لا الإصلاحي أو الميثاقي-الكياني.

د- إنّ التحالفات القائمة مرشّحة للاستمرار على ما هي عليه بانتظار سقوط نظام البعث الذي سيعيد خلط الأوراق مجدّداً.

لا شكّ أنّ سقوط النظام السوري سيجعل "حزب الله" في وضع المأزوم والمحشور، وسيفضي إلى انتصار خيار 14 آذار بهزيمة المحور الذي حاول خطف لبنان، إلّا أنّ هذا لا يعني نهاية "الكباش" السياسي والدخول السلِس إلى مرحلة "العبور إلى الدولة"، لأنّه مع التحوّل السوري سينتقل الصراع في لبنان من مرحلة الصراع على طبيعة الدولة (مع خسارة الحزب لبعده الخارجي) إلى مرحلة الصراع على شكلها، وهذا الصراع لن يقلّ أهمّية عن الصراع الأوّل في ظلّ سعي "حزب الله" لتسييل سلاحه سياسيّاً، الأمر الذي يشكّل تهديداً للدستور وتوازناته الدقيقة، كما في ظلّ سعي المسيحيّين تحقيقاً لمناصفة فعليّة، انطلاقاً من الدستور، تعيد وزنهم إلى اللعبة السياسية، هذا الوزن الذي افتقدوه في ظلّ الوصاية السوريّة.  

السابق
الحسن: نجاح الثورة السورية ينعكس إيجاباً على لبنان
التالي
فتفت: غصن لن يتمكن من إثبات اتهاماته وسيصر على موقفه