بري: حوار تحت مظلة سليمان

فيما تتقلص قنوات الاتصال بين قوى المعارضة والأكثرية وحتى داخل جلسات لجان مجلس النواب "تغرق" الأكثرية في بحر من المشكلات محورها معالجة ملفات عدة أبرزها تمويل المحكمة الدولية. ويفكر رئيس المجلس نبيه بري في مسعى قد يؤدي الى الخروج من هذا النفق وسياسة بناء الجدران بين الافرقاء اللبنانيين.

ويزداد حجم هذه التراكمات مع ارتفاع سخونة الحدث السوري من خلال مواصلة الاعتصامات في الشارع والهجوم الغربي والعربي الذي ينفذ ضد دمشق، ويبدو ان وتيرته الى ارتفاع بعد مقتل العقيد معمر القذافي، وان تكن ساحات سوريا وموقعها تختلف عن واقع صحراء ليبيا ومدنها.
ويبقى موضوع تمويل المحكمة في مقدم المعضلات التي تواجه اعضاء الحكومة التي تشبه فريقاً رياضياً لا ينسجم لاعبوه في التخطيط والتنفيذ في المباريات ولا يلتزمون تعليمات رأس الفريق، إذ يبدو مجلس الوزراء بأكثر من قبطان يريد تسييره وفق موجاته السياسية.

وبعدما انفتحت مواقف سائر الافرقاء من التمويل، كان آخرها من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الذي أعلن صراحة معارضته للتمويل في رد غير مفاجئ، ليلتقي مع رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون في هذا الشأن.
وبازاء هذه الأزمة التي تهدد الحكومة، أين يقف بري الذي لا يستعجل عادة في اطلاق مواقفه وأحكامه على هذا النوع من القضايا، وان يكن قبل نحو شهر قد اشار الى تطبيق التصويت في مجلس الوزراء؟
وقبل الحصول على جواب بري النهائي يرى انه لا يزال هناك متسع من الوقت امام الحكومة التي يجد في رئيسها نجيب ميقاتي كل المواصفات المطلوبة من رئيس الوزراء، اذ يتمتع بحسب وصفه بقماشة المسؤول ورجل الدولة ويتقن تدوير الزوايا، وهو اشبه بـ"حبة الملبن" الطرابلسية اللذيذة المذاق.

ويؤمن رئيس المجلس بأن لكل داء دواء يستطب به و"آخر الدواء الكي عند العرب".
ويتابع في موضوع تمويل المحكمة "اننا لن نعدم وسيلة بالخروج بحل من دون ان نكسر الجرة او كسر المزاج اللبناني".
وعند سؤال بري الى اين تتجه الامور التي تبدو آفاقها مسدودة امام هذه الخلافات داخل الاكثرية؟ يتأمل الرجل قليلا في وجه سائله، ليقول انه لا بد من معاودة الحوار، لكنه لا يستطيع ان يقدم على ما فعله في آذار 2006 لاسباب عدة.
ويكشف لـ"النهار" انه سيفاتح رئيس الجمهورية ميشال سليمان في موضوع الحوار رغم كل المعوقات المطروحة على الطاولة امام اللبنانيين. ويجد في سليمان الرئيس الحكيم والغيور على بلده ومصلحة مواطنيه، والذي لا يقبل باستمرار هذا المشهد الانقسامي العمودي بين اللبنانيين.

ويؤكد بري ان هذه الروح الحوارية لا تفارق مخيلة ميقاتي ايضا، وهي محل ترحيب عنده. ويضمن انها محل تأييد لدى العماد عون و"حزب الله"، وانها طموح رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط.
ولكن ماذا عن الفريق الآخر ولاسيما تيار "المستقبل" الذي يقاطع رئيسه سعد الحريري عين التينة مع الابقاء على قناة اتصال بها عبر الرئيس فؤاد السنيورة؟
وبعد وقوف بري على رأي سليمان في اعتماد هذا المسعى لاعادة الحوار، لا يمانع في مفاتحة السنيورة نظرا الى ما يمثله في فريقه الى جانب الحريري، وان الهدف الرئيسي من هذا الامر في حال تحقيقه هو الخروج من الركود السياسي في البلد الذي ينتظر ما ستؤول اليه الاحداث في سوريا.

ومن هنا اذا لمس بري النيات الطيبة والتشجيع المطلوب، فسيقف مع سليمان وميقاتي وبقية الافرقاء في الضفة الاخرى للخروج من ستاتيكو الانتظار والذي يكبّل كل حركة السياسة ودورة الاقتصاد في البلد.
وستركّز مروحة اتصالاته ومساعيه ولقاءاته بدءاً من اليوم على هذا المسعى الذي لا يقتصر على المحكمة، بل سيشمل كل المشكلات والازمات والانقسامات التي تمنع لبنان من الانطلاق ومتابعة دورة الحياة الطبيعة.
وفي يقينه ان اللبنانيين ليسوا في حاجة الى من يذكرهم بما يدور حولهم وعلى ضربة حجر من بلدهم.

ومن هنا كان من الطبيعي حضور الحدث السوري في لقاء بري في عين التينة امس مع نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جايكوب والس في حضور السفيرة مورا كونيللي.
ودعا رئيس المجلس والس الى القراءة الجيدة بجغرافية سوريا قبل التاريخ، وخاطبه: "اذا كانت عشرات الاميال تشغل اميركا وكوبا فإن علاقة سوريا ولبنان تقاس بـ"السنتيمترات" نظراً الى العلاقات والحدود المتداخلة بين البلدين. وسأله "هل عقدتم اتفاقاً مع الاسلاميين في المنطقة؟". فردّ والس: "ان اعمال العنف في سوريا غير مقبولة".

ولم يخل اللقاء من التطرق الى حال المسيحيين في المنطقة. وتطلّع بري الى كونيللي وسألها، هل تلاحظين اسباب هذا التحوّل في موقف الرئيس أمين الجميل وخصوصاً بعد زيارته الاخيرة لمصر؟".
وكان لبري في "اللقاء الاميركي" ايضاً جواب عن تمويل المحكمة وقراءة مفصلة لما يحدث في سوريا والمنطقة، مع ابراز الخطر الاسرائيلي وتشديده على حماية لبنان من "رياح خمسينية" في ظل "الربيع العربي". 

السابق
نصرالله أبقى الباب مفتوحاً أمام جنبلاط
التالي
هل يعجز العدوعن شنّ حرب قريباً؟