نصرالله أبقى الباب مفتوحاً أمام جنبلاط

بحسب بيان امانة السر في الحزب التقدمي الاشتراكي، ان المرشح الوحيد في انتخابات رئاسة الحزب المرتقب اجراؤها اثناء انعقاد جمعيته العمومية المقررة الاحد المقبل، هو "الرفيق وليد كمال جنبلاط".
وبهذا تنتفي كل المفاجآت القيادية التي كثر الكلام عنها في الايام الماضية عن تغييرات استثنائية سيشهدها الحزب التقدمي، من خلال تغيير في رأس الهرم الحزبي. ولم يكن احد يشكك في انه يمكن في هذه المرحلة المصيرية والاستثنائية من تاريخ لبنان والمنطقة العربية، ان تؤول قيادة الحزب الى غير وليد كمال جنبلاط، لا شكلا ولا مضمونا. فهو كان وسيبقى زعيم طائفة وحزب وعائلة، والمتغيرات الاستراتيجية والاقليمية التي يعيشها لبنان وسوريا حيث امتداد الطائفة الدرزية، لا يمكن ان تفسح في المجال امام اي محاولة لتغيير جذري في الشكل على الاقل، ليقتصر التغيير على مجلس القيادة بادخال العناصر الشبابية الواردة اسماؤها في بيان امانة السر، مع ابقاء الحلقة الاقرب الى جنبلاط من الحرس القديم، واحداث تغييرات حزبية على مستوى منع الازدواجية في المناصب الحزبية.

لكن رغم ما تعول عليه الحلقات الحزبية من تغيير داخل الحزب، فان ثمة واقعا لا يمكن التنكر له هو ان الخطاب السياسي لجنبلاط يشكل وحده المرتكز الفعلي للجمعية العمومية التي لا تترك عادة متغيرات حاسمة على الجسم الحزبي، ما دام ثمة اقرار ضمني لدى جميع الحزبيين ان الحزب التقدمي، مثله مثل التقليدية العائلية، كالكتائب والاحرار والكتلة الوطنية، وحاليا كـ "القوات" و"المستقبل"، مفصل على جسم العائلة قبل الوطن واحيانا قبل الله. لذا لم تكن الجمعيات العمومية تستأثر باهتمام خارج اطار المناقلات والتعيينات الداخلية المضبوطة الايقاع، والتي تبقي الحزب تحت راية جنبلاط وعباءته. من هنا كانت هذه الجمعيات الدورية او الاستثنائية مناسبة لاعلان حدث او تكريس انعطافة جنبلاط ومواقفه الفجائية في لحظة مصيرية، فيتخطى الكلام السياسي حينها كل حدث حزبي، راسما خريطة طريق لموقع جنبلاط، وصولا الى المشهد السياسي برمته. ففي السابع من كانون الاول عام 2008 فاز جنبلاط بالتزكية رئيسا للحزب، ولم تكن هذه هي المفاجأة، بل القنبلة السياسية التي فجرها آنذاك، عندما اكد ان "النظام السوري هو الخطر الاول والاخير على الحركة الاستقلالية في لبنان"، معتبرا ان " ظروف عام 1977 لم تتغير فالوحش هو نفسه والابن سر ابيه، والنظام هو ذاته، لان الانظمة الكلية لا يمكن ان تتغير او ان تتحول لكي تصبح ما يسمى ديموقراطية وتحررية". 
جاءت انتخابات 2009، وحلّ سعد الحريري رئيسا للحكومة. وما بين الموعدين انفجر الخلاف بين الحليفين، جنبلاط و"المستقبل"، حين وقف رئيس التقدمي في فندق البوريفاج في جمعية عمومية استثنائية للحزب التقدمي في بداية شهر آب عام 2009 مكرسا طلاقا مع قوى 14 آذار ومؤكدا "لا نريد المحكمة عنوانا للفوضى" وان " شعارات السيادة والحرية والاستقلال دون مضمون عربي لا معنى لها بل تعيدنا الى لبنان الانتداب ولبنان ميشال شيحا ولبنان الانعزال، لبنان اليمين"، الامر الذي استتبع ردا من " المستقبل" اكد التمسك بمبادىء ثورة الارز.

مع تسارع التطورات وذهاب جنبلاط الى دمشق اكثر من مرة، وصوغه حوارا متعدد الجانب مع الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، كان التحول الاكبر مع بداية السنة الجارية، حين اعلن جنبلاط في مؤتمر صحافي في 21 كانون الثاني تكريس طلاقه مع الحريري عشية التصويت لاختيار رئيس وزراء جديد بدلا من الحريري، مؤكدا وقوفه الى "جانب سوريا والمقاومة". وفي نهاية كانون الثاني غطت الجمعية العمومية موقف جنبلاط الذي اكد انه "جنّب البلاد خطر الصدام"، مبديا تمسكه باتفاق الطائف.

منذ اندلاع الثورة السورية وزيارة جنبلاط مرتين الى دمشق ولقاء الرئيس بشار الاسد، حدثت متغيرات كثيرة. جال جنبلاط على عواصم فاعلة ولها دورها لاستطلاع آفاق المرحلة الجديدة، والتقى نصرالله وأوصل جملة رسائل الى الحريري ومن وراءه، وتلقى رسائل بالجملة، بعضها مباشرة وبعضها عبر الاعلام، ومنها ما هو غير مطمئن. لكنه بحسب عارفيه يريد حمل العصا من نصفها، فلا يرتد الى الموقع الذي كان فيه في المقلب الآخر كما قبل ايار 2008، ولا في قطع الخيوط التي ربطته بعد عام 2009 بحلفائه الجدد. ودائما تحت سقف المتغيرات السورية التي يحمل هاجسها في ترحاله وينقل اجوبة عنها على طريقة "اللهم اشهد أني بلّغت".
وبهذا المعنى فان الرئيس القديم – الجديد للحزب سيصوغ بيانا سياسيا لا يزال مفتوحا على النقاش حتى الاحد المقبل، يطرح فيه رؤيته للتطورات من الزاوية التي وضع نفسه فيها قبل اشهر طويلة: تمويل المحكمة، حوار في الداخل، وحوار داخل سوريا واصلاحات، وان كان باسلوبه الذي عرف به. المهم ان الخطاب يأتي بعد كلام نصرالله، الذي ترك الباب مفتوحا امام جنبلاط ولم يغلقه، بخلاف ما اوحت به دمشق.  

السابق
وثائق ليبية!!
التالي
بري: حوار تحت مظلة سليمان