الحزب بين كرم ومشيمش والحسيني

ان يتورط ضابط لبناني برتبة عميد بجرم التعامل مع اسرائيل له امر يفوق جرم اي مواطن عادي على هذا الصعيد، وهذا ما يلحظه قانون العقوبات في لبنان لجهة التشدد في العقوبات لمن يتعامل مع العدو، وأكثر ضدّ من ينتمي الى مؤسسة عسكرية او امنية، وإن كان خارج الخدمة.

وأن يضاف إلى هذه الصفة العسكرية صفة سياسية في حزب مدرج ضمن "اشرف الناس"، يجعل من امر التشدد في العقوبة هو الطبيعي لدى فئة تعلي من شأن العداء لاسرائيل – على ما تقول – الى مرتبة لا يعلى عليها.
هذا ما يستدرجنا اليه ما أصدرته المحكمة العسكرية في لبنان مساء الجمعة الماضي من حكم على العميد المتقاعد في الجيش اللبناني فايز كرم، بـ«جرم التعامل مع العدو» الإسرائيلي، قضى بسجنه سنتين مع الأشغال الشاقة، و«تجريده من حقوقه المدنية».
وكرم، القيادي في التيار الوطني الحر، هو أول شخصية سياسية لبنانية تعتقل بتهمة التعامل مع إسرائيل. وإقرار كرم بتعامله مع الإسرائيليين، ليس مثبتا فقط في ما دوّن فقط بالتحقيقات التي اجريت معه، بل في رسائل وجهها الى عائلته.
في كل الاحوال بات واضحا ان المحكمة العسكرية لم تستطع تجاوز تهمة العمالة، وان استنفدت كل الاسباب التخفيفية من اجل ان ينال المتهم الحكم الادنى في مثل هذه الجريمة. لم يعلق "حزب الله" على هذا الحكم حتى الآن، علما ان المرتكب كان أقرّ بأنه اجرى لقاءات مع قيادات في حزب الله مستفيدا من التحالف بينه وبين التيار الوطني الحر خلال السنوات الاربع التي سبقت اعتقاله، قبل 13 شهرا، وهو لن يعلق في أحسن الاحوال.

واللافت ان حزب الله لم ينبرِ الى الدعوة للتشدد في اصدار الحكم بحق كرم، خصوصا ان مسلسل الاحكام الذي صدر بحقّ متعاونين مع العدو، من مواطنين عاديين وبجرائم لا تتعدى جريمة كرم، تجاوز السنوات السبعة في الحد الادنى.
هكذا بدا من الواضح ان العلاقة السياسية مع التيار الوطني الحر كفيلة بإعمال "الإجتهاد" في تناول هذه القضية، لتتحول الى قضية قابلة للإنتقال من باب الموقف المبدئي الصارم اخلاقيا ووطنيا، الى قضية سياسية قابلة للاخذ والرد والاستنساب، وايجاد الذرائع لتخفيف الحكم وخلق المبررات للصمت.

فقد وضع حزب الله في موقفه من هذه القضية معيارا غير متوازن في التعامل مع قضية العمالة للعدو. واذا كان القريب كما البعيد يعرف مونة "حزب الله" على المحكمة العسكرية ودالته على الاجهزة الامنية ومنها "شعبة المعلومات"، فيما يتصل بالمتعاملين مع العدو خصوصا، يدرك انّ مثل هذا الحكم لم يكن ليصدر مخففا الى هذا الحد لولا صمت الحزب المفضي الى الرضى عنه.

الانتقائية والازدواجية في النظرة الى هذه القضية ليست هي المشكلة الاساس، بل الكارثة هي في الاتهامات واصدار الاحكام بالعمالة للعدو على افراد ابرياء تماما من هذه الاتهامات. ولم يعد خافيا مثالا الشيخ حسن مشيمش، المعتقل في سورية بايعاز من حزب الله، كما بات معروفا، والسيد محمد علي الحسيني الذي صدر حكم براءته من المحكمة العسكرية وحالت أسباب غريبة دون اطلاق سراحه. وكما بات معروفا أيضا فإنّ الحزب أعدّ وعمد الى تسريب مضبطة اتهام بالتعامل مع العدو بحق الرجلين الى بعض الصحف اللبنانية لاعادة الترويج لها عبر مؤسساته الاعلامية ولدى قاعدته الحزبية.

يمكن فهم ان حزب الله لا يتساهل مع اشخاص كانوا في عداد صفوفه وانفصلوا عنه لاسباب سياسية، ويمكن تفهم انّ حزب الله لا يتساهل مع رجل دين كان قريب من امينه العام السيد حسن نصرالله الى حد انه هو من البسه الزي الديني، لكن بطبيعة الحال لا يجب ان يصل رد الفعل الى حد تلبيسه تهمة "العمالة". واذا سلمنا بأن تورط الحزببين او القريبين من المقاومة بالعمالة للعدو يجب ان يكون عقابه قاسيا وشديدا، فذلك لم نرى له صدى في تعامل حزب الله مع قضية العميد كرم. بل العكس هو الصحيح كما اظهر مسار هذه القضية، الى حدّ ظهور الحزب في موقع المتساهل مع "أمانة الشهداء" وابنائهم، وعلى قاعدة ان المصالح السياسية تبرر تجاوز المبادىء الوطنية والاخلاقية، حتى لو كان المعني هو اسرائيل.
ربما من المفيد التذكير أيضا أنّ الحزب أغفل الخطوة التركية التاريخية المتمثلة بطرد السفير الإسرائيلي، وذلك ضمن حسابات سياسية آنية لن يغفرها التاريخ، تماما كما الحسابات التي أدانت مشيمش والحسيني وتساهلت مع كرم. ربما الحسابات السياسية الآنية تبرّر الوسيلة، لكنّ التاريخ لم ولن يرحم….

السابق
الجمهورية: هكذا أجمعت الاكثرية والمعارضة على انتقاد الحُكم على كرم واعتباره مسيسا
التالي
الانباء: جنبلاط يجدد رفض النسبية وتمويل المحكمة مفيد ولا حواجز مع 14 آذار