نحاس: لانشاء مرصد للاسعار يمنع التجاوزات الحاصلة

اعتبر وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس أن أداء الحكومة الحالية محكوم إلى أمد غير منظور بظرفين لا قدرة فعلية لها على السيطرة على أي منهما. أولهما قدرتها على العمل بفعالية ونشاط في ظل الظروف المحيطة بها عربياً، ولا سيما في سوريا، وثانيهما الإمكانيات المتوافرة.

ففي الشق الأول، يقول نحاس إن الحكومة من دون أدنى شك ستتميز عن سابقاتها على أصعدة عدة، لا سيما ما يتصل بإنتاجيتها العالية والتي تجلت منذ الأسابيع الأولى لنيلها الثقة، حيث أظهرت قدرة كبيرة على العطاء من خلال تحديد اجتماعات لمجلسي الوزراء والنواب أسبوعياً، وهو أمر غير طبيعي في تاريخ الحكومات المتعاقبة. وفي الشق الثاني، تتحدد إمكانيات الحكومة بالكفاءات التي تتشكل منها وهو أمر يعترف به الخصوم قبل الحلفاء.

كلام نحاس ورد في لقاء خاص مع أسرة «السفير». وفي ما يلي أبرز ما جاء فيه:

^ كيف تتعاطى وزارة الاقتصاد مع موجة الغلاء التي تضرب لبنان اليوم، والمتزامنة مع بداية شهر رمضان، وما هي أبرز الإجراءات المتخذة في هذا المجال؟

ـ منذ اللحظة الأولى لاستلامي مهامي في الوزارة اتصلت بالمسؤولين فيها كافة، لتحري أسباب الغلاء الحاصل، لا سيما منهم المدير العامة بالإنابة فؤاد فليفل والمسؤولين في الدائرة الفنية، وقد توصلنا بعد نقاشات ومداولات عديدة إلى اتفاق حول ضرورة إنشاء مرصد أساسي للأسعار، وهو ما شرعنا بالتحضير له. فطلبنا، تحقيقاً لذلك، الحصول على أسعار من مراقبينا، فضلا عن أسعار الدائرة الفنية المنتقاة من مراكز مختارة. وسننجز بناء على المعلومات المستقاة من هذه المصادر مؤشرا للأسعار، سيساعدنا على التدقيق في الأسعار الموجودة في السوق.

أما بالنسبة لمرسوم تحديد نسب الأرباح التجارية، فمن الضروري التشديد على أن دوره الأساس يتلخص في الردع ولجم جموح التجار؛ إذ لا نستطيع تطبيق المرسوم على 120 ألف نقطة بيع، ولكن تهديد تلك النقاط بالعقوبات يسهم في الحيلولة دون تجاوزها للقانون.

وقد بعثت بكتاب لوزارة المال قبل أيام طالبتها فيه بالاستحصال على البيانات الجمركية لمختلف السلع، بغية تتبع أسعارها لحظة وصولها من دول المنشأ وقبل دخولها الأراضي اللبنانية. وهي مسألة ستساعد كثيرا في الكشف عن الآليات التي ترتفع فيها أسعار السلع الداخلة إلى السوق اللبناني (أضعافاً مضاعفة)، وعن أحجام وحدود هذا الارتفاع.

فالمتحكم بالسوق في نهاية المطاف هي الحلقات التي يتألف منها. المنتوجات الداخلية على سبيل المثال، مشكلة من حلقات عدة تبدأ من المزارع لتمر بالتاجر الأساسي فالوسيط وتاجر نصف الجملة ونصف المفرق والمفرق، بحيث تنتهي العملية بأرباح هائلة لكل الحلقات ما عدا المزارع، لذا ثمة حاجة الى وضع ضوابط تساعد على تعزيز أرباح المزارع على حساب باقي الحلقات وهو أمر قيد الدرس. ونقوم اليوم بدراسات في مختلف المناطق نتحرى من خلالها حركة الأسعار في كل حلقة من حلقات العملية، أسبوعياً.

 ما هو الحل الأمثل لهذه المشكلات بحيث يتم إنصاف المزارع والمستهلك في آن؟

ـ برأيي، المطلوب خلق تعاونيات تشتري بضاعة المزارع، وتقوم هي بدورها بتوزيعها، على أن تخضع لمراقبة متشددة من قبل الجهات الرسمية المعنية. كما اتفقنا كوزارة مع وزير الزراعة حسين الحاج حسن على وضع مسودة مشروع مشتركة لتنظيم الأسواق الشعبية في مختلف المناطق، بما يساهم أيضاً في خفض أسعار السلع على المواطنين، خصوصاً منهم ذوو الدخلين المتوسط والمحدود.

ولا بد من الإشارة هنا إلى مسألة غاية في الأهمية، وتتمحور حول قانون الإجراءات الفنية، الكفيل، فيما لو أقر بعد إجراء بعض التعديلات عليه، بتنظيم عمل كل القطاعات المتصلة بمختلف الوزارات. والقانون المذكور يثير الخلاف منذ عام 2003، بيد أن من شأن إقراره في مجلسي الوزراء والنواب أن يساعد على حلحلة كل العقد المرتبطة بملف سلامة الغذاء.
 في ضوء ما تقدم أين أصبح ملف سلامة الغذاء؟ وما العقد التي تحول دون إنفاذه؟

ـ قانون سلامة الغذاء معقد، وتشوب إقراره صعوبات عدة. فهو يشكل نقطة تقاطع بين صلاحيات 6 إدارات: البلديات ووزارات الصحة والسياحة والاقتصاد والزراعة والصناعة. وقد وضع قانون منذ عام 2004 أشبه ببرج بابل لشدة غموضه وضبابيته، ولكثرة الالتباسات التي أثارها، إن لجهة صلاحية كل وزارة على حدة، او لجهة التضارب بين صلاحيات مختلف الإدارات المعنية. واتفقنا مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على بعض التعديلات في القانون تتصل بالمستويات التالية: تنظيم الاستيراد والزراعة والإنتاج الزراعي وإنتاج الخدمة. وكما يبدو من أسمائها فإن 3 من هذه الصعد تقع ضمن مسؤوليات وزارة الزراعة، فيما صعيد واحد منها يتبع للجنة سلامة الغذاء. وحصل توافق مبدئي على الفكرة والتعديلات، وسنقدم مسودة قانون جديدة قريباً.

 ما موقفكم من موضوع الهيئات الناظمة في الوزارات؟ وما مدى مشروعية الحديث عن تحولها إلى إدارات رديفة؟
ـ الهيئات الناظمة أينما وجدت المطلوب تعزيز دورها وليس العكس. لا احد يستطيع إلغاء دور هذه الهيئات. الحلول لقضية الكهرباء، على سبيل المثال، معطلة اليوم بفعل عدم وجود هيئات منظمة. ففي قطاعات الاستثمار الاستمرارية أساسية، الوزراء يبقون في وزاراتهم فترة قصيرة، فيما عمل الهيئات يتسم بديمومة أكثر. كما أن إنتاج الخدمات وتطويرها يتصف بمواصفات غير تلك الموجودة في القطاع العام. والهيئات الناظمة جزء أساسي من مشروع تأمين خدمة جيدة للمواطن، بكلفة معقولة.
 بحكم موقعكم السابق في القطاع الخاص، والحالي في القطاع العام، هل توافقون على موضوع زيادة الأجور؟ وما هي برأيكم الحدود المعقولة لهذه الزيادة؟

ـ القدرة الشرائية للمواطن ضرورية لكل نشاط اقتصادي. الاقتصاد ديناميكية وعرض وطلب. لا نتحدث اليوم عن فروقات لن يكون لها تأثير على المعطى الاقتصادي العام، فالتطور الاقتصادي في البلاد يضعك في إطار مختلف. ومنذ 2008 اختلفت المعطيات الاقتصادية جذرياً على مستوى العام (النفط، اليورو، الخ).

من ناحية ثانية، لا بد قبل إجراء زيادة كهذه من التدقيق في الوضع الاقتصادي والنمو ومراكز هذا النمو، فضلاً عن أوضاع مجمل مراكز العمل وأحجامها. ولا بد أيضاً من الانتباه إلى حقيقة أن غالبية أصحاب العمل في لبنان يملكون مؤسسات تشغل أقل من خمسة عمال، وهو ما قد يضع مصير هؤلاء موضوع التهديد، إذا ما أخذنا قدراتهم على التحمل بعين الاعتبار. كنا لنستطيع معالجة أوضاع هؤلاء من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة، ولكـن في ظل الظروف المعروفة هذا الأمر متعذر.

 ما هي أبرز المشاريع التي تعمل الوزارة على إعدادها في الوقت الراهن؟

ـ هناك ورشة قوانين (9 الى 10 قوانين) نعمل على إعدادها تتناول مختلف القطاعات التي تعنينا. وقد بوشر العمل في معظمها. وعقدنا اجتماعا أوليا مع رئيس الحكومة حول قانون التجارة، وقاربناه من زاوية شاملة، خصوصاً انه معد في أيام الرئيس السابق سعد الحريري، ويتناول تحسين بيئة مزاولة الأعمال في لبنان. واتفقنا على سلسلة أمور تخدم في تحويل لبنان الى مركز للاستثمارات في المنطقة. وقبل أيام عقد اجتماع أيضاً حول الإقراض الآمن، وهكذا دواليك. ونعمل اليوم على التحضير لتنظيم معرض للاستثمارات في لبنان، حيث نقوم بالتعاون مع صناديق وبنوك استثمارية معنية بهذا المجال، على أن يكون انعقاده كل سنتين. وذلك كله بغية جعل البيئة اللبنانية بيئة صديقة للاستثمار.

في رأيي أن الاقتصاد حيث الريع يغــلب على الإنتاج هو جريمة، فكل ما يتعلق بإنتاج قيمة مضافة يجب دعمه.
 أخيراً هل تعتقد أن الإنفاق الجاري اليوم قانوني، على الرغم من انه يشكل تجاوزاً على القاعدة الاثني عشرية؟

ـ كل الإنفاق الجاري اليوم غير قانوني، وسيتم تغطيته لاحقاً بمرسوم استثنائي، ولكن السؤال الصحيح هنا هل يستطيع احد، أياً يكن، أن يقف في وجه تسيير أمور الناس والدولة؟

السابق
هكذا عارض سعد الحريري…
التالي
الاحتجاجات على انقطاع الكهرباء والمياه في صيدا