اللواء: نصر الله ينهي التعامل مع المحكمة ودفعة ثانية من التوقيفات خلال شهر

يتجدد مشهد الانقسام الاستقطابي ما بين فريقي 8 و14 آذار، الذي تأسس غداة الجريمة الارهابية المروعة التي ذهبت بالرئيس رفيق الحريري شهيداً، ونقلت البلد من الوفاق الوطني الذي أرساه اتفاق الطائف، وسمح بإنجازين عظيمين: إعادة البناء والاعمار، وتحرير القسم الأكبر من أراضي لبنان المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، إلى انقسام عامودي وأفقي جعله عرضة لتوترات واهتزازات، على إيقاع لعبة اختلطت فيها المحاور والاستراتيجيات قبل المحكمة وبعدها.
ما أشبه اليوم بالبارحة، تتبدل الأدوار والمواقع، ويقف الفريقان اللبنانيان وجهاً لوجه أمام المبارزة: المحطة الأولى غداً في البرلمان، ثم هناك محطات أسست لها تطورات الأسبوع الماضي، وبدأت بالإعلان رسمياً عن صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم في المطالعة التلفزيونية التي اختلط فيها السياسي بالقضائي والقانوني، والتي قدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وصولاً إلى <نداء البريستول> الذي أعلن تمسكه بالمحكمة الدولية والعدالة والعيش المشترك والديمقراطية والدستور، رافعاً لا كبيرة <لحكومة حزب الله>، موجهاً نداء وصفه نائب بارز من الذين شاركوا في لقاء البريستول بأنه الأخير للرئيس نجيب ميقاتي، مطالباً فيه بإعلان <التزامه بالقرار 1757 أو فليرحل>، الآن.

وفيما كان الرئيس نبيه بري يتابع باهتمام من منزله في عين التينة وقائع بيان مؤتمر البريستول الذي أذاعه الرئيس فؤاد السنيورة، متوقفاً عند النبرة العالية واللهجة القوية، وتأثير تكتيك فريق 14 آذار على الجلسة النيابية غداً، والتي تحتاج إلى إدارة تجمع بين الحق الديمقراطي والتزام آداب الزمالة، ومراعاة حاجة البلاد إلى الهدوء والاستقرار، في ضوء ما حملته المعلومات من أصل 60 نائباً من 14 آذار يتجه أكثر من 45 منهم إلى طلب الكلام، كان الرئيس نجيب ميقاتي يقيّم مع كبار مستشاريه الموقف ملتزماً الصمت في الساعات الأولى، على أن يتحدث اليوم لدى استقباله أعضاء مجلس نقابة الصحافة.

وعلمت <اللواء> من مصادر نيابية أن فريق الأغلبية الجديدة، لا سيما نواب كتل بري و<حزب الله> وميشال عون يتجهون إلى طلب الكلام لدعم الحكومة والرد على مضامين كلمات زملائهم نواب 14 آذار، مما يرشح أن تكون جلسات مناقشة البيان الوزاري أشبه بـ <سوق عكاظ نيابي>، الأمر الذي يحتاج إلى بحث إدارة ضابطة للنقاشات ومقتصدة بالوقت، وضنينة بالهدوء والاستقرار السياسيين، خصوصاً وأن الجلسات ستنقل على الهواء مباشرة.

وكان نواب 14 آذار قد عقدوا في <البريستول> اجتماعاً في أعقاب انتهاء اللقاء الموسع، خصص لبحث كيفية إدارة جلسات مناقشة البيان، من دون أن ترشح عنه تفاصيل عن توزيع المهام والكلام والمحاور، باستثناء الإعلان عن أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء النواب سيطلبون الكلام، والتركيز في الكلمات على مواجهة الانقلاب والسلاح، والحزم في الهجوم على الحكومة، حتى ولو حصل تكرار في الكلمات.

وإذ تكتمت المصادر النيابية عن الكشف عن الاسلوب التكتيكي الذي سيتبعه نواب المعارضة باعتباره من الأوراق التي يجب الاحتفاظ بها، فإنها لفتت إلى أن البيان سيشكل مادة لمضمون الكلمات، مشيرة إلى أن المهلة التي أعطيت للرئيس ميقاتي لإعلان التزامه تنفيذ قرارات المحكمة الدولية تنتهي غداً، أي بدء جلسة مناقشة البيان، معتبرة أن الجلسة تعتبر ضمن المهلة، مكررة ما سبق أن قاله منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، من معركة إسقاط الحكومة لا تربح بالضربة القاضية، بل بالنقاط، وأن الجولة الأولى ستكون في مجلس النواب، تليها جولات وجولات من قبل نواب 14 آذار، وجولات أخرى على عاتق كل 14 آذار قادة وأحزاباً ورأي عام ومستقلين.

نداء البريستول اما البيان – النداء الذي خرج به المؤتمر فقد أعلن الالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية كافة، ولا سيما القرار 1757 (القاضي بإنشاء المحكمة الدولية) وبالنقاط الأربع الاتية:

1 – مواجهة المسار المدمر للعيش المشترك وللدولة والنظام السياسي، والذي بدأ بالاستيلاء المسلح على العاصمة في أيّار 2008، ومتابعة النضال لكسر هذه الغلبة القائمة على السلاح.

2 – مباشرة العمل لإسقاط الحكومة الحالية والتي جاءت بانقلاب، ابتداء من غد الثلاثاء، ما لم يعلن رئيس الحكومة التزامه تنفيذ القرار 1757.

3 – إطلاق حملة سياسية عربية ودولية لإخراج الجمهورية من أسر السلاح، والطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة في حال عدم تنفيذها مندرجات القرار 1757.

4 – تشكيل هيئة طوارئ لمتابعة التطورات واتخاذ المواقف المناسبة.

وكان البيان قد طالب رئيس الحكومة بإعلان التزامه امام المجلس النيابي صباح غد الثلاثاء بالقرار 1757 بشكل صريح ومباشر، وإعلان التزامه الخطوات التنفيذية لهذا القرار… أو فليرحل هو وحكومته غير مأسوف عليها، مشيراً الى ان ما سمعه المجتمعون من منطق غلبة السلاح والقوة على كل اللبنانيين يُؤكّد ارتهان الحكومة لهذا المنطق، وأن هذه الحكومة برئيسها ومجموع أعضائها، هي حكومة انقلاب على اللبنانيين الذين انتصروا للعدالة والحرية، ووجدوا في المحكمة الدولية الجهة الصالحة والقادرة على محاسبة المسؤولين عن مسلسل الاجرام الارهابي الذي وقع على لبنان ورموزه الوطنية.

وأعلن البيان رفضه لما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، من دون أن يسميه مباشرة، والذي وضع اللبنانيين أمام معادلة ظالمة وغير اخلاقية، مفادها ان العدالة تُهدّد السلم الأهلي وانها لن تطبق في لبنان ولو بعد قرون، مؤكداً أن العدالة هي ضمانة اللبنانيين جميعاً وأملهم، ولا تشكّل تحدياً إلا للمجرمين، وإن العدالة، خصوصاً عندما تكون في يد قادرة وموثوق بها، هي اليوم وسيلتنا الاساسية لحماية لبنان، والحؤول دون عودته الى مكان عليه قبل ثورة الارز في العام 2005، لافتا النظر الى ان موجات الاغتيال السياسي واعمال القتل والتفجير والارهاب، ما كان لها ان تبلغ هذا المدى الخطير من العنف إلا من خلال بيئة ترعرع فيها استخدام السلاح غير الشرعي، رغم ان اتفاق الطائف كان قد شدد على وضع حد لهذه الظاهرة، مؤكداً انه لم يعد مقبولاً، بعد كل تلك التجارب المريرة، ان يبقى السلاح غير الشرعي وصيا على الدولة في التحكم بمسؤولياتها الوطنية.

تجدر الاشارة الى ان الامين العام لتيار <المستقبل> احمد الحريري مثل الرئيس سعد الحريري في اللقاء الذي غاب عنه رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع لوجوده في دولة الامارات.

توقيفات جديدة الى ذلك، كشفت مصادر مطلعة ان أجهزة المحكمة الخاصة بلبنان، عكفت على دراسة وتقييم ما قدمه الامين العام لحزب الله، في كلمته المتلفزة مساء السبت، من معلومات تتصل بارتباط بعض المحققين والخبراء فيها بأجهزة المخابرات المركزية الاميركية واتهامه لرئيس المحكمة انطونيو كاسيزي بأنه <صديق كبير لاسرائيل> استناداً الى كلام قاله زميل قانوني له في مؤتمر عقد في هرتزليا في العام الماضي، وكذلك ما بثه تلفزيون <المنار> من تسجيل لفيديو أظهر مساعد رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق غيرهارد ليمان ليتناول اوراقاً قال نصر الله انه مبلغ مالي لقاء تسليمه وثائق خاصة باللجنة الدولية.

وتوقفت اجهزة المحكمة بصورة خاصة عند اعلان نصر الله القطيعة النهائية مع المحكمة.

وفي السياق نفسه، توقعت مصادر المعلومات صدور الدفعة الثانية من التوقيفات بعد او قبل انتهاء مهلة الـ 30 يوما المحددة بموجب قواعد الاجراءات القانونية، ابلاغ المحكمة بنتائج البحث والتحري عن المتهمين الاربعة الذين طلبت توقيفهم، ورجحت ان يكون العدد الجديد بين 14 و17 متهماً جديداً، يعتبرون من ضمن الحلقة الاساس في جريمة اغتيال الحريري، اي المخططين والموجهين والمتواطئين، على اعتبار ان الاربعة، هم الحلقة المنفذة للجريمة.

نصر الله وكان نصر الله قد اعلن السبت رفض الحزب التعامل مع المحكمة الدولية وكل ما يصدر عنها، مشيرا الى ان تنفيذ مذكرات التوقيف لأربعة متهمين وردت اسماؤهم في القرار الاتهامي لن يحصل لا في ثلاثين يوما على ما تنص عليه القواعد القانونية للمحكمة ولا في 300 سنة، متحدثاً عن ارتباط بعض المحققين والخبراء القانونيين في لجنة التحقيق بوكالة الاستخبارات الاميركية، وان رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي <صديقاً كبيراً> لاسرائيل.

ووصف نصر الله، في كلمة القاها مساء امس الاول عبر قناة <المنار> ونقلت وقائعها كافة الاقنية التلفزيونية العاملة في لبنان، القرار الاتهامي بأنه خطوة في مسار طويل بدأت تظهر معالمه في ما يتعلق بـ <حزب الله> بعد هزيمة اسرائيل وانتصار المقاومة في حرب تموز، معتبرا ان اخطر هدف للمحكمة هو هدف احداث فتنة او حرب اهلية او فتنة سنية – شيعية، لكنه اكد ان هذه الفتنة لن تقع.

ولاحظ ان القرار صدر لان المطلوب اسقاط حكومة ميقاتي بأي ثمن، مؤكدا بأنه (اي القرار) ليس لمصلحة العدالة بل لمصلحة السلطة.

ووجّه خطابه إلى قوى 14 آذار قائلاً: <أنتم تعتبرون أنفسكم معارضة وهذا حقكم، واعرف انكم ستستفيدون من القرار الإتهامي، وهذا حقكم واللعبة الدولية دائماً، كانت إلى جانبكم، ولكن لدي نصيحتين أو فكرتين: أولاً، لا تحملوا حكومة ميقاتي في هذا الملف ما لا يجوز أن تحملوها وما لم تكن حكومة الحريري أن تحمله، فلو لم تكن اليوم الحكومة برئاسة ميقاتي وكانت حكومة منكم من لون واحد فهل كانت هذه الحكومة تستطيع أن تعتقل هؤلاء الأشخاص أو أن تنفذ مذكرات التوقيف المبلغة من بلمار، ولذلك لا تحملوا البلد تبعات أمر لو كانت الحكومة حكومتكم وحكومة متطرفيكم لماكانت تمكنت من ذلك.

أضاف: نحن نعمل على قاعدة عدم إحراج الحكومة، لا في سنة ولا سنتين ولا بستين أو 300 سنة يمكنهم أن يعتقلوا أو يوقفوا، بعد ثلاثين يوم ستذهب الأمور إلى المحاكمة الغيابية والحكم صادر، ويبقى أن يشتغلوا باللبنانيين لبعض الأعوام، قد تنتهي المحكمة بثلاثة أشهر أو ستة أو ثلاثين سنة>.

وطمأن نصر الله جمهور المقاومة ومؤيديها قائلاً: >لا تصغوا إلى الاستفزازات التي يريدها البعض للوصول إلى الفتنة، لا سيما الفتنة بين السنة والشيعة التي يريدها البعض في قوى 14 آذار، على الأقل بعض مسيحيي 14 آذار، ولا تخافوا على المقاومة ولا تقلقوا عليها>.

أول موقف عربي

وفي أول موقف عربي من القرار الاتهامي، أتى من وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية المصري محمد العرابي اللذين أكدا على تطبيق العدالة ومعاقبة مرتكبي جريمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخاصة ان المحاكمة ستتم مع <أفراد> متهمين وليس مع تنظيمات أو جماعات سياسية أو دينية، على اعتبار ان تحقيق العدالة هو الطريق الوحيد لردع الجناة ووقف نزيف الاغتيالات الذي عانى منه لبنان، خلال السنوات الماضية، وبالتالي ضمان أمن لبنان والحفاظ على استقراره ووحدته الوطنية.

السابق
نصر الله يخشى الفتنة المذهبية!
التالي
كلام في المسؤولية