كلام في المسؤولية

في الغرف المغلقة، يدور كلام هامس عن ان القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هو بمثابة كارثة وطنية كبرى، فقط لأنه أعاد الجريمة الى الداخل اللبناني، ووضع قنبلة موقوتة بين المذاهب اللبنانية، وطوى، ولو الى حين، مسؤوليات الخارج عن ذلك الحدث الدراماتيكي الذي كان وسيبقى نقطة تحول في الصراع على المشرق العربي.
ولا يستثنى من هذا الكلام أي من الفرقاء اللبنانيين، سواء من يجد نفسه اليوم وحيدا في قفص الاتهام، أو من يجد نفسه غريبا في منصة الادعاء. الحكماء من الفريقين، يشعران بالرعب جراء تلك الخطوة المدوية التي أقدمت عليها المحكمة الدولية، ووضعت اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض وأعادت اليهم كوابيس الحرب الاهلية ومخاوف الفتنة المذهبية، وانحط بلبنان كله الى مستوى متدن لم يسبق له مثيل، يرسخ صورته كبلد لم يتوقف أبناؤه عن القتال في ما بينهم منذ مئات السنين.
في كلمته المتلفزة مساء السبت الماضي، بذل الامين العام لحزب الله حسن نصر الله جهداً استثنائياً جديداً من أجل إحالة مسؤولية الجريمة الى العدو الاسرائيلي . لكنه لم يكن مقنعا، ولا كانت وثائقه وقرائنه مؤثرة، على غرار ما جرى في مؤتمره الصحافي الشهير العام الماضي. المهم انه حاول مرة اخرى ان يبرئ الحزب، والاهم انه سعى مجددا الى توجيه الاتهام نحو الخارج. وهو جهد لم يبذله أحد حتى الآن من الفريق الآخر، الذي تحمس أكثر من اللازم للقرار الاتهامي وتعامل معه باعتباره حصراً نهائياً لجماعة نفذت الجريمة لحسابها الخاص، وطالب بملاحقتها ومعاقبتها فورا.. مع العلم انه سبق لهذا الفريق بالذات ان لمّح أكثر من مرة وفي ذروة المصالحة العربية انه لم ولن يبرئ الخارج، وسيعتبر أن أي متهم لبناني هو مجرد أداة، أو عنصر مخترق أو غير منضبط.
ولا يمكن أن يعزى مثل هذا السلوك المريب الى الجبن وحده، لا سيما أن الخارج الذي يمكن ان توجه اليه أصابع الاتهام ، سواء كان في دمشق أو في طهران أو حتى في جزيرة فيجي، لم يعد بالقوة نفسها، أو على الاقل لم تعد العلاقة المباشرة معه مهمة أو مفيدة مثل العلاقة مع جماعة لبنانية متحالفة معه، كانت وستبقى جزءا من النسيج الوطني اللبناني.. ما يستدعي في الحد الادنى الإيحاء بأن القرار الاتهامي الصادر من لاهاي ليس كافيا لأنه لا يمثل الحقيقة كاملة ولن يؤدي الى العدالة الناجزة، وإحياء الاتهام السياسي القديم الموجه الى الخارج، ولو من باب التمويه أو التخفيف من حدة التوتر الداخلي الراهن.
ليس المقصود الحرص على سمعة البلد، التي لا يمكن جميعَ الانبياء والرسل أن يدافعوا عنها. بل المطلوب هو ألا يجري تصغير جريمة سياسية كبرى، يمكن ثلاثَ دول أو أكثر ان تتحمل مسؤوليتها.. بدلا من تحويلها الى سلاح في معارك لبنانية صغرى.

السابق
اللواء: نصر الله ينهي التعامل مع المحكمة ودفعة ثانية من التوقيفات خلال شهر
التالي
كلام هادئ عن مواجهة حادّة!