المستقبل: ملف دمشق النووي إلى مجلس الأمن

تتصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري، سواء في ملفها النووي الذي أحيل أمس إلى مجلس الأمن، أو بشأن القمع الدموي للمدنيين المحتجين ضد النظام حيث يجري تداول مشروع قرار غربي لإدانة نظام بشار الأسد في المنظمة الدولية، وسط بروز تشدد روسي في رفض أي قرار يدين نظام دمشق.

وكان ملف التظاهرات في سوريا أمس حاضراً على هامش اجتماع "مجموع الاتصال حول ليبيا" في أبو ظبي، حيث اتهم وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه السلطات السورية بارتكاب مجازر ضد شعبها، وقال إن كل المحاولات لوقف عنف نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد استنفذت، فيما تتهيأ سوريا لإحياء "جمعة العشائر" التي دعا اليها ناشطون معارضون وأعلنت عشائر عدة تجاوبها معها.

ديبلوماسيون قالوا إن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أحال سوريا الى مجلس الأمن لقيامها بنشاط ذري سري وهي خطوة قادت الولايات المتحدة المساعي للقيام بها وتتزامن مع الإدانة الغربية لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في سوريا.
واعتمد مجلس محافظي الوكالة المؤلف من 35 دولة، في اجتماع مغلق، بأغلبية 17 صوتاً ومعارضة ست أصوات، قراراً ينتقد سوريا لتعطيلها على مدى ثلاث سنوات تحقيقاً للوكالة في ما يخص موقعاً قصفته إسرائيل عام 2007.
وكانت روسيا والصين ضمن الأصوات المعارضة. وقال الديبلوماسيون إن 11 دولة امتنعت عن التصويت وتغيبت دولة واحدة.

وعلى الرغم من إحالة سوريا الى مجلس الأمن، فإن مبعوثها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلن أن بلاده ستواصل التعاون مع الوكالة.
وفي ملف قمع التحركات الشعبية، تقدمت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والبرتغال بمشروع قرار معدل يطلب من الأسد وقف العنف وفك الحصار عن المدن التي تشهد احتجاجات. لكن النص لا يتضمن تهديدات بفرض عقوبات بينما أكد سفير فرنسا أنه ليست هناك أي نية لبدء تحرك عسكري شبيه بما حدث في ليبيا.

وأكدت الدول الغربية الأربع التي تقدمت بالنص أنها مستعدة للمجازفة بعرض القرار رغم احتمال استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) بما أنها تعارض بشدة أي تحرك من قبل الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.
لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الروسية قال امس إن روسيا تعارض أي قرار في الأمم المتحدة حول سوريا، مشيراً الى أن هذه المبادرة من شأنها أن تزيد الوضع خطورة في هذا البلد.

وقال الناطق الكسندر لوكاشيفيتش في تصريح لوكالة انترفاكس، إن "روسيا تعارض، كما تم الإعلان عن ذلك مراراً على مستوى الرئاسة، أي قرار في مجلس الأمن حول سوريا". وأضاف أن "الوضع في هذا البلد لا يشكل في رأينا تهديداً للأمن والسلم العالميين". وأشار لوكاشيفيتش الى أن هذا القرار قد يؤدي الى "مزيد من التصعيد للوضع الداخلي" في سوريا". وفي سياق متصل، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" إن أحداً لم يستشر جامعة الدول العربية بشأن مشروع القرار المقدم في مجلس الأمن لإدانة سوريا.

وسُئل عن موقف جامعة الدول العربية من تقدم بريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع القرار، فأجاب "لا موقف محدداً للجامعة من أمر لم يعرض علينا"، موضحاً أن "هذه مسألة خاصة بفرنسا وبعض الدول أمام مجلس الأمن، ونحن نتابع عن بعد لأننا لم نُستشر ولم يُرسل إلينا مشروع القرار". وأشار الأمين العام للجامعة إلى أنه ليس في مشروع القرار هذا "إجراءات معينة" ولا صيغة نهائية للوثيقة.
ورداً على سؤال حول موقفه مما يحدث في سوريا، قال موسى "أنا أرفض استخدام العنف ضد المدنيين.. لأن ذلك يؤدي دائماً إلى نهايات غير طيبة"، مضيفاً إن "للناس الحق في المطالبة بتحسين أحوالها وهم يعيشون في منطقة حصل فيها مثل هذا في مصر وفي تونس وفي غيرها".

وشدد في هذا السياق على أن "كل المجتمعات العربية تتحرك".

وفي أبو ظبي، اتهم وزير الخارجية الفرنسي النظام السوري بارتكاب مجازر بحق المدنيين، واعتبر مواقفه "غير مقبولة". وقال جوبيه لوكالة "فرانس برس" على هامش اجتماع "لمجموعة الاتصال حول ليبيا" إن "موقف سوريا غير مقبول. لا يمكن مواصلة ذبح المدنيين بذريعة أن الشعب يتطلع الى المزيد من الحرية والديموقراطية". وأعرب عن الأمل في طرح مشروع قانون يدين القمع في سوريا على مجلس الأمن الدولي خلال الأيام المقبلة.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن السوريين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد حكومة يريدون منها أن تتصرف بمسؤولية إلا أنها واجهتهم بالرصاص، وأضافت: "نحن نعمل مع شركائنا في المجتمع الدولي لإنهاء العنف في سوريا ودعم الإصلاح السياسي والاقتصادي هناك.. والرئيس السوري (بشار الأسد) قد يحاول أن يؤخر التغيير الذي يجب أن يجري في سوريا ولكنه لا يستطيع أن يعكس هذا التغيير هناك".

وقالت كلينتون: "هذا وقت للكثير من التغييرات في كل من هذه الدول ولا يمكن العودة إلى الوراء، ولكن قصة كل هذه الانتقالات لم تنته بعد وكلنا جميعاً نشعر بالتواضع أمام المخاطر والمردود الذي يمكن أن يتحقق ونحن نمضي قدماً في هذا الأمر"، مؤكدة أن الولايات المتحدة تدعم التحولات التي تشهدها المنطقة حتى تشهد شعوبها مستقبلاً أفضل.

وتحاول الأسرة الدولية دفع السلطات الى وقف القمع بعد ثلاثة أشهر من بدء التمرد الذي أسفر عن سقوط 1100 قتيل على الأقل وتوقيف أكثر من عشرة آلاف آخرين وفرار الآلاف الى لبنان وتركيا.
ودعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي أمس السلطات السورية الى وقف الهجمات على المدنيين، وأبدت أسفها إزاء "لجوء أي حكومة لقمع مواطنيها لإرضاخهم". وأضافت في بيان "نتلقى مزيداً من التقارير المفزعة والتي تشير الى مواصلة الحكومة السورية قمع المتظاهرين المدنيين بلا أي رحمة".

وتسبب العنف الذي تمارسه قوات الأمن السورية في الأيام الأخيرة في مدينة جسر الشغور (شمال غرب) الى فرار المواطنين السوريين بينهم جرحى الى تركيا المجاورة حيث تحدثوا عن تحركات وحشية لقوى الأمن ضد السكان العزل.
وبلغ عدد المواطنين النازحين الى مناطق الحدود مع تركيا إلى 2392 مواطناً، وذكرت مصادر تركية أن 495 مواطناً سورياً وصلوا أمس إلى بلدة ألتن أوزو التابعة لمحافظة هطاي الحدودية جنوب شرق تركيا وقامت حافلات تابعة للهلال الأحمر التركي بنقل هؤلاء النازحين إلى مخيمات أقامتها تركيا فى بلدة يايلاداغي في محافظة هطاي الحدودية مع سوريا .

وبدأ الهلال الأحمر التركي إقامة مخيمات جديدة لاستيعاب تدفقات النازحين، واتخذت القوات التركية تدابير مشددة بطول الحدود مع سوريا تحسباً لموجات من الفرار الجماعي في اتجاه الأراضي التركية بعد تأزم الوضع في بلدة جسر الشغور.
وفي إدلب، قال ناشط حقوقي إن ستين شاحنة ودبابة على الأقل وعشرات آليات نقل الجنود والدبابات توجهت مساء الأربعاء وأمس من مدينة حلب الى جسر الشغور الواقعة في محافظة إدلب على بعد 300 كلم شمال دمشق.
وكانت السلطات السورية هددت بالرد "بحزم" على مقتل 120 من رجال الأمن قتلوا على حد قولها في جسر الشغور بأيدي "عصابات مسلحة" في رواية ينفيها المعارضون وشهود عيان أنكروا وجود مثل هذه المجموعات، مؤكدين أن القتلى سقطوا في عصيان.
ودعا الناشطون المطالبون بالديموقراطية في سوريا الى جولة تظاهرات جديدة اليوم وناشدوا العشائر التحرك ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

وقالت صفحة "الثورة السورية 2011" على "فايسبوك" إن "العشاير كل العشائر من البداية مع كل ثائر. العشاير تأبى الذل والهوان والضيم والعدوان، تنصر الحق ولا تخشى لومة".
وعلى الصفحة التي تقف وراء الحركة الاحتجاجية، أكدت عشائر القنيطرة أنها "ومنذ البداية ساندت وشاركت بشكل فاعل في الثورة.. حيا الله الرجال".

أما عشائر حوران المنطقة الواقعة جنوب غرب سوريا وتضم مدينتي درعا والسويداء، فأكدت "دعمها للثورة" على الصفحة نفسها، داعية عشائر حلب ودير الزور والرقة وحمص الى "الوقوف معنا ليرحل هذا النظام".

السابق
الحياة: مشاورات تأليف الحكومة في مربّعها الأخير وولادتها تسبق الجلسة النيابية
التالي
الحياة: الأسد يأمل خلال لقائه جنبلاط تشكيل حكومة لبنان قريباً