الرفاعي لـ”النهار”: لا يُشرّع في وجه حكومة تصريف أعمال

نها دوافع سياسية ودستورية فرضت مهلة العشرة ايام أمام هيئة مكتب مجلس النواب لبت امر انعقاد جلسة تشريعية. فحين يصبح الدستور وجهة نظر، تقع المشكلة، وحين يصبح النقاش سياسيا، يكثر "شدّ الحبال" بين الاطراف المتنازعين.
اجتماع وصف بـ"بالجيد" عقدته هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل برئاسة رئيس المجلس نبيه بري، وانتهى بقرار متابعة المشاورات، واعطاء مهلة العشرة ايام لبت المسألة. في اجواء الاجتماع، علمت " النهار" ان بري استهلّ الجلسة بشرح للوضع الحالي، وعرض وجهتي نظر، فاستند اولا الى الدستور الذي يقول ان لا تشريع في ظل حكومة تصريف اعمال، ثم تناول عرضا اخر يقول ان التشريع لا يحصر فقط بحكومة جديدة. ثم انتقل الى مقاربة المسائل المالية، وتحديدا ما يتصل بحاكمية مصرف لبنان، مطالبا باستمراية العمل بها الى حين وجود حكومة جديدة، لكونها مرفقا عاما.

بعدها، سجلّ بعض النواب ملاحظاتهم، وابرزهم النائب مروان حماده، حول وجود لجنة الادارة ضمن اجتماع هيئة مكتب المجلس، مستندا الى الفصل الثاني من النظام الداخلي لمجلس النواب الذي يتناول صلاحيات هيئة المكتب، فأكد ان الهيئة ملزمة وحدها تقرير جدول الاعمال لكل جلسة من جلسات المجلس. فردّ بري بالتوضيح انه دعا لجنة الادارة من اجل الرأي الاستشاري، وانها لن تشارك في الاجتماع المقبل او حين يتقرر وضع الجدول. ثم اثار حماده سبب عدم انعقاد هيئة المكتب منذ أشهر، فأوضح بري ان اللجان النيابية كانت منشغلة، والان ثمة 29 اقتراح قانون درست في اللجان، وكانت تنتظر التطورات في الملف الحكومي.

خلال الجلسة، ركز نقاش النواب على ملفي المال والسجون، ثم طرح كل منهم "الحساسيات الميثاقية"، اذ ذكر نواب 14 اذار بسوابق في هذا المجال، حين اعتبر رئيس المجلس حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير ميثاقية فلم تعقد جلسات عامة، فيما ايد نواب كتلة "التنمية والتحرير" عقد الجلسة، ولاقاهم رئيس لجنة الادارة النائب روبير غانم، انطلاقا من مبدأ فصل السلطات. كذلك، سأل عدد من نواب 14 آذار "في حال عقد الهيئة العامة، فماذا عن الاوراق الواردة في بداية الجلسة، اي الكلمات التي يحق للنواب تلاوتها؟ وهل يفتح الباب امام اقتراحات قوانين قد لا تحصى؟ هذه المسائل لا بد من بتها ومناقشتها، قبل الانتقال الى الدعوة الى جلسة". واجمعوا على ان المجلس لا يقتنص صلاحيات الحكومة، وانه اذا كان سيد نفسه،
فهو لا يكون فوق الدستور.

بالنتيجة لا جلسة قبل نهاية الشهر الحالي، ولا موافقة على عقدها ولا قرار ايضا بعدم عقدها، وكل النقاش ظاهره دستوري إنما باطنه سياسي بامتياز. وفي المحصلة، سادت ساحة النجمة امس وجهتا نظر، فأيد نواب كتلتي "التنمية" و"الوفاء للمقاومة" و"تكتل التغيير والاصلاح" الجلسة العامة، فيما رفضها غالبية نواب 14 آذار.

تفسير الرفاعي
امام هذا الفرز السياسي، ماذا يقول الرأي الدستوري؟
الخبير الدستوري حسن الرفاعي يوضح لـ" النهار" انه "عندما تستقيل الحكومة، تفقد ثقة المجلس وتصبح غير مؤهلة للقيام بأي عمل، ولكن الاعراف البرلمانية وجدت ان هناك امورا يقتضي القيام بها لتسيير اعمال الادارة، فوضعت عرفا يقول بأن حكومة تصريف اعمال يمكنها ان تقوم بتصريف الاعمال ضمن المفهوم الضيق ولا يجوز لها ان تقوم بأعمال ترتب مسؤولية عليها او على احد الوزراء. انما في الحالات المستعجلة، ووفق ظروف قاهرة، سمح لها بالقيام ببعض الاعمال الذي يتبين لها انها ضرورية وملّحة جدا، ولا يحق لها ان تقوم بأعمال قد لا توافق عليها الحكومة الشرعية التي تأتي بعدها".
من هنا، يشير الرفاعي الى ان "كل الفقه اجمع في ظل دستور الجمهورية الثالثة والرابعة والخامسة في فرنسا، الى جانب الاجتهادات في المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة، على ان حكومة تصريف الاعمال لا يمكن ان تحضر الى المجلس للقيام بالتشريع في وجهها".

آراء النواب
جدل دستوري انتهى وفق الرفاعي، انما النواب قدّم كل منهم تفسيره متسلّحين برأي استشاري يدعم وجهة نظرهم. فالفريق المؤيد للجلسة، ذكرّ بسابقة حصلت في 7 – 7 -2005، حين طلب 72 نائبا فتح دورة استثنائية للمجلس، وكان رئيس الحكومة حينها، الرئيس نجيب ميقاتي، واعتبر رئيس حكومة مستقيلا لكون مجلس النواب كان منتخبا حديثا قبل اشهر، وعلى الرغم من ذلك، طلب ميقاتي رأيا استشاريا في هذا الخصوص، واتاه جواب بامكان عقد جلسة. وهكذا كان، فاجتمع مجلس النواب وأقر العفو عن الدكتور سمير جعجع وموقوفي الضنية معا. اما الرأي الاستشاري الاخر الذي يتسلّح به "الفريق المضاد"، فهو انه في بداية الالفين، لم يتمكن المجلس من عقد جلسة عامة بسبب غياب رئيس الحكومة، فكيف اليوم، وكل الحكومة غائبة؟.
ابعد من "الاراء القانونية" للنواب، فان الحسابات السياسية بقيت تظلل مواقفهم. تقول اوساط نيابية في فريق 14 آذار ان " من فرط الحكومة يفترض فيه تحملّ المسؤولية، وبالتالي لا وجوب لنقل الازمة او محاولة توجيه الصورة الى مكان آخر، وهو مجلس النواب".
اما فريق الاكثرية الجديدة، ووفق مصادر نوابها، فترى ان "فصل السلطات هو الذي يميز نظامنا اللبناني، وليس بالضرورة ان يطول التعثر الحكومي الجمود في كل مؤسسات الدولة وسلطاتها، والا فان كل مؤسسة ملغاة تفرض حينها الغاء لمؤسسة اخرى، وهذا لا يجوز في عرف فصل السلطات".
الجامع الوحيد بين هذين الرأين ان الطرفين اجمعا على ان "المشكلة تكمن في الدستور، بحيث انه عند مفترق كل ازمة، تتعدّد وجهات النظر ويصبح تفسير الدستور موقفا سياسيا".
هذا الجدل السياسي فضلّ بري عدم حسمه خلال اجتماع امس، فكانت مهلة العشرة ايام، وان بات معلوما ان بري يريد عقد جلسة، ولا سيما لبت بعض المسائل، مثل اقتراحات القوانين المتعلقة بأزمة السجون، محاولا بذلك الغمز من قناة من انتقده سابقا لناحية تعطيل المجلس واقفال أبوابه. ويبقى المهم ما كشفه المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل حين قال ان بري "سيدعو الى هذه الجلسة، بغض النظر عما اذا كانت ستعقد ام لا، الا ان حقه في الدعوة قائم، ولا نزاع حوله".
هكذا، كانت اجواء ساحة النجمة. وغاب الكلام عن " لقاء الاربعاء النيابي"، والغريب ان النواب لم يناقشوا الملف الحكومي، وثبت ان لا جديد بعد اجتماع الخليلين" مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اول من امس، كما لو ان الجمود الحكومي بات امرا اعتاده النواب.
ومن أزمة السجون وحاكمية مصرف لبنان، نتج "نشاط تشريعي"، اذ قدّم النائب علي حسن خليل اقتراح قانون يقضي باستمرار العمل بالحاكمية الى حين تشكيل حكومة، بحيث تبقى المؤسسات العامة تعمل في زمن تصريف الاعمال، كما حصل سابقا على غرار المجلس الدستوري.
اما النائب ميشال موسى فأعدّ اقتراح قانون يتناول اعفاءات في بعض العقوبات، المتصلة بالجرائم البسيطة فقط، اي باستثناء جرائم المخدرات والقتل. ويأتي هذا الاقتراح في سياق سعي لجنة حقوق الانسان النيابية الى معالجة ازمة السجون، وتحديدا تخفيف الاكتظاظ. نشاط بري في المجلس اختتمه بلقائه وفدا المانيا برئاسة نائب رئيس البرلمان ولفغانغ تيرز، وكان عرض لشؤون البلدين. ثم، اختار رئيس المجلس الابتعاد عن السياسة، فأتى برفقة عائلته ليتناول الغداء في مطعم الـ DT وسط بيروت، طالبا الابتعاد عن عدسات المصورين.

السابق
ماروني: يحق للبرلمان الانعقاد في ظل حكومة تصريف الأعمال
التالي
تقرير مشترك عن اعتداء مارون الراس