الإخوان والنهضة وامتحان ما بعد الثورة

تتوجه الأنظار في كل من مصر وتونس إلى الدور الذي سيلعبه الإسلاميون في الحياة السياسية وتحديدا في المؤسسة التشريعية والحكومة.

ويبدو أن اعتقاد كثير من العلمانيين والمنافسين من مختلف التيارات الفكرية سواء منهم من اختار المنافسة الشريفة أو لغة الضرب تحت الحزام، بأن الإسلاميين يشكلون قوة داخل المجتمع -ولا محالة سينعكس ذلك في المشهد البرلماني والحكومي بشكل من الأشكال في حال تمت الانتخابات بشكل ديمقراطي ونزيه وتم احترام إرادة الناخبين- جعل البعض يختلق معارك وهمية ويفتح نقاشات بالية للتخويف من الإسلاميين وإمكانية سرقتهم للثورة من قبيل النقاش حول الدولة الدينية في مصر مثلا، والنقاش حول مجلة الأحوال الشخصية بتونس واحتمال الانقلاب عليها، الأمر الذي يفسر وجود الحركة النسوانية في مقدمة مروجي التخويف من حركة النهضة والمخاطر المترتبة على مشاركتها في السلطة وما إلى ذلك.

وبغض النظر عن ضعف وأحيانا تفاهة الأسباب التي تدفع العلمانيين والمتطرفين منهم على الخصوص وبقايا اليسار لشن حرب على الإسلاميين وخاصة المؤمنين بالعمل المؤسساتي والمنهج الديمقراطي، فإن السؤال المطروح اليوم على أولئك الإسلاميين في مصر وتونس، هو مدى استعدادهم لتحمل المسؤولية في المشاركة الحكومية وتبعاتها، وهل عندهم رؤى ومشاريع إصلاحية قادرة على المساهمة في الرقي بالواقع والاستجابة لانتظارات جماهير واسعة عانت لمدة طويلة من الاستبداد السياسي والحرمان الاجتماعي والتهميش الاقتصادي.

لا يشك المراقب الموضوعي في أن جماعة الإخوان المسلمين لها شعبية واسعة في مصر، وتعرضت لقمع سياسي وانتخابي في المرحلة السابقة، لكن السؤال هو هل ستدخل الجماعة للانتخابات المقبلة بنفس الشعار القديم «الإسلام هو الحل» أم أن التجربة التي عاشتها في أيام الثورة بالتفاعل مع تيارات المجتمع المصري وفعالياته الشبابية والجمعوية ومكوناته الفكرية، ومعرفتها بانتظارات الشعب المصري الكبرى، ستسهم في خلق نقاش داخل الجماعة حول مشروعها السياسي وشعارها الانتخابي المركزي في اتجاه شعار واقعي عملي ذي حمولة سياسية واجتماعية، بدل الشعار المبدئي العام «الإسلام هو الحل» الذي لا يفترض أن يستعمل في الصراع الانتخابي، لأنه ببساطة يعني أن الإسلام منهج حياة ورؤية شاملة للحياة والكون، وهذا يقول به كل المسلمين ولا يمكن للجماعة احتكاره وتقزيمه لشعار انتخابي وسياسي، والحال أنه أكبر من ذلك بكثير، فضلا أن فيه ظلما للإسلام، لأن الناس البسطاء سيعتبرون أي فشل لأصحاب الشعار في مشاكلهم والاستجابة لانتظاراتهم (العمل والسكن والصحة ونظافة البيئة…) فشلا للإسلام وليس لحملة الشعار الذين قد يعتقد كثيرون منهم أنهم يزعمون امتلاك الحقيقة والحلول لمشاكل الناس في مجال لا يملك فيه الحقيقة أحد، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة النظر في هذا الشعار وتغييره.

وحصول هذا التغيير من شأنه أن يعطي رسالة إيجابية للداخل (باقي المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية) وللخارج، ولا يعبر كما يعتقد البعض عن تراجع عن الثوابت، لأن الشعار من جهة ليس من ثوابت الإسلام، ولأن ممارسة السياسة بالعقلية الإسلامية تقوم على آلية الاجتهاد والمنطق المقاصدي الذي يروم بالدرجة الأولى وقدر الإمكان تحقيق المصالح ودرأ المفاسد.

ولكن للأسف إلى غاية اليوم لا يبدو أن هناك نقاشاً داخل جماعة الإخوان حول الشعار المذكور في اتجاه تعديله أو تغييره، باستثناء بعض المطالبات من الشباب المعبر عنها في بعض المقالات، لا يظهر أن لها أثراً في التوجه العام للجماعة.
وكما سبقت الإشارة في مقال سابق بعنوان «جماعة الإخوان والحاجة للثورة على نفسها» فإن إصرار الإخوان على شعار «الإسلام هو الحل» لا يساعدها على الانفتاح أكثر على باقي الأطراف السياسية المصرية، ومد جسور الثقة والحوار معها، ومع المكونات الأخرى في الحقل الثقافي الفكري والفني والإعلامي ومؤسسات المجتمع المدني، في أفق بناء أرضية مشتركة مع قوى المجتمع المصري لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 لسد المداخل على الثورة المضادة.

وأعتقد أن جماعة الإخوان اليوم أمام امتحان حقيقي سيحكم على مستقبلها السياسي لما بعد الثورة، فإما أن تثبت من خلال شعار مدني، وبرنامج سياسي واقعي وانفتاح على باقي الأطراف السياسية، أنها قادرة على أن تكون فاعلا في بناء مستقبل مصر، أو أنها ستدخل لرفوف التاريخ.

أما بخصوص حركة النهضة بتونس فيظهر أنها لن تضيع وقتها في إشكالات نظرية لأنها حسمتها منذ مدة، وكانت الإنتاجات الفكرية لقادتها وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي تؤكد على الدولة المدنية والمنهج الديمقراطي، وهي الإنتاجات التي استفادت منها حركات إسلامية عديدة.

وأشارت قيادات الحركة بعد الثورة بوضوح في عدد من التصريحات أنهم سيتحالفون مع أحزاب سياسية أخرى لمواجهة مشاكل تونس وبناء دولة ما بعد مرحلة بن علي وإرساء المسار الديمقراطي، ولن يسعوا لفرض أجندة دينية على التوانسة كما يعتقد خصومهم.

وعلى عكس ما هو حاصل بمصر، نجد أن عدداً من التيارات الفكرية والسياسية بتونس تبدي تفاؤلها وارتياحها لحركة النهضة وتوجهها الفكري والسياسي ولا تتوجس منها خيفة باستثناء العلمانيين المتطرفين والحركة النسوانية، لأنها تعيش وتقتات على هذا النوع من العداء السياسي وليس الخصومة السياسية.

وبقدر ما يشكل هذا الارتياح مؤشرا إيجابيا على التخلص من الفزاعة التي استغلها نظام بن علي، فإنه يشكل في الوقت نفسه مسؤولية كبيرة على حركة النهضة في المرحلة المقبلة للتمسك بالمنهج الديمقراطي والدفاع عنه وإعطاء الأولوية لانتظارات الشعب التونسي بدل النقاشات والمعارك الهامشية التي يحاول العلمانيون المتطرفون جرها إليها.
ويظهر من خلال تصريحات قيادات النهضة وحملتها التي أطلقتها مؤخرا لإنعاش السياحة في مدينة الحمامات -رغم تفسير البعض لها بأنها حملة انتخابية سابقة لأوانها- أن الحركة غير مستعدة للسقوط في أخطاء الماضي ولا تكرار أخطاء الآخرين، وتتوجه لنحت تجربة مشابهة لتجربة حزب العدالة والتنمية بتركيا.

السابق
الاشتراكية العصرية الجديدة أو مستقبل الحرية
التالي
هل عادت فرنسا؟