خفايا تسريبات رومية: عون وميقاتي خلفها

سجن

تأويلات وتحليلات كثيرة رافقت تسريب التسجيلات المصورة التي يظهر فيها عناصر من قوى الأمن الداخلي يقومون بتعذيب مهين للموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. شملت التحليلات النواحي السياسية، المحلية والخارجية، ربطها البعض باستحقاقات إقليمية، فيما آخرون ربطوها بالأزمة الحكومية، وهناك من وضعها في سياق استهداف الحوار الدائر بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” عبر استهداف الشارع السني.

سواء كانت هذه التحليلات صائبة أم لا، إلّا أن ما جرى لا يمكن التعاطي معه إلّا أنه صفعة على وجه الجميع، وإن لم تخلُ موجبات النشر والتسريب من الأهداف السياسية. كان المستهدف الأول من التسريب وردّة الفعل التي أنتجها، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بغض النظر عن التحفظات والملاحظات، والتسليم بجدلية فداحة ما حصل، إلّا أن المشنوق أعلن مسؤوليته عن ماجرى، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالة المرتكبين على القضاء، هذا في الشأن التقني الذي لن يعيد الإعتبار لمن امتهنت كراماتهم وأهينوا، أما في الشق السياسي فإن ما جرى على الأرجح سيستمر وإن بصيغة مختلفة.

بالتأكيد فإن المراد من استهداف المشنوق، استهداف فريق سياسي بكامله، ومن قام بذلك كان يريد شق صفوف هذا الفريق من جهة، وإبعاد الشارع عن ممثليه من جهة أخرى، وتوظيف كل ما جرى في سياقات سياسية مختلفة. جميع خصوم “المستقبل” استفادوا من هذا التسريب والعاصفة التي أثارها.

الحسابات السنية – السنية حاضرة، الصراع العوني – المستقبلي الخفي، أيضاً حاضر، ربطاً بما جرى بمسألة التعيينات الأمنية والتمديد، والمستمر فصولاً، وكذلك يبقى الحضور الأبرز لصراع “حزب الله” – المستقبل، المغلف بحوار معطل، خصوصاً أن “حزب الله” يحسن الإستثمار بأوراق كهذه، لا سيما محاولاته الجاهدة لترسيخ الشرخ والتصارع بين صقري “المستقبل” في الحكومة، أي المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي، اللذين يسعيان إلى القيام بـ”حركة مشتركة” لدحض هذه المزاعم، على غرار ما حصل في قضية ميشال سماحة. في التفاصيل، تشير مصادر “المدن” إلى أن التقاء مصالح بين رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ومن خلفهما “حزب الله” دفع إلى اختيار هذا التوقيت للتسريب، خصوصاً أن هذه الأشرطة كان تم تداولها على نطاق ضيق في السابق، من دون أن تسرب. وتقول المصادر أنه “من الواضح أن ما حصل أتى بتنسيق بين جماعة الميقاتي وعون، والمستهدف فيها رأس المشنوق، ليستفيد منها “حزب الله”، وهدفت إلى حرف الأنظار عن معارك القلمون، وإشاحة النظر عن وثائق ويكيليكس السعودية، التي تبين أنها سخيفة، ولم تكشف شيئاً، ولا ترقى إلى مستوى الحملة الدعائية التي سبقتها، وصبت في صالح قوى 14 آذار، لجهة اقتصار الدعم السعودي على تمويل مؤسسات صحافية وليس ميليشيات، وثانياً شمولها شخصيات من “حزب الله” ونائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، وشخصيات أخرى كالنائب علي بزي، ما يعني أن الجميع كان على علاقة مع المملكة”.

 

عملياً، يريد ميقاتي تسجيل هدف في مرمى “المستقبل”، صراعهما مديد وخصوصاً على الساحة الطرابلسية وبشأن الموقوفين الإسلاميين، وأراد من ذلك إصابة رأس المشنوق ومن خلفه ريفي، وتالياً “المستقبل”، عبر تأليب الشارع، خصوصاً أن ميقاتي عمل سابقاً على استثمار شادي المولوي، المتواري عن الأنظار، وسعد المصري وزياد علوكي اللذين كانا موجودين في الأشرطة المسربة، والجميع يعلم مدى دعم ميقاتي لهما وحتى الأموال التي ترسل إليهما داخل السجن، وتوظيف هذه الأموال في استدراج مواقفهم والإدلاء بإفادات أثناء التحقيق معهما، تصوب بإتجاه المستقبل وأنه كان خلف تمويلهما خلال جولات القتال بين التبانة وجبل محسن، علماً أن تصريحاتهم السابقة كانت تتهم المستقبل بالتخلي عنهما.

ويبرز إستثمار ميقاتي في سرعة ردة فعل ميقاتي بالأمس، بعيد التسريب، وفي الهجوم المركز الذي شنته الحلقة المحيطة به، والتي لم تحيد رئيس الحكومة تمام سلام. أما بالنسبة إلى عون فهو يريد توجيه ضربة إلى المشنوق بعد الخيار الذي اتخذه في مسألة التمديد للقادة الأمنيين، وإصراره على تجزئة هذه التعيينات، وتوقيعه على قرار التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، وتعيين قادة وحدات، وهذا ما يعتبره عون خطوة قطع طريق اليرزة أمام العميد شامل روكز.

قد يكون استثمار “حزب الله” لما جرى محاولة لاستهداف الحوار، أو تمهيداً للإنقلاب على قواعد اللعبة في هذه المرحلة الهادئة، إلّا أن المصادر تعتبر خلاف ذلك، إذ تشير إلى أن الحزب لا يستطيع أن يشن معركة ولو إعلامية في جرود عرسال، من دون أن يكون لديه تواصل مع أحد في البلد يمثل تلك المنطقة، ويمثل الطائفة السنية، ومن هنا يأتي دفاع “حزب الله” ومنظومته الإعلامية عن المشنوق، وهو أكثر المتمسكين بالحوار في هذه المرحلة على الرغم من إستثماره بما جرى أولاً لضرب الشارع السني ببعضه البعض، وثانياً عبر الإيحاء للجمهور السني بأن قياداتكم ومسؤوليكم لا يمثلوكم، ليس لكم سوى التطرف. أبعد من ذلك، قد يبدو هذا الإيحاء محاولة لشيطنة الشارع السني من قبل “حزب الله” على غرار شيطنته للحراك الشعبي السوري منذ بداية الثورة السورية وإلى اليوم عبر التأكيد أن من يتحرك في سوريا هم مجموعات متطرفة، أي “داعش” و”النصرة”، وهذه مسؤولية فريق “المستقبل” في تحصين شارعه وإعادة الأمور إلى نصابها.

(المدن)

السابق
نعم… دفاعاً عن نُهاد
التالي
الأخطَر من الردّ على «الفيديو»