الأخطَر من الردّ على «الفيديو»

طارق ترشيشي

تسريب الفيديو الذي أظهَرَ تعرُّضَ سُجناء إسلاميّين في سجن رومية للتعذيب، أخَذ أبعاداً خَطِرَة فاقت ما أثارَه من ردود فعل، ما يُشير إلى أنّ الأهداف غير المنظورة من هذا التسريب مُغايرة لما برَزَ في التظاهرات التي يُفترَض أنّها ردّة فعلٍ عفويّة على حالة إنسانيّة.

يَقول بعض السياسيّين الذين تابَعوا ردود الفعل على «فيديو التعذيب»، إنّ ظهور أعلام تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» في التظاهرات التي انطلقَت في بيروت وصيدا والشمال والبقاع استنكاراً لتعذيب السجناء، تعَدّى عفويّة هذه التظاهرات على رغم الألم الذي تُثيره المشاهد التي احتواها الفيديو المسرّب، إلى ما يُمكن أن يُشكّل خَطراً على أمن لبنان واستقراره، لأنّ «الكَورَس» الذي استغلَّ الشريط، عزَفَ «مجموعة ألحانٍ» في مناطق لبنانيّة عدّة، بما يوحي بأنَّ «أمرَ عمليّاتٍ ما» أو «كلمة سرّ ما» مُرِّرَت من مكان ما، لغاياتٍ يُتوَقّع اتّضاح حقيقتها في المدى المنظور.

وإزاءَ هذا التطوّر، طرَحَ هؤلاء السياسيّون مجموعة أسئلة، منها:

ـ أوّلاً، إذا كانت التظاهرات وإقفال الطُرق في بيروت وعدد من المناطق في صيدا والشمال والبقاع بمثابة ردّة فعل عفويّة على ما احتواه شريط الفيديو من صوَر تعذيب للسجناء، فلماذا ارتفَعَت أعلام «داعش» و»النُصرة» في هذه التظاهرات؟

ـ ثانياً، كيفَ تحَدّدت «ساعة صفرٍ مسائيّة» لما انطلَقَ من تظاهرات وتحرّكات في شوارع بيروت وصيدا والبقاع والشمال؟ وإلى أيّ اتّجاه يُراد توجيه الرسائل التي انطوَت عليها هذه التظاهرات؟

ـ ثالثاً، هل إنَّ خلافاً (يتحدّث عنه البعض) بينَ وزيرَين بارزَين من تيّار سياسيّ واحد يتوَلّيان وزارتَي الداخليّة والعدل المترابِطَتَي المهمّات في مجالات كثيرة، يُمكن أن يبلغ من الأهمّية درَجةً تمسّ الأمن الوطنيّ من خلال التظاهرات وإقفال الطرق؟

ـ رابعاً، إنَّ مَن صوَّر شريط الفيديو كانَ في ما بدا محترفاً، وربّما هوَ من بين الذين يخدمون في سجن رومية، فلماذا سَرّبَ هذا الشريط إلى جهة «ربّما تكون عليا» هي التي اختارت تسريبَه في هذا التوقيت تحديداً، عبرَ نشره على مواقع التواصل الاجتماعيّ أوغيرها؟

ويَستولِد السياسيّون إيّاهم من هذه الأسئلة الأربعة مجموعة تساؤلات، هي:

– هل دخول المظاهر التكفيريّة إلى قَلب ردّات الفعل التي يُفترَض أن تكون عفويّةً على فيديو التعذيب، هوَ مصادفة؟

– هل قرار المَسّ بالاستقرار العام في لبنان على يَدِ أيّ جهة، أو جهات محَلّية أو إقليميّة هو بهذه السهولة؟ أم إنَّ المسألة أخطر وأعقَد من أن تستطيع أيّ جهة التطاوُل على القرار الإقليمي ـ الدولي بحماية لبنان واستقراره في هذه المرحلة؟

ولعلَّ ما لاحظه هؤلاء السياسيّون في هذا السياق، أنّ الحكومة المتوَقّفة عن عقدِ جلساتها بفعل الخلاف على الأولويّة بين التعيينات وانتخابات رئاسة الجمهورية، والتي يُفترض أنّها تُمثّل أكثريّة لفريق 14 آذار، ورئيسها ينتمي إلى هذا الفريق، لم تتصدَّ بالنحو المناسب لرَدّات الفعل على شريط التعذيب، ولم تَتّخذ بعد أيَّ قرار في هذا الصَدد. ويَختم هؤلاء أنّ كُلّ ما ظهر حتّى الآن، هو أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق يَردّ السهام التي تُوَجَّه إليه، بمسؤوليّةٍ وحرفيّة.

ويؤكّدون في السياق نفسِه أنّ الخطر لا يَكمُن في ما احتواه الفيديو من صوَر تعذيب للسجناء يُفترَض أن يحصل احتراماً لحقوق السجين، وإنّما يَكمُن في ردّة الفعل التي حَمَلَتها رسالة الذين نزلوا إلى الشوارع، فكأنَّ مَن سَرّب هذا الفيديو ليس همّه الدفاع عن حقّ السجناء الذين تعرّضوا للتعذيب، بمقدار اهتمامه بإعادة شَحن البلاد مذهبيّاً، في الوقت الذي يتوَلّى الحوار الجاري بينَ تيّار «المستقبل» وحزب الله مهمّةَ تبديد التشنّج المذهبيّ وتهدئة النفوس، على أمل أن يُشكّل هذا الحوار لاحقاً جسرَ عبورٍ إلى الحَلّ المنشود للأزمة اللبنانيّة بمختلف تشعّباتها.

(الجمهورية)

السابق
خفايا تسريبات رومية: عون وميقاتي خلفها
التالي
طعن مواطن في مخيم للاجئين في المرج