رأي في عجز «الإخوان»… وفي عجزنا عن مشابهتهم

 الأحد 7 يوليو 2013

ثمة مستوى لإخفاق الإخوان المسلمين لم يبلغه النقاش بعد. انه فشلهم في ان يكونوا جزءاً من الزمن. من تقدمه وارتكاساته ومن سرعته. وهو فشل عام لا يُستثنى منه فرع لهم، كما يشمل معظم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة. ومن المرجح ان يكون لهذا الفشل دور في سرعة استهلاكهم حقبتهم، سواء المصرية، ومن المرجح التونسية، ولاحقاً حقبات افتراضية كان من المتوقع ان يبلغوها في بلدان كالأردن والجزائر.

العلاقة مع الزمن. والزمن هنا أذواق وإعلام وأصوات أفراد ونساء، وهو أيضاً اقتصاد مختلف، ومساحات من العبث بهذا الاقتصاد، وهويات أقل رسوخاً. والإخوان المسلمون بصفتهم جماعة إحيائية، ارتدوا إلى شخصية أولى لا تقيم وزناً لكل هذه العناصر إلا بصفتها وسيلة لتثبيت «الشخصية الأولى» ولبعثها، وفي وجوهنا.

الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي لا يعرف مثلاً ان رئيساً للجمهورية لا يمكن له ان يرفع الأذان. مؤذن المسجد هو من يفعل ذلك، وهو رئيس للجمهورية وليس مؤذناً. كما لا يعرف ان رئيس جمهورية مصر، المسلم حكماً، لا يمكن ان يبدأ خطاباً بربع ساعة من البسملة والحمدلة. هذا شأن الوعاظ وليس الرؤساء. حركة حماس بدورها لا تدرك ان حملة لتأديب شباب غزة اسمها «ارفع سروالك» ستثير في وجهها ليس سخطاً فحسب، وإنما كذلك حملات من السخرية تقوّض نفوذها. فللسخرية في مواجهات كهذه قدرات تقويضية، اختبرها الرئيس المصري عبر ظاهرة باسم يوسف التي كان لها دور كبير كما يبدو في الثورة المصرية الثانية.

الإخوان المسلمون ايديولوجيون، والأيديولوجيون عموماً أناس غير ظرفاء ومقيدون، فما بالك اذا كانت ايديولوجيتهم إحيائية، قليلة الحركة ويقتصر طموحها على بعث قيم يصعب بعثها. هذا الأمر كان في صلب الحدث المصري الأخير. كنا في القاهرة أمام مشهدين، الخفة المطلقة في مقابل الأيديولوجيا المطلقة، باسم يوسف في مقابل محمد مرسي.

والحال ان خلل علاقة «الإخوان» بالزمن، بزمنهم هم كممارسين جدد للسلطة، تم اختباره على نحو مأسوي في السنوات الأخيرة. فحماس لم يعد باستطاعتها الاختباء في قطاع غزة. وضبط المجتمع الغزاوي بحدود القطاع وبحدود الحصار ما عاد ممكناً. فقد تسلل محمد عساف في غفلة منها والتحق بـ»آراب أيدول» وفاز، وما كان لاستنكار حماس سوى ارتدادات سلبية على صورة سلطتها.

المشكلة التي يواجهها «الإخوان» تتمثل في انهم ما أن يبلغوا السلطة حتى تتكشف ضائقتهم هذه. قبل ذلك، تمارس المجتمعات التي يقيمون فيها خبثاً، فتقبلهم كما هم، وتُشعرهم بأن ما هم فيه ليس أمراً جوهرياً، ولكن ما ان يبلغوا السلطة حتى يقع الاحتكاك. فها هم في المجلس الوطني السوري جزء غير نافر من مكوناته الغريبة. فيجلس مراقبهم محمد رياض الشقفة، كشيخ صوفي حموي، الى جانب استاذ الجامعة الباريسي برهان غليون من دون ان يكشف الاختلاف عن نفور كبير. فالشيخ قانع بحاله، وغليون سيغادر الاجتماع متوجهاً الى باريس، والناس منتظرة حتى تحل السلطة ويحل النفور.

ليس «الإخوان المسلمون» جماعة رجعية على رغم احيائيتهم. فهم لم يتركوا شأناً من شؤون الدنيا إلا وخاضوا فيه. يتاجرون كثيراً ويتعلمون كثيراً ويسافرون كثيراً ويتزوجون وأحياناً لا يتزوجون. لكنهم في أفعالهم هذه يقيمون فقط في مجتمعاتهم. فحين يُسافر الإخواني السوري الى لندن يكون بهدف زيارة اخواني هناك. وحين يُتاجر في عمان، يفعل ذلك في دائرة الاقتصاد الإخواني السوري فيها، وحين يتزوج الشاب انما يتزوج بطلب من والده الذي يكون قد اختار له ابنة أخيه في الجماعة.

يُنتج هذا الضيق ضيقاً موازياً، فالاقتراب من مجتمع «الجماعة» يصبح مستحيلاً لغير أبناء الدعوة. الاقتراب منهم ممكن، لكنه زيارة موقتة يتبادل فيها من يفعل ذلك أحاديث مع رجال لطفاء لكنهم أغيار.

ليس هذا حال السلفيين مثلاً، فهؤلاء يمكنهم ان يقتلوك، لكنهم لا يتجنبون الاقتراب منك أو مشابهتك. وأحياناً يخافون منك لشدة مشابهتك لهم، فيهربون من وجهك. هم ليسوا جماعة. انهم الإسلاميون الأفراد، وأصحاب أمزجة خاصة لم يَصُغْها المرشد، لطالما تزوجوا من سافرات وتولوا تنقيبهن، وبعضهم لم يقو على زوجته فتركها وشأنها وراح يتألم.

في مصر قررت الجماعة ان تحكم. هي لا تعرف ان تفعل ذلك إلا وحدها. هذا الضيق وصل الى السلطة محملاً بهواجسه من الآخرين، وناقلاً مجتمعه إلى القصر. محمد مرسي لم يُخاطب في المصري إلا الإخواني الذي في داخله، أو انه لم يُخاطب إلا الإخواني المصري. رئيس مصر ترك المصريين وتوجه الى جماعته فقط. إنهم الرئاسة والحكومة والقضاة، وكانوا باشروا الانتقال إلى الجيش والشرطة. لا تعرف الجماعة طريقاً آخر الى الحكم. المصريون الآخرون بدوا ضيوفاً، والتجار الآخرون غير شركاء، وليس مهماً ان يمتنع ممثلو الأقباط، كل الأقباط، عن التـــصويت عــــلى الدستور. هذا الفعل، أي قلة الاكتراث لغياب الأقباط، ليس سياسياً. انه جـــزء من بديهيات الجماعة، تماماً كما هو ليس سياسياً ان يتولى الرئيس مهمة المؤذن، وأن يجلس في حضرة شيوخ يُكفّرون الشيعة. وهذا جزء من السعة الإخوانية، وليس من الضيق، فهذا الأخير يتجسد في شعائر أخرى: في حقيقة ان مرسي لا يعرف ان يحكم من دون الجماعة، ولا يجيد غير لغتها. وبما انه ليس الرجل الأول فيها، فلن يكون الرجل الأول في مصر، ذاك ان مُرشده سيحاصره بأكثر من خيرت الشاطر ليتولى نقل التعليمات.

وإذا كان مجتمع «الجماعة» قيّد الرئيس بقيمه وأخلاقه، مضافاً إليها الضيم الذي لحق بالإخوان جراء سقوطهم المبكر في فخ السلطة، فإن الخروج على «الجماعة»، وهو شرط لا تستقيم سلطة من دونه في مصر، إلا إذا كانت سلطة بعث أو ولي فقيه، هو تماماً ما عجز عنه محمد مرسي طوال سنة من حكمه… ذلك أن جماعته أرادته مؤذن المسجد، فيما الإمام الحقيقي يقيم خارج القصر.

 

السابق
ماكين يدعو إلى تعليق المساعدات العسكرية الأميركية الى مصر
التالي
توقيف جنودا لبنانيين ضربوا موقوفاً من جماعة الأسيرفي عبرا