هل يتّعظ المتآمرون؟

مرّة أخرى يعبّر اللبنانيون بسوادهم الأعظم عن احتضانهم للجيش اللبناني القوّة الوطنية الضامنة للسلم الأهلي التي تحمي لبنان من جرائم التكفير الإرهابي وعصابات التطرّف المموّلة من الخارج والمحميّة من الداخل من قبل تيار سياسي معروف أراد بحشده ورعايته لها طيلة العامين الماضيين تكوين حالة قادرة على إثارة الفتنة في الداخل إضافة إلى المشاركة المباشرة والميدانية في العدوان على سورية.
ظاهرة أحمد الأسير التي قضى عليها الجيش اللبناني في عبرا ليست سوى رأس جبل الجليد الذي يضمّ خليطاً من الإرهاب من جنسيات متعدّدة كما تبيّن من جثث قتلى عصابته والمعلومات التي توافرت للمؤسسة العسكرية في هذا الخصوص.
أوكل المخطّطون إلى «الأسير» مهمة الاستفزاز لإثارة الفتن وقطع الطرقات وخلق مظاهر مسلّحة لاستدراج الاشتباك مع قوى المقاومة بأي ثمن بهدف إشعال الفتنة الكبرى وطيلة العامين الماضيين جرت محاولات مركّبة لإحداث الفتنة بتحرّكات بادر إليها تيار «المستقبل» في بيروت وعلى طريق الساحل الجنوبي وكانت جريمة خطف الزوّار اللبنانيين في «أعزاز» الذروة الخطيرة جداً في مخطط الفتنة وأمكن تجاوز كل ذلك بقرار ضبط الشارع ومنع الفلتان وردود الفعل اتخذتها قيادتا حركة أمل وحزب الله وجعلت منها ثقافة شعبية فوّتت الفرصة على كل الاستفزازات والجرائم التي ارتكبت ضد مواطنين عاديين وذلك بالتعاون مع الجيش اللبناني الذي تحرّك في كل مرة لاحتواء التوترات وضبط الموقف.
كان واضحاً وحسب مصادر أمنية لبنانية من جريمة «عبرا» بحق جنود وضباط من الجيش اللبناني أن هناك خطة كبيرة وجهنميّة لطرد الجيش وشلّ حركته واستُكملت بنداءات الخروج من المؤسّسة العسكرية التي سارع مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى صدّها بمسؤولية عالية وبموقف وطني شجاع.
إن قرار العماد جان قهوجي في الرد السريع والحاسم على جريمة الاغتيال الموصوفة يستمد مشروعيته وغطاءه الدستوري والوطني والسياسي من مبدأ حق الدفاع عن حياة الجنود والضباط وعن أمن المواطنين وحماية السلم الأهلي وبعد صبرٍ طويل مارسته قيادة الجيش اللبناني إثر الجرائم المتمادية التي استهدفت ضباطه وجنوده في عمليات قتل مدبرة كما حصل في طرابلس وعرسال كانت المبادرة الجريئة والقوية التي اتخذها العماد قهوجي والتي كانت مفاجئة إذ أحبطت خطة إشعال الحرب الأهلية في لبنان انطلاقاً من صيدا وعلى من يزعم أن مثل هذا الكلام ينطوي على مبالغة أن يسأل عن السيناريو الذي كان سيحصل لولا مبادرة قائد الجيش وبدعم مطلق من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بأخذ القرار خصوصاً أن شبكات الإرهاب والتخريب تحرّكت في الوقت نفسه في مناطق عدة دفعة واحدة. ولو لم يتحرّك الجيش اللبناني لكنّا أمام اجتياح تنفذه الجماعات التكفيرية وتيار سياسي لبناني ومسلحو ما يسمى بـ«الجيش الحر» وجبهة النصرة للعديد من المناطق اللبنانية يرافقه استنزاف وتنكيل بقوى الجيش ومحاولة مبرمجة لفرط المؤسسة العسكرية وخلق حالات تمرّد مذهبيّة في صفوفها بفتاوى مشايخ التكفير.
وترى مصادر سياسية لبنانية أن الضربة التي سُدّدت إلى رأس الأفعى في عبرا أنتجت توازناً جديداً لافتة إلى أن محاولة قيادة «المستقبل» التكيّف مع النتائج لا تعفيها من مسؤولية ما حصل ولا يبدو أنها حتى الآن قد استوعبت الدرس فجميع التصريحات والمواقف التي صدرت خلال المعارك وبعدها ما تزال تنطلق من تبرير وتغطية وجود عصابات التكفير عبر الزعم إنها ردّ فعلي محلي بينما الحقيقة هي أن هذه الجماعات مموّلة من مشيخة قطر ومحمية في حضن تيار «المستقبل».
الجيش اللبناني ينطلق بعد إنجازه في عبرا لمواجهة القضية الوطنية الأهم والمتمثلة بحماية السلم الأهلي من موقع القوة والاحتضان الشعبي الكبير الذي أحاط بالجيش وشهدائه في كل لبنان وبتعاطف واسع معه في المناطق التي لا تزال مخطوفة في يد عصابات التكفير وحماتها فالخطة المرسومة في الخارج ضُرِبت ولكنها لم تنكسر بعد والمحاولات قد تتكرّر مرة أخرى في أكثر من مكان وهو ما يعني أن المسؤوليات السياسية الملقاة على الجميع هي تحصين الجيش اللبناني ورفع الغطاء عن كل من تطاول عليه وخصوصاً بعد نواب «المستقبل» الذين تكفلوا بإنتاج الخطاب الذي استعاره «الأسير» في مهاجمة الجيش اللبناني وهذا هو المحك الفعلي لمعرفة ما إذا كانت قيادة تيار «المستقبل» قد فهمت الدرس من الجولة الأخيرة والتي ما تزال خفايا كثيرة تحيط بها وبدور القوى المحلية والإقليمية.
توازن القوى في لبنان مؤهّل للتخلّص من عصابات التكفير ورفع الغطاء السياسي عنها هو المؤشر على وجود إرادة حقيقية لاستيعاب الدروس أما التصميم على تبرير الإرهاب والتكفير والاحتماء خلف الشعارات والطروحات المستهلكة فعني أن على اللبنانيين شعباً وجيشاً الانتباه إلى مخاطر التحضير لجولة جديدة من الإجرام في مواقع جديدة ـ قديمة يتحرّك فيها الإرهابيون.
لقد آن الأوان لتفكيك منصّات التآمر التي زرعتها التيارات السياسية المحلية متوهمة إمكانية تحقيق وعود جيفري فيلتمان وبعض أجهزة الاستخبارات الغربية بقرب سقوط الدولة السورية فكما انقلب التوازن على الأرض السورية بدأت مؤشرات انقلاب التوازن في لبنان والجيشان اللبناني والسوري يواجهان العدو نفسه كما واجها العدو الصهيوني بالشراكة مع المقاومة. وعلى هذه القاعدة يمكن إنقاذ لبنان من الجحيم الذي يديره الحلف الأميركي ـ «الإسرائيلي» التكفيري.
إن كل محاولات القول إن الطائفة السنية الكريمة مستهدفة هي كناية عن أكاذيب واختراعات تحريضية ينتهجها المخططون ومن يستفتي الشارع السني في لبنان من الناس العاديين من غير المرتزقة يخلص إلى حقيقة قائمة وهي أنهم مع الدولة والجيش اللبناني بكل حزم وهم كغيرهم من اللبنانيين لا يريدون حرباً أهلية جديدة في لبنان؟؟

السابق
أيّ تشكيلة وزارية لن تولد إن أصرّ البعض على استبعاد حزب الله
التالي
تكريم أنيسة نجّار لبلوغها المئة برعاية سليمان