فضل الله: الفتن تطل برأسها نتيجة تداعيات ما يحصل في المحيط

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا أن نهتدي بسيرة أئمة أهل البيت، الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم كي لا نضل أبدا.ومن هذا البيت الطاهر، الإمام موسى بن جعفر الكاظم، الذي تمر علينا ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر رجب، بعد معاناة شديدة قضاها في سجون هارون الرشيد. ومن سيرة هذا الإمام الصابر، أن رجلا تحدث عنه بالسوء أمام جمع من الناس، وكان ممن لا يؤمنون بإمامته، فأبلغه بعض أصحابه بالأمر، وطلبوا منه الإذن لقتله، فلم يجبهم الإمام، ولكنه سألهم عن مكان تواجده، فقيل له إنه في مزرعته، فقال لهم الإمام: لنذهب إليه.طبعا، اعتقد أصحاب الإمام أنه استجاب لرغبتهم بقتله، لذا جهزوا أنفسهم للقتال، ولما وصل الإمام إلى مزرعة الرجل، دخل إليه، ووقف أمامه قائلا: لقد بلغني أنك قلت في ما قلت، فإن كان ما قلته ليس في، فإني أدعو الله أن يغفر لك، ثم دخل الإمام معه في حوار حول كل الأخبار التي كان يسمعها عن الإمام وأهل بيته، فلم يخرج الإمام من عنده إلا وهذا الرجل يقول: "الله أعلم حيث يجعل رسالته". وبعدما خرج الإمام من مزرعة الرجل، التفت إلى أصحابه، قائلا لهم: أيما كان خيرا: ما أردتم من قتله، أو ما أردت من أصلاح أمره".

اضاف: "أيها الأحبة، هذا هو الخط الذي رسمه أهل البيت، الخط الذي يسعى إلى الانفتاح على الآخر ومد جسور الحوار معه.كان الإمام في هذه القصة قادرا على أن يأمر أصحابه بقتل من أساء إليه أو سبه أو شتمه، ولكنه كان يرى أن هذا الأسلوب ليس أسلوب الرساليين، بل هو أسلوب الانفعاليين، فأسلوب الرساليين هو أن يقتل انحراف الآخر وحقده والسوء الذي في قلبه".

وتابع : "أيها الأحبة، نحن بحاجة إلى أن نعمق هذه الروح في واقعنا، حتى نستطيع أن نمنع الفتن التي يراد لها أن تكون عنوان المرحلة وكل المراحل، والتي يراد منها أن تصادر كل إنجازاتنا والمستقبل الذي نتطلع إليه، ليقهقه الاستكبار العالمي والعدو الصهيوني، على حساب وحدتنا وقوتنا، حيث لا يزال المشهد العربي والإسلامي على حاله من الانقسام الحاد ونزيف الدم، في ظل تصاعد الخطاب المذهبي والطائفي والتوتيري وبروز المنطق الإقصائي والإلغائي.وهذا ما نراه ماثلا في العراق، حيث يستمر مسلسل التفجيرات الوحشية التي حصدت خلال هذا الشهر مئات الضحايا والجرحى، والذي يستفيد من الانقسام السياسي الحاد، ما بات يستدعي عملا جادا للقاء كل القوى السياسية من أجل معالجة كل القضايا المطروحة بروح مسؤولة، حتى لا يجد المصطادون في الماء العكر أرضا خصبة لهم. وفي هذا المجال، نقدر أهمية خطوة إقامة صلاة جمعة موحدة في بغداد بين السنة والشيعة، وهي على رمزيتها، فإنها تساهم في التخفيف من الاحتقان المذهبي الذي يراد للعراق أن يغرق فيه.ونحن هنا ندعو إلى استمرار هذه الخطوة وتعميمها، لتشمل كل محافظات العراق الذي لم نعهده إلا وحدويا حريصا على التخلص من كل العابثين به من الداخل والخارج".

وقال فضل الله "اما سوريا، فقد دخلت قضيتها في صراع المحاور الدولية والإقليمية، وبدأت تبتعد عن كونها مطالب شعب يريد تحقيق حقه في الحرية والعيش الكريم ـ وهي مطالب دعونا وما زلنا ندعو إلى تحقيقها ـ لتدخل في دائرة الاستنزاف الذي يبعدها عن دورها الريادي الذي رسمته لنفسها في مواجهة العدو الصهيوني، وتحقيق التوازن الاستراتيجي معه.ومن هنا، فإننا نقف مع كل دعوات الحوار التي تحقق لسوريا الاستقرار ولا تجعلها رهينة المحاور الدولية التي لم تعمل ولن تعمل لخدمة السوريين، بل تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، وعلى رأسها مصالح الكيان الصهيوني.ولذلك، فإننا نعيد الدعوة مجددا إلى كل مكونات الشعب السوري للاستفادة من أي فرصة حوارية، حقنا للدماء النازفة، وإخراجا لسوريا من آلامها ومعاناتها، فلا يبقى الرهان كما هو حاصل لدى البعض، على دعم من هنا وآخر من هناك، حيث لم يصل الدعم إلا ضمن حسابات، وبالطبع لن يكون الشعب السوري وطموحاته على رأس أولوياتها.وفي هذا الجو، ووسط كل نزيف الدم المتنقل من منطقة إلى أخرى في سوريا، يتابع العدو الصهيوني تدريباته وتحضيراته ومناوراته، ليكون في قمة الجهوزية، انتظارا لمرحلة يعد لها بعد أن يثخن الجميع بالجراح، ليتابع مشاريعه الاستيطانية واستهدافه المستمر للمسجد الأقصى، وتدنيسه للمسجد الأقصى من خلال مستوطنيه ومجنداته، وسط صمت عربي وإسلامي، حيث لم يعد أحد يستجيب لكل استغاثات المضطهدين والمقهورين في فلسطين المحتلة، أو يهب للدفاع عن مقدسات، بينما تستحضر الهمم في الصراعات المذهبية والفتن السياسية، حتى بتنا نسمع نعيا لهذه القضية، لا من حكام العرب والمسلمين فحسب، بل حتى ممن ينتسبون إلى الشعوب العربية والإسلامية ويرفعون رايات الدفاع عنها".

اضاف "نصل إلى لبنان، هذا البلد الذي ينعم نوابه بجائزة ترضية من خلال التمديد للمجلس لمدة كافية لإبقائهم في مواقعهم، بعدما كان بعضهم يخشى من أن يطاله التغيير أو التبديل، وذلك بعد العجز عن إيجاد قانون انتخابي عصري، مما قد ينظر إليه البعض نظرة إيجابية، لكون الظروف غير مهيأة لحصول الانتخابات، ولكن الإشكال هو حصول هذا التمديد بعد هذا العجز عن إيجاد قانون انتخابي جديد، والعودة إلى قانون الستين، وهو الأمر الذي يوضع في خانة الفشل بالنسبة إلى النواب.ونحن نرى أن الذي لم يستطع إنجاز قانون عصري انطلاقا من حسابات خارجية أو حسابات طائفية ومذهبية وذاتية، قد لا يكون بمقدوره أن يقوم بالأعباء الكبرى التي تنتظر هذا البلد، والتي تحتاج إلى تجاوز مصالح الخارج والحسابات الخاصة في الداخل، ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة، حيث بدأت الفتن تطل برأسها نتيجة تداعيات ما يحصل في المحيط، والذي برز في ما حصل في طرابلس والهرمل وعكار، وما حصل في الضاحية والتهديدات التي توجه إليها، والتي وصلت شظاياها باستهداف الجيش اللبناني لكل ما يمثل من دور أساسي لحماية أمن هذا البلد".

وتابع: "ومن هنا، فنحن في الوقت الذي ندعو اللبنانيين إلى الوعي وتلمس المخاطر المحدقة بهم، نشدد على القيادات اللبنانية أن تعمل للتلاقي وتدارس كل القضايا المطروحة والملحة التي تقي هذا البلد المزيد من الجراحات، حيث تكفيه مشاكله الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إلى حد لا تطاق.ومن هنا، فإننا مع الطرح الأخير الذي طرحه رئيس المجلس النيابي والمتمثل بالدعوة إلى لقاء إسلامي – إسلامي، كمقدمة للقاء وطني جامع، لتدارس كل القضايا التي باتت تمثل مشكلة كبرى في ظل التطورات الحاصلة التي نخشى من تداعياتها".

ودعا "البنانيين إلى وعي خطورة المرحلة وتداعياتها، حتى نحافظ على بلد هو أمانة بين أيدينا، وعلينا أن نؤدي الأمانة إلى أهلها".

وختم فضل الله بالقول: "لا بد من أن نعيد التذكير بقضية المخطوفين في أعزاز كما المطرانين ، ونقدر كل الجهود التي تبذل لإعادتهم إلى أهلهم ومواقعهم، سائلين المولى أن يحقق ذلك في أسرع وقت".
  

السابق
عون: بعض المسيحيين وافق على التمديد للمجلس لحسابات إنتخابية
التالي
أبي رميا: الداخلية اعلنت جهوزها لاجراء الانتخابات ولبنان ضحية المصالح