محامي بليغ في قضية خاسرة

.

في المجمل لم يخرج السيد عن نطاق خطاباته السجالية السابقه,كما انه لم يضف الى مادأب على تكراره من مسوغات وتبريرات لمواقف الحزب وانخراطه في  الازمة السورية أي جديد,الا ان ذلك لا يعفينا من القول ان ثمة رسائل داخلية وخارجية قد مررت من خلال الخطاب.

اولى تلك الرسائل تعكس هاجس المعركة القادمة مع اسرائيلوالخشية من استغلال اسرائيل لحدث الطائرة المكتومة القيد كمبرر لشن ذالك العدوان في هذه الفترة الحرجة والمفصلية للحزب,من هنا ليس من الغرابة ان يستفيض السيد في سرد مبررات النفي معاودا التأكيد على بيان النفي الاول الذي صدر عن الحزب,حتى تبادر الىذهني بان ذلك العامل كان احد الاسباب الرئيسية لتقديم موعد الخطاب,والذي كان محددا له في الاصل بان يلقى في  الخامس من الشهر القادم.غير ان مالايغيب على بال السيد انه في صراع مفتوح مع اسرائيل,وما يجري اليوم وفق 1701 ماهو الا وقف الاعمالالعدائية وليس وقفا دائما لاطلاق النار,كما ان اسرائيل لن يغير من قرارها شيئا اذا ما ارادت تغيير قواعد اللعبة واستثمار الحادث كتبرير لشن عدوانها,وهو ما يفرض بالتالي البحث الجدي في وسائل جادة ترفع هاذا الكابوس عن الجنوب واهله.

اما الرسالة الثانية فكانت مخصصة بالاساس الى جمهوره,وتاليا الىالخصوم,وهدفت باسلوب ذكي الى توهين كل ما اثير ويثار حول مبررات تدخل الحزب في القضية السورية,وما تناقلته وسائل الاعلاممن خسائر كبيره مني بها الحزب في ريف القصير.هنا يصح القولان السيد استطاع ايصال مايريد لجمهوره ليس لقوة الحجج والبراهين التي قدمها,وانما لان هذا الجمهور مهيأ بالاساس حسب الصورة الرمزية للسيد بان يتقبل كل ما يتفوه به ,فما بالك اذا كان السياق العاطفي والمذهبي هو احد ركائز ودعائم هذا الخطاب الذي اعتمده سماحته.

اما بالنسبة للخصوم اوممن هم خارج دائرة التعاطف مع الحزب,فقد اعترى خطاب السيد ثغرات بنيوية لم تسعفه بلاغته في تمريرها,ومناهم تلك الثغرات:

ركز السيد في خطابه عن المعارضه على التيارات المتطرفه,كما بالغ في توهين المعارضه السياسيه,مع الاستمرار في تجاهلالحاضنه الشعبية التي ترتكز عليها تلك التيارات وتدعي تمثيلها,بل انه بالغ في تخوين المعارضه السورية مسقطا عنها وطنيتها من خلال التركيز على انها تيارات مسلوبة الارادةومرتهنه للاجنبي الذي يحركها كيفما شاء,والذي يمنع عليها الحوار الذي يدعوا اليه سماحته,وفي ذلك مغالطة كبرى رمى عبرها السيد ان يريح نفسه من الاجابة الصريحة عن الاسبابالحقيقية التي تدفع المعارضة لرفض التفاوض مع النظام والتي تتلخص في استحالة اعطاء الفرصة لاعادة تأهيل النظام بعد الحد الذي وصل اليه من الاجرام,وهو ما افقده الشرعية الشعبية والاقليمية والدولية,بل اعتقاد المعارضه ومن ورائها قطاعات واسعة من الشعب السوري باستحالة ان تنمو أي عملية سياسية في ظل هذا النظام واجهزته الامنيه.

كرر سماحة السيد ان لابديل عن الحوار كحل في سوريا وجزم بان هذا ما كان يكرره من بداية الازمة وحتى الآن,وفي سبيل تمرير هذا الطرح الذي كان منذ بداية الازمة وحتى الآن ينطلق من اعادة تاهيل النظام من خلال اصلاح تجميلي تحت رعايةراس النظام,ويساعد على اعادة انتاج النظام بشخوصةومرتكزاته من جديد,حرص السيد على الانطلاق من كونهينتمي الى خط في مقابله خط آخر اعتمد على خيار اسقاطالنظام,لكنه فشل حتى الآن في تحقيق اهدافه.بالطبع لايخلوذلك المنطق من ازدواجية في المعايير وثغرات بنيوية كبرى في بنيانه,فليس الخط الآخر فقط من راهن على الحسم العسكري للازمه,فسياسة النظام وحلفائة من بداية الازمة وحتى الآن ارتكزت في الاساس على نظرية الحسم,ولا اظن بانه يخفى على السيد ومحازبيه التصريحات السياسية والاعلامية في الترويج لقرار الحسم والتوقيتات العديدة التي اعطيت له,وهنا ليس فقط الوزراء والامراء من الطرف الآخر الذي حدد مواعيد للحسم وفشل فيها,فالسيد وهذا التيار المسمى بالممانعة لطالمااطنب في تحديد مواعيد الحسم والانتصار التي لم يصدق منها واحدا,كما انه من المثير للسخرية هنا الاستشهاد بعدم تحقيق هدف السقوط خلال العامين الماضيين والتغافل عن الوقائع الميدانيه والسياسية التي تقول بلسان طلق لالبس فيه بان المعارضه وحلفائها رغم الاثمان الكبيرة التي دفعت استطاعت ان تحقق مكاسب كبرى,فعلى صعيد الارض لا اظنانه تخفى على سماحة السيد اين كانت تتمركز المعارضة واينهي الآن,اما على الصعد السياسيه فقد استطاعت المعارضة وحلفائها ان تنزع الشرعية السياسية عن النظام على الصعيدين الاقليمي والدولي,ويكفي انها اليوم تشغل مقعد بلادها في الجامعة العربية,كما انه لايمكن باي حال منالاحوال قياس المواقف الدولية الآن على ماقبل اشهرمعدودة,واخيرا في هذه النقطة بالذات, إذا كانت المعارضة لم تستطع ان تحسم المعركة اليوم او لن تستطيع حسمها كما جزم سماحته وهي  لم ترفع الراية البيضاء لحد الآن, فإن النظامباقرار الحلفاء قبل الاعداء هو ايضا عاجزا عن الحسم وهي نقطة في صالح المعارضة وتدخل في رصيدها.

في اثناء مناقشة سماحة السيد لمبررات تواجده العسكري,اعادسماحته طرح ذات المبررات السابقه,والمرتكزه بالاساس على نقطتين رئيسيتين,اولاهما وجود جماعات لبنانيه مهدده بالاعتداء عليها,وثانيهما الحرص على صيانة المقامات المقدسة من الاعتداء عليها من قبل جماعات التكفير السياسي بما يؤديالى فتنة طائفية.     وبالرغم من ان السيد من خلال بلاغتةوقدرته الخطابية قدبذل جهدا مميزا لاظهار متانة حجته,الا انه لم يوفق في تمريرها بالشكل الذي يريد,فإذاكانت الوحدةالاسلامية والخوف من الفتنة لها هذا المقدار من العناية والاهتمام في فكر السيد وعقيدته الدينية والسياسية, فلماذا لم نرى لها موقعا حين اتخد السيد قراره بالوقوف الى جانب النظام وهو يعلم مدى تاثير تجاوزاته على الوجدان الشعبي العربي والاسلامي بالنظر الى ما يقوم به من تجاوزات هزت الضمير الانساني؟ولماذا لم يصدر لسماحته أي موقف لتجرءالنظام على تهديم اكثر من سبعمائة دار عبادة بين مسجد وكنيسة وبعضها له من العمر التاريخي اكثر من الف سنة,بلان بعضها مقامات لانبياء كما في المسجد الاموي بحلب,فهل مقامات الآخرين ودور عبادتهم ليست لها أي قيمة واحتراموالاعتداء عليها بالهدم والتفجير لايثير فتنة؟ام انهم يفتقرونالى الغيرة والحمية الدينية التي يتميز بها سماحة السيد وحزبه,والحال ان بعض تلك المساجد هدمت على رؤووسالمصلين؟وإذا كان سماحة السيد يصر وهو محق في ذلك بان مقام السيده زينب عليها السلام يخص جميع المسلمين,فهل يساعد قيام جهات ذات انتماءآت دينية من لون واحد على حفظ مقام يقع في وسط بحر سكاني مخالف؟اليس الاولى لحفظ المقام إبعاده عن التصنيفات الطائفيه من مقام يخص فئة اقليةهي تتولى حمايته الى مقام يخص الجميع وهو يقع تحت حماية الجميع ورعايتهم,ومع هذا الاصطفاف الطائفي الموجود اليومالآ يعني وجود عناصر اجنبيه وسط بلد لاينتمون لتابعيته السياسية في بلد يشهد انقساما اجتماعيا بابعاد طائفية بحجة حماية المقام تأليبا واستثارة لمتطرفي الطرف الآخر للتعرض للمقام للنكاية السياسية او باستثارة الحمية الوطنية لتحرير التراب الوطني؟وذات المنحى من التساؤل يرد على مسألة اللبنانيين في ريف القصير,فكيف يحق لحزب اجنبي التدخل لحماية مواطنين من جنسيته يسكنون على تراب اجنبي؟وما آثار ذلك التدخل على مستقبل التعايش داخل تلك المناطق باحتمال تغير النظام الحالي ,وهو خيار ضمن دائرة التوقعوالامكان على الرغم من كون سماحة السيد يستبعده؟واذا كان السيد حريصا على الوحدة والتعايش الاسلامي الم يكنبالامكان تامين سلامة هؤلاء بطرق اقل كلفة من التدخل الذي يستفز العرب والمسلمين الذين سيصنفونها تبعا للاجواء القائمة حاليا ضمن ذلك السياق؟فإذا كان لبنان مثلا يعج الآن بما يعادل المليون من الطوائف الاخرى فهل سيضيق ببضعة آلآفمن مواطنيه الشيعه؟ان مثل تلك الثغرات وغيرها تضعف مصداقية المبررات التي اوردها سماحة السيد,وتجعل منها عبارة عن مجرد تسويغ لعملية التدخل لاغير,والحال ان السيدافصح بشكل لا لبس فية عن الدوافع السياسية للتدخل في ثنايا خطابه بصورة مباشرة وغير مباشرة.

حرص سماحة السيد على تصوير الوضع في سوريا على انه صراع على موقع سوريا ودورها,متجاهلا أي دور لشعبها في تحديد خياراتها,فبلادهم عبارة عن جائزة ترضية للمحور المنتصر,وهو من سيملي على ابناء شعبها خياراتهم السياسية,وفي ذلك ظلم فاضح وتعديا على حقوق شعب له وحده تحديد خياراته السياسية,فسوريا ليست ارضا بلا شعب حتى تكون لهذا الطرف او ذك,وإذا كان سماحة السيد قد لجأالى تخوين المعارضه عبر تصويرها كدمية تتحكم بها الدولالاخرى,فهذا لاينقص باي حال من الاحوال من حقوقها السياسية كطرف سوري له الحق المطلق في طرح خياراته السياسية,وهو في موقفه هذا يتقدم على أي جهة اجنبية مهما كانت حظوتها ومكانتها,وإذاكانت بعض الدول العربية والاجنبيةتدعم خيارات تلك المعارضه تحت مسوغات لها جنبتها الانسانيةبغض النظر عن مطامحها السياسية,فإن موقفها يظل اكثرمقبولية وشرعية ممن يقفون مع نظام ضد ارادة شعبه,بل ويمدونه بكل عناصر القوة التي تجعل منهم شركاء في ما يفعله النظام من فظائع.

أما الرسالة الثالثة التي وجهها سماحة السيد فهي رسالة عامة مفادها

إن لسوريا اصدقاء لن يسمحوا بسقوطها,ولا يخفى مافي ذلك من تلميح الى تدخل مباشر من قبل حلفاء النظام لانقاده,وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول المدى الذي سيذهب اليه في الانخرطعسكريا في متاهات الواقع السوري المرير,بل اين يريد سماحته انيجر الشيعة؟فمهما قيل من دعم خارجي اثبتت الايام محدوديته للمعارضة السورية,ومهما قيل بان ثمة دول لها اجندتها الخاصةلاسقاط النظام,فهذا لايمكن بتاتا ان ينفي ان هناك جمهورا عريضا منخرطا في الثورة السورية,كما ان وجود بضعة آلآف من المتطرفين ممن قدمو من الخارج لايمكن ان ينفي حقيقة ان الاكثرية من الجسم المعارض هم من السورين,وامام الاجرام المنقطع النظيرللنظام والذي لم يوفر حجرا ولابشرا,يصح التساؤل عن مدى قدرة حزب الله والشيعة على تحمل تبعات ذلك الانخراط واثره على العلاقاتالاسلامية السنية الشيعية بشكل عام,وعلى خصوص شيعة لبنان مع بيئتهم الاقليمية وبيئتهم الداخلية الحاضنة.كما يصح التساؤل عن مدى واقعية الحزب في تقييمه لقدراته العسكرية لناحية التأثير في مسار الازمة السورية التي يكرر كل الاطراف في لبنان انها اكبر من الجميع.

قد يكون مفهوما تعلية سقف الخطاب لايصال رسائل ما تستجلباقرارا من قبل اطراف اقليمية ودولية بدور ايراني في الحل السياسي الذي يعمل عليه للازمة السورية,لكن من غير المفهوم البتهالسير في طريق واحد دون حساب لخط الرجعة اومفاجئات المسار,ا ن ادرة الازمة بطريقة الانصاف الآلهة التي تتصرف وكان مقاليدالامر بيدها والحال انها لا تمتلك كل خيوط اللعبة,بل ليست اللاعبالاكبر فيها,له عواقبه الوخيمة,ليس اقله تحمل وزر وتبعات اجرامالنظام,وهو امر لاطاقة للطائفة الشيعية في لبنان بتحمله,بل تنوء بحمل تبعاته عموم الطائفة الشيعية.

اتمنى على سماحة السيد اعادة تقويم موقفه,ودراسة خياراته بشكل عقلائي وواقعي,فما يجري حاليا سيلقي بتبعاته على العلاقات السنية الشيعية لعقود قادمة,وان يضع في الحسبان المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية بمفاجئاتها,وان يعي حقيقة الوقائع وموازين القوى التي افرزتها المتغيرات الدولية والاقليمية,وفي مقدمها انه ذهب ذلك الزمان الذي تفرض فيه الانظمة والحكومات قهرا رغمارادة شعوبها,وانه مهما كانت قدرات الطواغيت والانظمة العسكرية متعاظمة ,فان الشعوب المستضعفة قادرة على الانتصار وانتزاع حقوقها,وليس الشعب السوري ببدعة منها,وذاكرت التاريخ والشعوب لا ترحم.

 

 

 

 

 

 

السابق
البير منصور: الإتفاق على قانون الإنتخابات يسهّل تشكيل الحكومة
التالي
يتحدثون عن سوريا وعينهم على ايران