ما الرسالة من وراء تعيين جريصاتي؟

إذا كان البارز "سوريّاً" قيام أوّل تحالف دولي-إقليمي-عربي ضدّ النظام السوري، فإنّ البارز "لبنانيّا" الوتيرة المتسارعة في إعادة قطار الحكومة إلى "السكّة" من استقالة شربل نحّاس إلى تعيين سليم جريصاتي وصولاً إلى معاودة الحكومة اجتماعاتها، هذه الحكومة التي أعلن أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله صراحة وجوب المحافظة عليها وعودتها إلى تحمّل مسؤوليّاتها، وقال: "نحن لا نخفي أنّنا نبذل كلّ جهد ونقدّم تنازلات لمصلحة بقاء الحكومة".

ولكنّ السؤال الذي ارتسم على كلّ "شفة ولسان" أمس: ما الرسالة من وراء تعيين جريصاتي؟ وهل كان ثمّة فعلاً أسماء أخرى مطروحة، أم أنّ الأزمة الحكوميّة كانت مفتعلة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة بالذات، أي إحراج نحّاس لإخراجه، ومن ثمّ تعيين جريصاتي؟ وهل لهذا التعيين وظيفة محدّدة على غرار التعيين السابق الذي نفّذ المهمّة المطلوبة منه بأمانة، أي التصدّي للسياسات الاقتصادية التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومحاولة تشويه سمعة أصحاب هذا النهج، في الوقت الذي كان يفضّل فيه "حزب الله" أن ينأى بنفسه عن هذه المواجهة تجنّباً لأيّ "اشتباك سنّي-شيعي"؟

وفي سياق التساؤلات نفسها: هل انتقال الحزب إلى مرحلة جديدة من المواجهة يتّصل بطبيعة المرحلة التي سيكون عنوانها المحكمة الدوليّة التي ستباشر المحاكمات الغيابية، وحاجة هذا الحزب إلى وجود "رمز" معادٍ لهذه المحكمة في "قلب" الحكومة من أجل التصدّي "رسميّا" للمحكمة؟ وإذا كانت هذه نوايا الحزب من أجل هندسة مواجهته وترييح قواعده، فأين تكمن مصلحة الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي بتطعيم الحكومة بشخص يتباهى بعلاقته مع النظام السوري والحزب وعدائيته للمحكمة؟ وهل سياسة "النأي" تكون في الإتيان بشخص يكنّ العداء المطلق "للعدالة"؟ وألا يُعتبر هذا التعيين تحدّياً للمحكمة وإعلاناً واضحا وصريحا برفض الالتزام بقراراتها؟

أمّا وبعد: لماذا لم يمارس كلّ من رئيسي الجمهورية والحكومة صلاحياته في رفض هذه التسمية والطلب من عون اقتراح بديل عنه، أم أنّ "طلبات" "حزب الله" لا ترَدّ، والدفاع عن الصلاحيات هو جزء لا يتجزّأ من بروباغندا هدفها تقوية البعض داخل بيئاتهم؟ وهل اللحظة السياسية التي شكّلت فيها هذه الحكومة ما زالت نفسها ليُصار إلى استفزاز مشاعر اللبنانيّين، أم أنّه كان الأولى بسليمان وميقاتي ممارسة صلاحياتهما للإتيان بشخصيّة تجسّد "ادّعاءات" النأي بلبنان؟ وهل هذا التعيين مضافاً إليه إصرار السيّد نصرالله على الحكومة يخفي في طيّاته مواجهة تستعدّ الأكثرية المصطنعة على خوض غمارها ضدّ العدالة والسيادة ودور لبنان؟ وهل يتوقّع سليمان وميقاتي وأيضا جنبلاط أنّ بإمكانهم التساكن مع الدور الجديد الذي رسمه نصرالله للحكومة؟ وهل تعتقد ما يسمّى بالقوى الوسطية التي عجزت عن "التعاون" مع نحّاس أنّ بإمكانها "التعاون" مع جريصاتي؟

وفي الخلاصة: لماذا لا يستقيل رئيس الحكومة تمهيداً لخلط الأوراق وإعادة تشكيل حكومة تشبه لبنان واللبنانيّين وتكون مهمّتها العبور إلى المرحلة الجديدة تحت عنوان "خلاص لبنان"؟ وهل هذا التمايز الشكليّ مع الحزب ما زال يقنع أحداً، أم أنّ التطوّرات أثبتت مجدّداً أنّ هذه الحكومة هي حكومة "حزب الله"؟ وما الأسباب التي تملي على النائب جنبلاط البقاء في الحكومة ما دام خياره الاستراتيجي يتناقض مع "الخطيئة الأصلية" التي كانت وراء قيام هذه الحكومة، أي إعادة سورنة لبنان؟ ولماذا لا يقطع الحزب مع جنبلاط بعد مواقفه الأخيرة الداعية إلى رحيل الرئيس السوري، واستطراداً هل يخشى من خروج رئيس الاشتراكي من الأكثرية الجديدة، الأمر الذي يفقده السيطرة على مفاصل البلد؟

لقد دخل لبنان مع دخول سوريا مرحلة التدويل الفعليّ وانتقال الدول الغربية والإقليمية والعربية من المواقف اللفظيّة إلى الخطوات العمليّة، مرحلة جديدة تختلف عمّا سبقها، وهذه المرحلة لا تُختصر بتعيين جريصاتي، إنّما بالتمسّك بالحكومة وجعلها أداة مواجهة للحزب. وفي هذا السياق ماذا سيكون ردّ فعل 14 آذار؟ وكيف تستعدّ للمواجهة؟ وهل هذه المواجهة تكون في الاستعاضة عن النزول إلى الشارع في الذكرى السابعة لانتفاضة الاستقلال بتنظيم مؤتمر في البريستول؟ وهل هذا القرار هو "ملك" الهيئة الإدارية لقوى 14 آذار، أم "ملك" الرأي العام الاستقلالي؟ وهل مسموح في اللحظة التي تنتفض فيها الشعوب العربية أن تنكفئ فيها 14 آذار وتكون عكس التيّار ومعادية للرياح الجارية في المنطقة؟ وهل شعب 14 آذار خذل قيادته منذ العام 2005 إلى اليوم بتلبية النداء على رغم الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها هذه القيادة أو البعض منها؟ هل يُعقل عدم النزول إلى "الساحة" في زمن الربيع العربي وتحديداً السوري؟

لا يجوز أن تبقى 14 آذار على موقفها الانتظاريّ، فيما كان ينتظر رأيها العام أن تكون الذكرى السابعة مناسبة لإسقاط الحكومة الميقاتيّة وعزل السلاح غير الشرعيّ وإعادة التأكيد على دور انتفاضة الاستقلال في الربيعين اللبناني والعربي؟

أمّا العنوان الأبرز لمؤتمر أصدقاء سوريا فليس بنتائجه وبيانه الختامي، إنّما في انسحاب وفد السعودية في رسالة إلى كلّ من يهمّه الأمر أنّ المملكة اتّخذت قرارها، بمعزل عن الموقف الدولي، بدعم المعارضة السورية بشكل مباشر وكامل، ولعلّ أفضل تعبير عن ذلك قول وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل "إنّ تسليح المعارضة السوريّة فكرة ممتازة".  

السابق
ماجدة الرومي: سأقاضي من ينتحل اسمي!
التالي
مَن الرابح ومَن الخاسر من الأزمة الحكومية؟