ميرزا مطلوب في غرب أفريقيا!

المدعي العام سعيد ميرزا مدعى عليه ومطلوب للتوقيف. أحد المتهمين سابقاً بجرائم احتيال ونصب وتزوير في لبنان، «يستصدر» مذكرة توقيف من دول في غرب أفريقيا بحق القاضي ميرزا، في خلطة تضم حاكم مصرف لبنان ودبلوماسيين ومصرفيين

المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا مطلوب للتوقيف. وإذا رآه أحدكم، فليراقبه، وليبلغ عنه إحدى دول غرب أفريقيا. لا تحاولوا توقيفه. فالقاضي اللبناني رجل «خطير». والخطورة ليست حكراً على ميرزا. فحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يرأس «مجموعة إجرامية»، تضم عاملين في القطاع المصرفي. هذا ليس اتهاماً سياسياً أو كيدياً، ولا وجّهه اللواء جميل السيد على خلفيّة ملف شهود الزور الشهير، بل مذكرة توقيف صادرة عن مجموعة من الدول في غرب أفريقيا، على خلفية ادعاء تقدم به «الأمير عادل الهاشمي» ضد ميرزا. تقول المذكرة المنشورة على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إن «سمو الأمير» كان قد أودع في مصرف «بيروت الرياض» مبلغ 104 ملايين دولار أميركي. وبعد عملية الدمج التي أجريت بإشراف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لمصرفَي بنك بيروت ـــــ الرياض وبنك بيروت، «استغل» سلامة «صلاحياته»، «بالتواطؤ» مع سليم جورج صفير (المدير العام لبنك بيروت) من أجل توظيف هذا المبلغ «من دون نيل موافقة سموّ الأمير». وبناءً على رسالة يدّعي «سموّه» أنها صادرة عن «رئيس قسم الخزينة في مصرف لبنان، ريكاردو سكاف»، اتهم الأمير عادل الهاشمي حاكم مصرف لبنان بالتزوير والاختلاس وتبييض الأموال. وذهب الهاشمي أبعد من ذلك، ليتهم في إحدى دول غرب أفريقيا النائب العام لدى محكمة التمييز اللبنانية سعيد ميرزا، بمنعه من ملاحقة سلامة. أمام هذه «الوقائع»، صدرت مذكرة التوقيف بحق ميرزا في حزيران الماضي. وتتهم المذكرة ميرزا بأنه «زوّر» وثيقة ادّعى أنها صادرة عن السلطات القضائية في كوناكري، يُطلب فيها توقيف الأمير الذي يحظى «بالحماية الدولية والحصانة الدبلوماسية»، بإثبات وثائق صادرة عن السلطات البريطانية! كذلك ورد في مذكرة التوقيف أن ميرزا احتجز الأمير في لبنان كرهينة بين السابع من حزيران 2005 والعاشر من تشرين الأول من العام ذاته، وعلى هذا الأساس، وجهت المذكرة التهم التالية لميرزا:

التزوير، احتجاز الحرية، الاعتداء على شخص يحظى بحماية دولية، التآمر وتأليف مجموعة جرمية منظمة لبنانية للاعتداء على حياة «سمو الأمير عادل الهاشمي»، تزوير وثيقة وادّعاء أنها صادرة عن السلطات الأردنية، والمشاركة مع المدير العام لوزارة العدل عمر الناطور والسفيرة اللبنانية في نيجيريا إيمان يونس والسفير اللبناني جورج حبيب صيام في تزوير مستندات. واللافت أن بعض المستندات الملحقة بمذكرة التوقيف صادرة عن السلطات اللبنانية، وخاصة عن وزارة الخارجية، وإحداها موقعة من أمينها العام السابق بالوكالة وليم حبيب!
ما تقدم من خلطة عجيبة، يبدو للوهلة الأولى أمراً فبركه شخص ما ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت. ومع بعض التدقيق الإضافي، يظهر أن الشخص الذي يسمّي نفسه «الأمير عادل الهاشمي» كان فعلاً موقوفاً في لبنان عام 2005، بعدما وردت بحقه شكوى من مصرف لبنان إلى النيابة العامة التمييزية. وللرجل مشكلات مالية عديدة في لبنان. فهو، بحسب مصادر أمنية وقضائية، مدّعى عليه في قضية بنك المدينة، بجرم تزوير شهادة إيداع بمبلغ 13 مليار دولار. أضف إلى ذلك أنه لوحق في لبنان بتهمة انتحال صفة قاض دولي وتزوير مستندات لاستخدامها بهدف انتحال الصفة.

وبداية تموز 2005، أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت مذكرة توقيف وجاهية بحقه بجرم التزوير واستعمال المزور والاحتيال. وورد في حيثيات الأوراق التي استند إليها القاضي حينذاك أن الهاشمي يحمل الجنسية البريطانية وهو من أصل عراقي، ويدّعي انتسابه إلى الأسرة العراقية المالكة التي كانت تحكم العراق سابقاً، كما يدّعي لنفسه صفة مدّعٍ عام دولي، وكذلك يحمل جواز سفر أفريقياً. وبحسب المعلومات المتداولة عنه في ذلك الحين، «ضُبِط عنده جهاز كمبيوتر، استعمله في طباعة أوراق وضع عليها مصادقات وزارية، كما ضبطت لديه مذكرات توقيف دولية اعترف بأنه طبعها وأصدرها شخصياً تتناول شخصيات رسمية دولية وإقليمية ومحلية، وهو حاول التدخل في شؤون قضائية لبنانية». كذلك تبيّن أنه «مطلوب بموجب مذكرات توقيف وبلاغات بحث وتحرٍّ، من دول أفريقية ومن المملكة الأردنية الهاشمية».

هل القصة كلها مفبركة؟ القاضي سعيد ميرزا يضحك حين يُسأل عن المذكرة الصادرة بحقه. يقول إنه لن يزور دول غرب أفريقيا، ولا ينفي أن مذكرة التوقيف قد صدرت فعلاً، مشيراً إلى أن الجهة التي أصدرتها اتخذت لنفسها شعاراً شبيهاً بشعار الأنتربول. يذكّر النائب العام التمييزي بأن السلطات اللبنانية «عملت منيح» مع الهاشمي عام 2005 وأفرجت عنه بسبب وضعه الصحي. ويقول مسوؤل قضائي لبناني إن مذكرة قضائية في تلك الدول «يمكن أن تصدر لقاء 500 دولار أميركي»، لافتاً إلى أن الدول التي تعترف بتلك المذكرة هي أربع أو خمس لا غير.

رغم عدم نفي ميرزا لصدور المذكرة (مع التندّر على مضمونها)، يبقى مستغرباً جداً أن تكون المذكرة حقيقية. فصحيح أن في لبنان تجاوزات في النظامين القضائي والمصرفي، إلا أن الوقائع الواردة في متن المذكرة المزعومة أوهن من أن يُصدّقها عاقل. ففضلاً عن عدم منطقيّتها، يبقى الهاشمي مصنَّفاً لدى الدوائر الأمنية في لبنان كـ«مجنون ونصّاب ومحتال». 

السابق
المجلس الوطني السوري
التالي
خريس: لا اسلوب ينفع مع اسرائيل سوى المقاومة