الإنماء والإعمار يسهو عن 300 مليون $

منذ أن باشرت لجنة المال والموازنة النيابية، بحضور ديوان المحاسبة، الاستماع إلى وزارة المالية بشأن الحسابات المالية النهائية الممسوكة من قبل هذه الوزارة، تكشفت وقائع وحقائق عن واقع هذه الحسابات وأبرزت مستندات تدلّ على التسيب المتمادي في مسك حسابات الدولة وعلى الاستهتار بإدارة المال العام.

فمن نقص في رصيد سلفات الخزينة لغاية آخر عام 2005 بحوالى 5,2 ألف مليار ليرة لبنانية، إلى عدم تسجيل هبات في الخزينة بأكثر من 143 مليار ليرة لبنانية عام 2005، وبأكثر من 56 مليار ليرة لبنانية عام 2001. ومن فقدان 451 حوالة دفع عام 2001، إلى تجاوز في الإنفاق العام عن الاعتمادات المرصدة منذ مطلع العام 1993، بدا جلياً أن محاسبة وزارة المالية تشوبها شوائب لا تستقيم أي إدارة مالية إلا بوجود حلول نهائية لها. وبعدما كشفت «السفير» عن تقريرين متناقضين أصدرهما مكتب التدقيق الدولي «ديلويت أند توش» عن حسابات مجلس الإنماء والاعمار الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأول 2003، فإذا بنا أمام واقع أشد إيلاماً يؤكد أنه، بغض النظر عما إذا كان في الأمر مخالفة أو تسيب، فلا بد للحكومة الجديدة أن تقف موقفاً حاسماً أمام الهدر الذي يطال المال العام.

وفيما يلي تتابع «السفير» الإضاءة على التناقضات الواردة في هذين التقريرين، التي يؤكد المجلس أنها ناتجة عن اختلاف طريقة الحساب المتبعة. وسنتناول بالبحث موضوع القروض التي أناطت بمجلس الإنماء والإعمار صلاحية التفاوض بشأنها وإدارتها وإنفاقها ومسك حساباتها وتسديدها أقساطاً وفوائد وعمولات، حيث يتبين من خلال التعديلات التي أجرتها شركة التدقيق الدولية وجود أخطاء في أرصدة القروض في بند الموجودات الوارد في ميزانية العام 2003 تعديلات بمليارات الدولارات.
أولاًَ: بحسب الجدول رقم واحد يتبين أن قيمة التعديلات على القروض التحويلية قد بلغت، بعد التدقيق، حوالى 114 مليار ليرة لبنانية، فيما يتبين بأن نتيجة التعديلات التي تظهر في الجدول رقم 2 أن هناك أخطاء بقيمة 254.234.787.000 ليرة لبنانية في أرصدة القروض الخارجية الممولة للقروض التحويلية.

إضافة إلى القروض الخارجية الممولة للقروض التحويلية (الجدول رقم 3)، فإن التمويل تم أيضاً عبر قروض معقودة من قبل وزارة المالية للقطاع الخاص، وتمثل ثلاثة قروض متوسطة الأجل منحت لشركة طيران الشرق الأوسط خلال عام 1983 بمبلغ 225 مليون ليرة. كما يضاف إليها قروض ممولة من ملحوظات الموازنة العامة التي تمثل تسديدات على قروض تحويلية عائدة للقطاع الخاص، تم تمويلها من موازنة المجلس.

وفيما يتعلق بـمستحقات القروض الخارجية، يمثل هذا البند الأرصدة العائدة للقروض الخارجية والممولة لمشاريع يقوم المجلس بتنفيذها. حيث جرى قيد السحوبات على هذه القروض كمبالغ متوجبة على الحكومة اللبنانية على اعتبار أن هذه القروض ستسدد من قبل الحكومة. وتتوزع مستحقات القروض الخارجية في ما بين المقرضين كما هو مبين في الجدول رقم 2.

أما القروض الأخرى فتتكون من: قروض الإسكان والتعاونيات الممولة من ملحوظات الموازنة العامة 257,692,000 ليرة، قروض وزارة الأشغال العامة والنقل.
ثانياً: فيما يتعلق برصيد القروض في بند المطلوبات من ميزانية مجلس الإنماء والاعمار الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأول 2003، فيبلغ عدد هذه القروض 177 قرضاً من 27 مصدر تمويل داخلي وخارجي وبمختلف العملات. قد بلغت قيمة الارصدة غير المسحوبة من القروض المعقودة 2.178 مليار ليرة، أي ما يعادل حوالى 1,445 مليون دولار أميركي، فيما التعديلات التي أجراها مكتب التدقيق الدولي «ديلويت أند توش» على هذه القروض قد بلغت 67.149.230,000 ليرة لبنانية.
ثالثاً: جاء في تقرير مكتب التدقيق الدولي عن قروض مجلس الإنماء والاعمار ما يلي:

1- في ما يتعلق بأرصدة القروض الخارجية:
«لا يقوم المجلس باعتماد إجراءات محاسبية وافية لجهة مسك ومتابعة الحسابات الإفرادية للقروض التحويلية الناشئة بمعظمها من قروض خارجية وتقتصر الإجراءات المعتمدة في المجلس باعتماد نظام خاص منفصل عن المحاسبة العمومية لجهة متابعة القروض الدائنة الخارجية المقابلة الممولة لهذه القروض التحويلية، مما يؤدي إلى ضعف في إجراءات الضبط الداخلي لجهة مسك المحاسبة النظامية لهذه الفئة من الحسابات.
إن التعديلات على حسابات القروض التحويلية والتي نتجت من خلال تدقيقنا تمثل إعادة تكوين الحركة على القروض التحويلية والتي لم يقم المجلس بقيدها وهي تتلخص كالتالي (آلاف الليرات):
سحوبات على القروض الخارجية خلال عام 2003 7.398.074
تسديدات أقساط قروض (اصل) خلال عام 2003 من قبل الدولة اللبنانية (170.402.168)
فروقات صرف 49.065.064
مجموع الأرصدة (113,939,030)
لقد راجعنا حركة القروض التحويلية وطابقنا أرصدتها بنهاية عام 2003 مع القروض الدائنة. وتجدر الاشارة إلى أن:
القروض الخارجية الممولة للقروض التحويلية العائدة للقطاع الخاص هي غير معززة بصيغة اتفاق بين المجلس والقطاع الخاص لتسديد مستحقات هذه القروض البالغة 12.071 مليون ليرة كما في 31/12/2003، وبالتالي لم نتمكن من التحقق من مدى قابلية تحصيل هذه الأرصدة».
2- في ما يتعلق بالقروض الممولة بواسطة قروض معقودة من قبل وزارة المالية:
«إن قروض القطاع الخاص الممولة من سلفات خزينة من وزارة المالية تمثل ثلاثة قروض متوسطة الأجل منحت لشركة طيران الشرق الأوسط ش.م.ل خلال عام 1983 بمبلغ 225 مليون ليرة. إن أصل الدين استحق ولم يسدد، بالإضافة إلى فوائد مستحقة وغير مقبوضة غير مستدرك لها في البيانات المالية لمجلس الإنماء والاعمار».
3- في ما يتعلق بالقروض الممولة من ملحوظات الموازنة العامة:
«إن القروض الممولة من ملحوظات الموازنة العامة تمثل تسديدات على قروض تحويلية عائدة للقطاع الخاص تمّ تمويلها من موازنة المجلس وذلك في السنوات السابقة. لقد تم تكوين مؤونة بكامل أرصدة هذه القروض، كما يلي:
المستفيد آلاف الليرات اللبنانية
جامعة القديس يوسف ومستشفى أوتيل ديو 1,763,049
المستشفى الإسلامي 521,091
مستشفى البربير 510,384
مستشفى المقاصد 644,969
المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية 510,379
المجموع 3,949,872
4- بالنسبة لبند الدولة اللبنانية – مستحقات قروض خارجية:
«يمثل هذا البند الأرصدة العائدة للقروض الخارجية والممولة لمشاريع يقوم المجلس بتنفيذها. لقد جرى قيد السحوبات على هذه القروض كمبالغ متوجبة على الحكومة اللبنانية على اعتبار أن هذه القروض ستسدد من قبل الحكومة اللبنانية.
إن مستحقات القروض الخارجية بجهتيها في الموجودات والمطلوبات هي مسجلة بذات العملات الأجنبية وبالتالي فقد أجريت المقاصة فيما بين فروقات القطع السلبية والإيجابية الناتجة عن إعادة تقييم القروض الدائنة والمدينة المعينة».
5- في ما يتعلق بالقروض الأخرى – قروض الإسكان والتعاونيات
«إن القروض الممنوحة لوزارة الإسكان والتعاونيات وقروض الإسكان التي تتم إدارتها من قبل مصرف الإسكان مموّلة في الأساس من ملحوظات الموازنة العامة.
لقد أظهرت مراجعتنا لهذه الأرصدة العالقة منذ سنوات بأن الوزارة لم تلتزم بالمتطلبات لجهة تقديم التقارير للمجلس كما أن المجلس لم يحصل منذ سنوات على تسديدات الأصل والفائدة المقبوضة من المقترضين.
بناءً على ما جاء أعلاه، إننا لا نستطيع إبداء الرأي حول القروض المذكورة أعلاه».
6- في ما يتعلق بالقروض الأخرى – قروض وزارة الأشغال العامة والنقل:
«لم نتمكن من التأكد من قابلية تحصيل هذه الأرصدة على وزارة الأشغال والتي بقيت دون تسديد في الفترة اللاحقة».
7- بالنسبة لسلفات الخزينة:
«تتوجب على معظم هذه السلفات فوائد بمعدلات تتراوح بين 5 و11 بالمئة ويستحق تسديدها خلال فترة سنة على أبعد حد. تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم الاستدراك في البيانات المالية المرفقة للفوائد المستحقة على هذه السلفات على اعتبار أن الفوائد المتوجبة سيتم تغطيتها من قبل الدولة اللبنانية التي تقع عليها مسؤولية تمويلها.
إن معظم أرصدة سلفات الخزينة المبينة أعلاه قد استحق تسديدها كما في 31/12/2003، غير أن إدارة المجلس تعتقد بأن تسديد سلفات الخزينة المستعملة من قبل المجلس لتمويل المشاريع التي تم إنجازها مرتبط بالحصول على مصادر من ملحوظات الموازنة العامة».
8- في ما يتعلق بالقروض من مصادر تمويل خارجية ومصارف:
«لقد راجعنا حركة جميع القروض بكامل تفاصيلها ونتج عن مراجعتنا هذه تعديلات هامة مبينة أدناه تمت الموافقة عليها من قبل الإدارة المالية في المجلس، تجدر الإشارة إلى أن المجلس لا يعتمد إجراءات محاسبية وافية لمتابعة وضعية حسابات القروض لجهة إجراء القيود المحاسبية للسحوبات والتسديدات والفوائد المرتبطة بها، وتقتصر إجراءات المحاسبة المتبعة على نظام خاص منفصل لا تتم مطابقته مع المحاسبة المركزية للمجلس مما يؤدي إلى ضعف في إجراءات الضبط الداخلي لجهة تحديث المحاسبة النظامية للمجلس بالنسبة لحركة القروض لجهة السحوبات والتسديدات والفوائد المرتبطة بها ولا سيما عند حصولها من خلال سحوبات تتم لصالح قروض تحويلية وتسديدات تتم مباشرة من خزينة وزارة المالية لحساب المجلس وقد تم إجراء التصحيحات على أرصدة المحاسبة العامة من خلال التعديلات التي ظهرت لنا من خلال إجراءات التدقيق».

يتبين بعد هذا العرض أن:
1- مكتب التدقيق الدولي «ديلويت أند توش» أجرى التعديلات التالية:
– على القروض التحويلية، تخفيض مبلغ 113,909,030,000 ليرة لبنانية،
– على القروض الخارجية، إضافة مبلغ 254.234.787.000 ليرة لبنانية،
– على القروض من مصادر التمويل الخارجية والمصارف، مبلغ 67.149.230,000 ليرة لبنانية،
وقد وافقت الإدارة المالية في مجلس الإنماء والإعمار على هذه التعديلات.
2- أورد المكتب المذكور في تقريره المفصل عن حسابات القروض الخارجية في مجلس الإنماء والاعمار الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأول 2003 ما يلي حرفياً:
«يمثل هذا البند الأرصدة العائدة للقروض الخارجية والممولة لمشاريع يقوم المجلس بتنفيذها. لقد جرى قيد السحوبات على هذه القروض كمبالغ متوجبة على الحكومة اللبنانية على اعتبار أن هذه القروض ستسدد من قبل الحكومة اللبنانية».
فهل وزارة المالية على علم بما يقيد على حسابها؟ وهل هي موافقة على هذه القيود؟ وهل تأكدت من صحة احتساب ما يقيد على حسابها؟
3- هناك قروض منحت لشركة طيران الشرق الأوسط خلال عام 1983، وقد استحقت أصلاً وفوائد لم يجرٍ احتسابها. وبالرغم من كون شروط عقد القرض تعطي مجلس الإنماء والإعمار حق تحويل الدين إلى أسهم في الشركة، فإن المجلس لم يتخذ أي تدبير بشأن هذه القروض.
فهل وزارة المالية، صاحبة الحق الأساسي بهذه القروض بسبب كونها مموّل المجلس لتسليف شركة طيران الشرق الأوسط، على علم بهذه الوقائع؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها للمحافظة على المال العام؟
4- هناك سلفات خزينة بلغت أرصدتها بتاريخ 31 كانون الأول 2003 حوالى 180 مليار ليرة لبنانية دون الفوائد المتوجبة بنسبة تتراوح ما بين الـ 5% والـ 11%.
فهل وزارة المالية على علم بوضع هذه السلفات؟ وماذا فعلت، ولا سيما محتسب المالية المركزي، لتحصيل هذه السلفات؟
5- لقد ورد في التقرير المفصل لمكتب التدقيق الدولي «ديلويت أند توش» ما يلي:
«إن القروض المموّلة من ملحوظات الموازنة العامة تمثل تسديدات على قروض تحويلية عائدة للقطاع الخاص تم تمويلها من موازنة المجلس وذلك في السنوات السابقة. لقد تم تكوين مؤونة بكامل أرصدة هذه القروض.
فيما يلي يبدو جلياً أن مكتب التدقيق الدولي قد ارتكب خطاً كبيراً عندما كون مؤونة لأرصدة هذه القروض وكأنها ديون معدومة، إذ أخطأ المكتب، ومحاسبة مجلس الإنماء والاعمار بالتالي، عندما كوّن مؤونة في مؤسسة عامة لا تحقق أرباحاً. فإن كان بالإمكان تكوين مؤونة في المؤسسات الخاصة التي تبغي تحقيق الأرباح، فيجري اقتطاع المؤونة من أصل الأرباح قبل توزيعها، فمن أين يتم اقتطاع المؤونة في مجلس الإنماء والاعمار؟ كذلك أخطأ المكتب، ومحاسبة مجلس الإنماء والاعمار بالتالي، عندما كوّن مؤونة من دون موافقة وزارة المالية، على اعتبار أن القروض التحويلية تسجل على حساب وزارة المالية.
فهل وزارة المالية على علم بمضمون تقرير مكتب التدقيق الدولي؟ وهل هي موافقة على إجراء تكوين المؤونة؟ وهل هي عاجزة عن تحصيل أصل هذه القروض والفوائد والعمولات المدفوعة عليها؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها للمحافظة على حقوق الدولة التي اؤتمنت عليها وعلى إدارتها

السابق
دده يان غادر الى لارنكا
التالي
مدرسة العمروسية الرسمية مبنى متصدّع لـ 592 تلميذاً