هذا هو المدخل الواقعي لاستنباط خريطة طريق قابلة للإنجاز لإنتفاضة «17 تشرين»

17 تشرين

قدم الباحث الفلسطيني هشام دبسي، نقد بناء لانتفاضة 17 تشرين، عبر التأكيد على ضرورة وضع رؤية حدية حول العديد من الملفات الشائكة والمؤجلة من الملف الفلسطيني في لبنان باعتبار انه المدخل الواقعي والعملي ، من اجل تراكم منهجي يخدم التشخيص الدقيق لنظام المصلحة اللبناني. واستنباط خريطة طريق قابلة للإنجاز وتحقيق الاهداف النبيلة لإنتفاضة “17 تشرين”.

واشار الى انه شيدت إنتفاضة “17 تشرين”، جدارآ عاليآ بين غالبية الشعب ومجمّل الطبقة السياسية الحاكمة.

وكذلك فجّرت تناقضاتها. حتى أصاب نهج التعطيل ، أصحابه ، وهم القابضين على الرئاسات الثلاث.

 بعفويتها واسلوب عملها المفاجئ  واستمراريتها شكلت الانتفاضة حدثآ فاصلآ ، ومؤثرآ في مفاعلية الدائمة با لحياة السياسية ، وبهذا المعنى لم ولن تنتهي.

يعيب البعض على الانتفاضة – الحدث افتقادها للتنظيم والقيادة والأولويات.

لكن هذا ليس عيبآ ، بل حقيقة يمكن البناء عليها ، حقيقة تعكس عمق التحولات الحاصلة ، في مجتمع مستهلك للمنتجات الرقمية ، تحولات أصابت الروابط المجتمعية القديمة ، بنموذجها لعمودي و الهرمي والتراتبي لصالح روابط مجتمعية أفقية وحلقّية متفاعلة على نسيج متصل غير محدود وغير متناهي الاطراف ، فضلآ عن جغرافيا عابرة للحدود .

هكذا صارت  الاستجابة  للفكرة  والنداء،  استجابة  فردية ، مبنيّة على القناعة الحرة بديلآ للأوامر والتوجيهات القيادية العليا الهابطة على جماعة ملتزمة مسبقآ بالتنفيذ ، على مبدأ التبعية والطاعة والشكر.

لقد تجاوزت فرادة الانتفاضة صورتها الخارجية البهيّة ، وتجلّت بما أبدعته لغة الجسد اللبناني، الثقافية والفنية والسياسية .

ويكفي اليوم في ظل الأزمة السائدة  إستعراض حجم وطبيعة المبادرات الفردية والمشتركة ، الحاملة لأهداف الانتفاضة ، حتى تدلنا هذه المبادرات على قوة أثرها المباشر والمتحقق ،وليس البعيد فقط ، ويكفي ذلك ايضا لمغادرة الأفكار العدمّية ومشاعر اليأس والاحباط الناتج عن ضغط هائل وغير مسبوق على الناس ، بفعل فجور السلطة المهيمنة وشراستها ضد كل جديد

قضايا مؤجلة مع بداية الانتفاضة ، سادت الشعارات والأهدف التي فرضها الحدث. لكن سرعان ما اشتعلت النقاشات حول كل شيئ. ومنها القضايا المؤجلة مثل مسألة الدولة والسلاح ، والصراع العربي الاسرائيلي وقضايا اللاجئين إلى لبنان من فلسطين وسوريا وغيرهم .

لم تصّمد سياسة التأجيل ، أمام قوة تأثير القضايا الدولية والاقيلمية على خيارات الشعب اللبناني في إنتفاضته للخلاص من القهر الداخلي.

في هذا السياق يمكن تسجيل ملاحظة وازنة ، تفيد بنجاح سياسة  الإنكفاء الفلسطيني الى المخيمات ، بماهي سياسة  رسمية ومعتمدة حظيّت باجماع  واستجابة وتأييد غالبية حاسمة في مجتمع اللجوء ، كما ظهرت علامات إرتياح واضحة لهذا الالتزام في الوسط  اللبناني الثائر ، وخاصة  في مناطق تداخل جغرافية المخيمات مع محيطها.

لكن هذا لا يختزل المشهد الفلسطيني المنقسم بدوره سياسيآ ، على شاكلة الانقسام اللبناني . لا سيما أن فريق “الممانعة” يوظف استثمارات  كبيرة في المسألة الفلسطينية إقليميا ولبنانيآ. ولا يكف عن استخدام اللاجئين والمخيمات با لأساليب الناعمة أحيانآ ، و الخشنة عند اللزوم. يساعده في ذلك أتباع محور الممانعة من  الفلسطينين.

على الضفة الأخرى ، لم تتقدم القوى السيادية ، بأي خطوة  نوعية ، في مقاربة الملف الفلسطيني ، عبر رؤية حداثية  متماسكة ، تتجاوز المقاربات النمطية السائدة التي تراعي المزاج الانتخابي أحيانآ ، أو تتجاهل عن قصد المصالحات التي أنجزت.

بينما المطلوب هو التأسيس على ماتم إنجازه  وتطويره في هذا المجال. حيث شهدت العلاقات الرسمية اللبنانيه – الفلسطينية  تصحيحآ مهمآ لمساراتها  في عدة مجالات.

هذه الإشكالية ، ليست وليدة لحظة “17 تشرين” ، بل تمتد الى لحظة “14 اذار” وعجز أحزابها عن إنتاج رؤية موحدة ، لمقاربة قضية اللاجئين. وإفتقاد القوى السيادية لخطاب سياسي – اعلامي إيجابي ، يحّد من نفوذ الخطاب الشعاراتي الاستثماري.

وهنا لا أنتقص من انجازات ” لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” الرسمّية. لكن يجب الإيضاح ، ان مفاعيل هذه اللجنة معطلة في أغلب الأحيان ، حيث تعتبر نتائج عملها مجرد توصيات ترفع لمجلس الوزراء ، ليس إلا. لذا، نادرآ ما تلقى توصياتها طريقآ  للتنفيذ.

قصارى القول إن مهمة إنتاج رؤية حداثية للقوى السيادية ، حول الملفات المؤجلة ، ومنها الملف الفلسطيني في لبنان ، هي مهمة في أصل وصلب المهام اللبنانية الاستراتيجية ، وذات تأثير عميق في صياغة مفهوم حديث للمصلحة الوطنية لهذا البلد ، الذي يحتاج لاستراتيجات متنوعة ومترابطة في الملفات الكبرى. وهذا الامر هو المدخل الواقعي والعملي ، من اجل تراكم منهجي يخدم التشخيص الدقيق لنظام المصلحة اللبناني. واستنباط  خريطة طريق قابلة للإنجاز وتحقيق الاهداف النبيلة لإنتفاضة “17 تشرين”.

السابق
مربع الموت و«التشليح» يهدّد أمن برج البراجنة.. الأهالي ييأسون من «حزب الله» ويناشدون الدولة!
التالي
بعد اطلاق النار على طائرتين.. «الأشغال» في «كوما» وتبرير غير منطقي: «ثقب» و«قطعة معدنية»!