غُرْبَةُ علي شريعتي… هائماً في صحراء الشريعة!

غلاف كتاب

منذ ما امتلك مدير عام “دار الأمير للثقافة والعلوم” في بيروت، الناشر الدكتور محمد حسين بزي حق الامتياز الحصري لنشر الأعمال الكاملة (الأصلية) للمفكّر الإسلاميّ الراحل الشهيد الدكتور علي شريعتي، باللغة العربية ما زالت “دار الأمير”، وعلى يديّ مديرها العام، ترفد المكتبة العربية – تباعاً – بمؤلفات علي شريعتي. وفي هذا السياق، أصدرت “دار الأمير” كتاباً جديداً لشريعتي، وهو الكتاب الذي يحمل عنوان: “هبوط في الصَّحراء (النص الكامل لآثار شريعتي الصحراوية)”.

اقرأ أيضاً: «أنا الشّعب».. هكذا تُشوّهُ «الشَّعبويّةُ» الديموقراطيّة!

تعريب الكتاب وتحقيقه

وكتاب “هبوط في الصحراء”، والذي هو سِفرٌ قيِّم، يقع بين دفّتي مجلّد أنيقٍ ضخم تربو صفحاته على أكثر من ثمانمائة وستين صفحة من القطع الكبير، (وهو في الأصل قسمان): القسم الأول تحت عنوان: “هبوط” قامت بتعريبه الأستاذة مريم ميرزادة؛ والقسم الثاني تحت عنوان “الصحراء”، قام بتعريبه الدكتور ياسر الفقيه. ولقد حقق هذا الكتاب وراجعه الدكتور محمد حسين بزي، جامعاً مضمونه تحت عنوان واحد هو: “هبوط في الصحراء”. وهذه الطبعة العربية، هي الطبعة القانونية الكاملة عن الأصل الفارسي.

شريعتي في هذا الكتاب قد لاحق بمنهجه الخاص الغايات العظمى للدِّين والمقاصد العليا للشّريعة

غُربة المُوحِّدِ

وفي هذا الكتاب، نرى علي شريعتي، هائماً على وجهه، في فلوات ذروة إيمانه بالله سبحانه وتعالى، معانقاً أثير غربته الأرضية بجناحي هبوطه العمودي العميق في صحراء توحيده الخالص.

الصّدر وشمران وابنة شريعتي

ولقد تصدَّر محتويات الكتاب: “جزء من خطاب الإمام السيد موسى الصدر (في أربعين الدكتور علي شريعتي)”؛ ونص للشهيد الدكتور مصطفى شمران، يتضمن بعضاً من “ذكرياته عن مراسم أربعين الدكتور شريعتي في لبنان”؛ ونصّ لمحقق وناشر الكتاب تحت عنوان: “قصّتي مع شريعتي وصحرائه”؛ ومقدِّمة الطبعة الفارسية الأولى؛ ومقدِّمة ناشر الطبعة الفارسية الثانية؛ ومقدِّمة مترجمة القسم الأول من الكتاب (مريم ميرزاده)؛ ويلي ذلك نصّ لابنة علي شريعتي الباحثة والكاتبة الدكتورة سوسن شريعتي، (يتضمن تعريفاً بشخصيّة والدها وقلمه ولغته)؛ ويلي هذا النصّ، نص مقدمة تحقيق الكتاب بقلم محمد حسين بزي.

إن هذا الكتاب سيؤسِّس لمدرسة جديدة في فهم الفكر الديني…

من مقدمة تحقيق الكتاب

ومما يقوله بزي في هذه المقدمة: شريعتي في هذا الكتاب قد لاحق الغايات العظمى للدين، والمقاصد العليا للشريعة، ولكن بمنهج خاص، ولم أكن أتوقعه لحينه.والآن، عندي من الحدس الفكري ما يكفي لأقول: إن هذا الكتاب “هبوط في الصحراء” بما فيه من فلسفة وعرفان وتاريخ وعلم نفس واجتماع وأديان ومذاهب وملل ونِحل وأساطير وحكايا وحكمة وأمثلة وشعر ورواية، وحتى القصة القصيرة؛ سيؤسّس لمدرسة جديدة في فهم الفكر الديني؛ سيما عند الناطقين بالضاد. مدرسة قوامها استدعاء التاريخ وشخوصه وإسقاطها على الواقع الفكري المعيش، ليس إسقاطها فقط؛ بل تقمّصهما – بعد الهبوط فيه – بكل المعنويات العالية والفلسفات الكبرى. فعندما انتهى – شريعتي – من فهم وتقمّص وهضم كل الأساطير المؤسسة لأفكار وأديان البشر منذ فجر التاريخ متبوعة بأفكار آباء الفلسفة والعرفان، إضافة إلى اليهودية والنصرانية والإسلام؛ وبنفس المستوى من الفهم والتقمّص والهضم؛ بدأ رحلته نحو السماء وحيداً وموحِّداً متخلّصاً من كل أفكار الأرض ليعود مستقراً في صحرائه التي خلت من كل شيء عدا التوحيد الخالص حيث يقول: “إني كلما مكثت في الأرض أكثر، ازداد عدم انسجامي معها. كلما ضعُف هاجس الماء والخبز والملبس والمنزل ازددت اضطراباً، عطشا، جوعاً وعريّاً وتشرّداً! كم كنت أتمنى لو أن عذاباً ما، فقراً ما، حاجة ما لديّ، تكون على الأقل هادفة ولو لعدة أيام. “كان نقيّاً من العشق والحقد قلبي.. لكن لما كان بهذا الحزن لستُ أدري؟” وكل ليلة أكثر حزناً.

علي شريعتي

كما ويستشهد بزي في هذه المقدمة بهذا القول لشريعتي: “رافقتهم من ظلمة السحر ونورها حيث انطلقت القافلة البشرية في فضاء الأساطير الضبابي، وجستُ خلال دنيا الأساطير كلها، والسحر والخرافة، حتى بلغت تخوم التاريخ، ورأيت سائر الحضارات والأديان والشعوب التاريخية وتعرّفت إليها، وعشت كل القرون مع الكلّ، وصلّيتُ في كل المعابد، وتحاورتُ في كل المدارس مع الحكماء والعلماء والأدباء والشعراء والفنانين، وحضرتُ محفل جميع الأنبياء حتى وصلت إلى الحاضر، جلتُ الشرق وجلتُ الغرب ومشيت خطوة بخطوة إلى جانب الفكر والإحساس حتى وصلت إلى الوحدة، إلى الغربة، إلى الصحراء”!

اقرأ أيضاً: قراءة في ضرورات الثورة اللبنانية وانجازاتها وآليات استدامتها

وينهي بزّي مقدِّمته هذه بالقول: وها أنا، ورغم أن “معاناتي” – بل معانقتي للأرواح العالية وسَفري الملكوتي – في تحقيق هذا الكتاب والتي تحتاج كتاباً – لا يقلّ حجماً عن هذا الكتاب – لتدوينها، لكنني طفتُ مع شريعتي كل الأديان وكل الحضارات وكل الثقافات، بل وكلّ التاريخ البشري، فضلاً عن كل الأسئلة والإجابات.. وبعد أن نفضتُ يدي وقلبي وعقلي من الأرض وأفكارها وأساطيرها وأديانها وشخوصِها عرجت معه إلى سماء التوحيد الخالص؛ ولأهبط معه إلى الصحراء الخالية من كل شيء سوى الواحد الأحد..

السابق
خطوة لافتة.. الجيش يُداهم محالاً للصيرفة في صيدا!
التالي
بسمة وهبي تهاجم أنغام: الجمهور لن يصدّقك إذا لم تطبقي كلام أغنياتك!