العنف لعبة أكبر من الطبقة الوسطى الثائرة: حذار

أراقب بقلق شديد، المنحى العنفي – ولو المحدود- الذي باتت تسلكه ثورة الطبقة الوسطى اللبنانية ونخبها الشبابية الجامعية، من رمي حجارة وتكسير زجاج واجهات المصارف. فهذه ثورة لا تزال نظيفة رغم كل ذلك. ولا يُقارَن عنفُها المدني بالعنف الفعلي الوحشي والحقير الذي يكاد لا يصدّق المتمثِّل حتى الآن بتجميد مدّخرات معظم اللبنانيين في المصارف على أمل أن لا يكون هذا الإجراءالوحشي مقدمة لسرقة نهائية لهذه المدخرات تُغطّيها الطبقة السياسية كلها التي أوصلتنا سياساتها الجشعة النهبوية إلى هذه الأزمة. وهي – لا شك – أي هذه الطبقة السياسية بكل أجنحتها (كِلُّن يعني كِلُّن )- تدعم المصارف دعماً كاملاً في الوضع الراهن بل تم اتخاذ الإجراءات بقرار السياسيين الأساسيين.
لكن العنف، حتى البسيط، لعبة خطرة يجب أن تَحْذَر منها الثورةُ لسببين جوهريين نابعَيْن من التجربة الجماعية التاريخية المعاصرة للمجتمع والدولة اللبنانيّيْن:

الأول أن اللعبة العنفيّة تتقنها القوى السياسية المسيطرة، وهي بالنتيجة لعبة في ملعبها الذي يتّسع لعنف أكثر جديةً وتعقيداً. يجب أن لا ننسى أن عنف رمي الحجارة وتكسير الزجاج هو لعبة هواة بالنسبة للميليشيات التي خاضت حروباً بالأسلحة الثقيلة منذ ربع قرن. ثم سياسياً هذا عنف يعزز قدرة أجنحة الطبقة السياسية على محاولة افتعال التحريف الطائفي للأحداث.

اقرأ أيضاً: «العين الدولية» على «التموْضع السياسي» لحكومة لبنان وإصلاحاتها!

دعونا نتذكّر محاولات التحريف الطائفي:

  • المحاولة الأولى في ساحة رياض الصلح والرينغ والمونو : شيعة ، شيعة وإحراق خيم.
  • المحاولة الثانية “رشيقة” وكلامية تمثّلت في شعار تويتري اسمه: المهم صمود الجبل الآن! أيُّ سَهْلٍ يا رفيقْ وأيُّ جَبَلٍ وأيُّ وادٍ في مجاهل المراكز المصرفية و”هضابها” الغامضة و ليرتها التجويعية المنتشرة في كل الطوائف؟
  • المحاولة الثالثة جارية الآن في السعي لتصوير ما يحدث بأنه انتهاك لبيروت. يعني بيروت السنّية. محاولة “بايخة” قياساً بما بلغته الأزمة من شمولية بل بما انطلقت منه هذه الأزمة من عوامل غير طائفية في الصميم والمظاهر.

الطبقة الوسطى اللبنانية التي استطاعت في تقاليدها المعيشية أن تجتاز الحربَ الأهليةَ وضراوتَها هي الآن معتقلة في المصارف اللبنانية. عاجزة ومقهورة ومذلولة. والذين يتقدمون صفوفَها الاحتجاجيّةَ في الشوارع هم نخبتها الجامعية الشبابية.
تستشعر هذه النخبُ صعوبةَ المأزق: فالسلم أو الأداة السلمية المدنية تبدو منذ أسابيع عاجزة عن فرض التغيير السياسي. يجري الآن اللجوء إلى هذا العنف “اللايت” في اعتقاد ربما بريء أنه عنف يخيف – يضغط على الدولة أي على طبقتِها الحاكمة بما هو كافٍ للتغيير. وهنا مكمن الوهم الذي قد يكون قاتلاً للثورة.
إذن ما العمل؟

استمرار التظاهر السلمي. ثم استمرار التظاهر السلمي. ثم استمرار التظاهر السلمي. لسنا أفضل من الأرجنتين وتشيلي (وحتى فنزويللا)وهونغ كونغ والصين ومصر على اختلاف ظروف كل من هذه البلدان، التي إما عانت أو تعاني من أزمات اقتصادية مرهقة أو تنشط فيها حركات نضال مدني..
ما يجب أن يعيه الثوار ومفكروهم وقياداتهم أن الدولة اللبنانية هي دولة ضعيفة جدا بينما القوي جدا هو النظام السياسي الذي يدير هذه الدولة الهزيلة. قوى الأمن هي أيضاً من سمات هذه الدولة الضعيفة. حتى الجيش القوي هو قوي عندما تكون الحياة السياسية مدنيةً ويصبح ضعيفاً عندما تصبح طائفية.

لذلك نرجو أن تقوم المراكز الفاعلة في الحراك المدني بمراجعة شجاعة لخيار العنف الانتفاضي ولو البسيط ولكن المقلق جداً الذي تقوم به.
أتحدث عن العنف الخاضع للضبط وليس العنف الذي يمكن أن يُفلِت من الثورة والدولة معاً ويظهر من فئات أو أفراد مفاجِئين حتى بمستوى العنف نفسه.
لتحمِ الآلهة الثورة والدولة ولبنان معاً من براثن النظام السياسي.

السابق
بالفيديو: إطلاق سراح الناشط وائل حمزة.. التهمة: المشاركة في احداث بيروت!
التالي
الإعتداء على متظاهري مجلس الجنوب يتفاعل.. 15 جريحاً ومؤتمر صحافي للناشطين وفهمي سيلاحق الفاعلين!