انقلاب مدني شعبي ينقذ مصر

ملايين المصريين ربحوا في الميادين معركة الصراع على روح مصر ودولتها ودورها التاريخي والجغرافي – السياسي. من أسقطوه ليس فقط الشرعية التي اعطوها للرئيس محمد مرسي قبل سنة بل ايضاً المشروع الخطير الذي خططت له جماعة الاخوان المسلمين على مدى ثمانين سنة. وما فعلوه لانقاذ مصر مرتين: مرة من الاستبداد الأمني ومرة من الاستبداد الفاشستي باسم الدين، هو في الوقت نفسه إنقاذ للعالم العربي. وهم اكدوا ان المجتمع اقوى من ان تسيطر علىه الجماعة التي استعجلت اخونة الدولة والمجتمع، بحيث انطبق عليها قول للرئيس صدام حسين في حوار صحافي قديم، وهو: من استعجل الصعود اختصر زمن الهبوط.

لا بل ان ثورة ٣٠ يونيو. على نظام جديد محكوم بالغيبيات وعصبيات الأهل والعشيرة والسمع والطاعة، تبدو أهم من ثورة ٢٥ يناير على نظام هرم، وان كانت استكمالاً لها. واذا كان موقف القوات المسلحة الى جانب الشعب للحؤول دون تهديد الأمن القومي لمصر عاملاً بالغ التأثير، فأن ترجمته هي حماية الانقلاب المدني والشعبي، لا الذهاب الى انقلاب عسكري كلاسيكي.

وليس اصعب على الرئيس مرسي من الاستمرار في العناد سوى تلبية مطالب الشعب. فالعناد الممزوج بالخداع جزء من مهمته كمندوب لمكتب الارشاد في الرئاسة، برغم خطورته على مصر. وتلبية مطالب الشعب خطيرة بالنسبة الى الإخوان الذين يفضّلون الحرب الأهلية على المشاركة في السلطة، فهم رفضوا المشاركة منذ البدء بعدما التزموها قبل الانتخابات الرئاسية. وهم يعرضونها اليوم من باب الخداع بعدما فات الوقت عليها، حيث صوّت الشعب بالاقدام مطالبا بالرحيل واجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

ولا مجال هذه المرة لسرقة الثورة بعدما تعلم الثوار الدرس القاسي قبل عامين. ولا مجال للخداع بعد تجربة الإخوان الفاشلة في الحكم. فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية أسوأ مما كانت عليه. ودور مصر العربي الذي كان غائباً بالترهل والارتباطات الخارجية صار مغيّباً بالقصد تحت المظلة الأميركية. وما يهمّ الإخوان ومعظم تيارات الاسلام السياسي هو مواجهة مسألة الهوية، لا معالجة قضايا الناس. لا بل ان الإخوان الذين حاولوا التمكين لأنفسهم في المجتمع والدولة وتفصيل دور مصر على قياس مصالحهم وارتباطاتهم اصطدموا بالثوابت من دون أن يتراجعوا أو يراجعوا مواقفهم.

والنتيجة هي فشل الاسلام السياسي في الدور الوطني للبلدان كما في الدور القومي لها. فهو، بالحديث عن أمة متخيلة تجاهل قوة الوطنية، وأدار ظهره للعروبة التي تصور ان انحسار موجتها نهائي، ووقف ضد الحداثة، ليعود الى صراع المذاهب ومرحلة ما دون الدولة. وليس كلامه على الديمقراطية سوى اختصار لها بصندوق الاقتراع في غياب ممارستها كنهج حياة.

السابق
الاخوان رفضوا الخريطة
التالي
بين كيري وعزام الأحمد.. أيهما أصدق