عشاء سنّي في السفارة السعودية

لن تحجب التطوّرات الأمنية في طرابلس، ولا العقبات السياسية التي تعرقل تأليف حكومة جديدة، ولا تعثر الاتفاق على قانون انتخابي جديد، ولا ما يجري من انقسام داخل دار الفتوى، ولا الأحداث الجارية في سوريا، الأضواء عن لقاء العشاء المرتقب مساء غد في منزل السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، الذي سيحضره رؤساء الحكومات السابقون، بمن فيهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة المُكلف تمّام سلام. لحظة نادرة هي تلك التي ستجمع فيها صورة واحدة خمسة أشخاص جلسوا على كرسي الرئاسة الثالثة، إذ يُرتقب أن يكون حاضراً إلى جانب ميقاتي وسلام، كلّ من الرؤساء سليم الحص وعمر كرامي وفؤاد السنيورة، فيما يتوقع أن يغيب الرئيس رشيد الصلح لأسباب صحية والرئيس سعد الحريري لوجوده خارج لبنان. اللقاء الأول من نوعه بهذا المستوى، جاء بمبادرة من العسيري الذي وجّه الدعوة إلى أعضاء «النادي»، وستناقش فيه «كل القضايا التي تعني الطائفة السنية، من الحكومة والانتخابات النيابية ودار الفتوى، إلى قضايا اقتصادية واجتماعية وغيرها»، وفق ما أوضحت لـ«الأخبار» مصادر واكبت الاتصالات التي سبقت تحديد موعد اللقاء.

واستخلصت المصادر من رمزية اللقاء قبل عقده ثلاث نقاط: الأولى حضور النفوذ السعودي في لبنان وسعي المملكة الى تعزيزه وتحصينه، والثانية ترجمة الرياض انفتاحها على القوى السياسية السنية بعدما حصرت لقرابة ثلاثة عقود نفوذها عبر آل الحريري وتيّارهم، والثالثة تجاوب أقطاب السنّة مع مبادرة العسيري انطلاقاً من حسابات خاصة بكل منهم.
لكن الخلاصة الأبرز من اللقاء المرتقب هي أن الطرفين، السعودية ورؤساء الحكومات، توصلوا إلى استنتاج أنه لم يعد ممكناً الاستمرار في السياسة السابقة التي حكمت التعامل بينهما لأسباب ودواع وخلفيات لم تعد موجودة، أو دخلت عليها تعديلات بفعل التطوّرات الكبيرة في لبنان والمنطقة، وأن لدى الطرفين حاجة ومصلحة متبادلة في الالتقاء والتعاون.
فرؤساء الحكومات وأقطاب وفاعليات الطائفة السنّية، يدركون أنه لا يمكنهم تصدّر شارعهم السياسي إذا لم يكونوا على علاقة جيدة بالرياض، نظراً إلى ما تمثله السعودية في نظر سنّة لبنان والعالم من مرجعية دينية لها اعتبارها المعنوي، ولإمكاناتها المالية الكبيرة التي من شأنها أن تدعم بها أو تحارب بواسطتها أي شخصية سياسية سنية في لبنان تتفق معها أو تخاصمها.
أما السعودية فأدركت، بعد استحقاقات كثيرة مرّ لبنان بها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، أن استمرارها في السياسة نفسها التي بدأتها مطلع التسعينيات باستبعاد أي شخصية سنية سوى الحريري وعائلته وحاشيته، لا تكسبها سوى خصومة مجانية لبقية القوى والشخصيات السنية، ووصول هذه الخصومة إلى حدّ العداء أحياناً، بسبب تباين في الرؤى والمواقف حيال قضايا داخلية والعلاقة مع المقاومة وسوريا، بعدما أثبتت الاستحقاقات اللاحقة أن هذه القوى والشخصيات تمثل وزناً في الشارع السني لا يقل عن الثلث في أضعف تقدير.
وتزامن ذلك مع تراجع في نفوذ آل الحريري وتيّارهم في لبنان نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها، وممارساتهم التي ورطتهم وورطت السعودية معهم، ما دفع الرياض إلى اتخاذ قرار بتصحيح الوضع قبل استفحاله، لكن مع إبقاء «استثمارها الرئيسي» في آل الحريري. وترجمة لهذه السياسة الجديدة، عمدت الرياض إلى نقل السفير عبد العزيز خوجة الذي أبدى معارضو آل الحريري من السنّة ملاحظات على أدائه، واستبداله بالعسيري الذي كان أول ما فعله هو زيارة طرابلس نهاية شهر تشرين الأول عام 2010، حيث قام بجولة شملت خصوم آل الحريري من السنّة، كالرئيسين كرامي وميقاتي والوزير محمد الصفدي، ما فسر يومها بأنه سعي سعودي لإبقاء شعرة معاوية مع مختلف القوى السياسية السنية، وتوزيع «بيضها» السياسي على أكثر من سلة.
لا يعني كل ذلك، برأي المصادر، أن السعودية في طريقها للاستغناء عن الخدمات السياسية لآل الحريري وتيّارهم، إذ سيبقون متمتعين بحيثية خاصة لدى الرياض، لكن تحجيم دورهم في هذه المرحلة هو بنظر السعودية مصلحة مشتركة، من أجل كسب ودّ بقية قوى الشارع السني أو عدم استعدائه، علماً بأنه ليس في مقدور آل الحريري وتيّارهم رفض أو معارضة أي توجّه من ولي نعمتهم السياسي والمالي في هذا الاتجاه.
لكن اللافت أن بين حضور العشاء، من خارج نادي رؤساء الحكومات، وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي، في استثناءٍ لفت أنظارَ الوسط السياسي وتوقف عنده المراقبون الذين طرحوا أسلئة كثيرة حوله، ورأوا فيه تعبيراً عن تقارب رسمه الوزير الشاب بهدوء في الفترة الأخيرة مع السعودية، التي زارها أكثر من مرّة علناً أو بعيداً عن الإعلام، ورسخ فيها علاقات وطيدة مع صناع القرار في المملكة، ما يجعل حضوره عشاء العسيري مؤشراً على أدوار أكبر تنتظر كرامي الابن في المرحلة المقبلة.

السابق
لبون يترشح في طرابلس!
التالي
إسرائيل تحذر: الحرب مع سوريا على ثلاث جبهات قد تندلع فجأة