متى يتحقق حلم الحريري؟


بعض المصادفات يمر فلا نكترث له، ربما لسرعته في العبور، في حين تستوقفنا مصادفات أخرى وتأخذنا بعيداً في الزمان، كما في المضمون والمكان.
فقبل أربعة أيام من الذكرى الثامنة لغياب الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، شهيداً في التفجير الإجرامي الذي فتح جهنم في قلب بيروت يوم 14 شباط 2005، صادف بداية الصوم لدى الطوائف المسيحية. وهي المناسبة التي تذكّر فيها الكنيسة المؤمنين بضرورة العمل من أجل السلام، والتواضع ونكران الذات والتضحية حتى الشهادة، على ما فعل السيد المسيح الذي سيق إلى الجلجلة وعُذّب قبل ان يصلب.
ومن أبرز الطقوس، خلال فترة الصوم التي تمتد 40 يوماً، وهي المدة التي أمضاها المسيح صائماً في كرم الزيتون في القدس قبل ان يسلّمه أحد تلاميذه إلى جلاديه، فحص الضمير، والمسامحة والمصالحة… وإلا لا خلاص في عالم جُبل الإنسان فيه من التراب وإلى التراب يعود.
وهذه الدعوة إلى فحص الضمير، تمهيداً للمسامحة فالمصالحة، ليست موجهة إلى المسيحيين فحسب، بل يقصد بها جميع المؤمنين بالإله الواحد. وبين الذين نتطلّع إليهم في فحص الضمير اليوم الرئيس سعد الحريري، في ذكرى والده، وما قام به إلى الآن وفاء لذكراه في ظل الشعار المتواضع هذه السنة والذي نشره «تيار المستقبل» على اللوحات الإعلانية وهو: «كانت الحقيقة حُلماً، وسنجعل الحلم حقيقة».
ومن حق كل منا ان يتساءل عما يكونه هذا الحلم الذي يتعهد الحريريون في هذه الذكرى العزيزة على قلوب جميع اللبنانيين، بجعله حقيقة؟ هل هو الوحدة الإسلامية؟ أم الوحدة الوطنية؟ أم هو الإعمار والازدهار والتنمية؟ أم القضاء على الفساد، ونشر الشفافية ونظافة الكف؟ أم هو تقديم نموذج يُقتدى به في الحكم الصالح والرشيد؟ أم هو إحقاق الحق، والمشاركة في الحكم، انطلاقاً من وثيقة الوفاق الوطني التي حملت بصمات رفيق الحريري في أجزاء عدة، من قانون للانتخاب يحقق التمثيل الصحيح ويضمن العدالة والمساواة بين المواطنين، ويزيل هواجس التهميش، والإبعاد، والإلغاء، وفرض المشيئة على شركاء أساسيين في الصيغة والميثاق، وخصوصاً المسيحيين منهم، إلى إلغاء الطائفية السياسية، بدءاً من أهم حلقاتها، أي الطائفية النيابية، والتدرج من ثم إلى طائفية الرئاسات، فطائفية الوزارات، فطائفية الإدارة إلخ… بحيث يجد المواطنون أنفسهم في نهاية المطاف ناخبين متساوين أمام صناديق الاقتراع متحررين من الضغوط والكوابيس الطائفية.
إنها أسئلة بسيطة يطرحها شريك في صنع 14 آذار، ورفيق درب لرفيق الحريري الذي يعد الحريريون اللبنانيين اليوم بتحويل حلمه إلى حقيقة وسط أكبر تفكك للوحدة الوطنية التي طالما حلم بها رفيق الحريري، وفي ظل انحراف مخيف عن خط رفيق الحريري في دعم المقاومة، وهو الشريك الأساسي، انطلاقاً من «تفاهم نيسان»، في منظومة «الجيش والشعب والمقاومة»، كضمان للوحدة والعيش المشترك، وحصن منيع في مواجهة العدو الإسرائيلي.
قد لا يكون لدى «الشيخ سعد»، بإزاء تفكك الوحدة الوطنية وتراجع العيش المشترك، والمأزق الذي يواجهه حيال مطالبة حلفائه المسيحيين في 14 آذار وفي «تجمع لبنان أولاً» الذي تحول إلى حركة شبه عنصرية، بإعادة المقاعد النيابية «المسلوبة» منهم والتي لا يرضون بأقل من 64 منها مختارة بإرادتهم ـ قد لا يكون لديه ما يقدمه إلى الجمهور الآذاري، سوى وقوفه بجانب المطالبين بإقرار الزواج المدني الاختياري، المشروع الذي رفضه والده على حياته، مسايرة منه للمرجعية الدينية العليا في طائفته.
وفي اعتقادنا ان ثبات الحريري الإبن على موقفه من الزواج المدني من شأنه ان يعيد الروح إلى 14 آذار، ويظهره قائداً لمسيرة الشباب نحو مستقبل مشرق.
ويروي المفكر الفرنسي ألكسي دوتوكفيل، الذي كان وزيراً للعدل في فرنسا منتصف القرن التاسع عشر، انه زار الولايات المتحدة عام 1939 بحثاً عن «سر الديموقراطية الأميركية»، في احتوائها المذاهب والثقافات والديانات والإثنيات واللغات المختلفة، في بوتقة فريدة من نوعها، فاكتشف وجود عاملين مؤثّرين إلى حد بعيد في تشكّل المجتمع الأميركي وتماسكه هما: الزواج المدني العابر للطوائف والمذاهب والجنسيات والاثنيات، الذي أمّن الانصهار والاختلاط، على كل المستويات، إضافة إلى المجالس الشعبية التي كان يتحقق فيها التمثيل الصحيح لجميع الفئات، ويحترم فيها الحق في الاختلاف، في رعاية محكمة عليا ضامنة للحقوق المدنية، ودستور من صنع الشعب.
سؤال أخير: هل سيبقى الحريري حلماً؟
ومن سيحققه؟

السابق
سيئات 8 آذار
التالي
رفيق الحريري..