أين القائد؟

قال الرئيس الأسد في خطابه: "يسمونها ثورة وهي لا علاقة لها بالثورات لا من قريب ولا من بعيد. الثورة بحاجة إلى مفكرين. الثورة تبنى على فكر. فأين هو المفكر؟ من يعرف مفكرا لهذه الثورة؟ الثورات بحاجة إلى قادة. من يعرف من هو قائد هذه الثورة"؟
طبعاً، كان يهدف من وراء هذا القول، الى الطعن في ثورية الحراك الحاصل في سوريا منذ 21 شهراً وشرعيته ونفي الطابعين الشعبي والسياسي عنه، ليخلص إلى النتيجة التي كررها مراراً في الخطاب، ومفادها ان ما حصل هو محض "إرهاب" يقف خلفه، في أفضل الأحوال، "اذلاء جواسيس"، وفي أسوأ الأحوال تكفيريون أو "مجرمون".
لم تخلُ ثورة في التاريخ من نزعات ارهابية واجرامية، لا بل تكاد صورة "الجهاديين التكفيريين" القادمين من كل أصقاع الدنيا الى قبلة الجهاد الجديدة سوريا، تطغى على كل ما عداها في الحراك الحاصل في هذا البلد. ولكن ان تقزم هذه الانتفاضة والتضحيات الكبيرة التي بذلتها هذا التقزيم، ومن ثم ان تنعت بأنها "ثورة ارهابيين وعملاء مأجورين"، فإن فيهما من التحامل الذي لا يحتمل على ثوار سوريين حقيقيين أمضوا العمر في النضال والسجون من أجل الحرية والتغيير والاصلاح.
مهلاً، لكن الأسد لم يخطئ عندما تساءل: من يعرف قائدا لهذه الثورة؟ فعلاً حتى هذه اللحظة، لم يفرز الحراك السوري الكبير قائداً على مستواه لا على الصعيد الثوري ولا السياسي ولا الفكري. ولعل هذا من حظ الأسد.
فماذا لو كان لهذه الثورة قائد شجاع على غرار أحمد شاه مسعود؟ أو زعيم كاريزمي من خامة زيناوي؟ أو مفكر استراتيجي من طراز غياب؟ هل كان لنظام دمشق أن يصمد هذا الوقت؟
لكن السؤال الأهم: لماذا لم يظهر حتى الآن مثل هذا القائد، أو على الأقل "مجلس ثوري" قادر على تعبئة فراغ القيادة وتوحيد الفصائل والثوار خلف برنامج واحد موحد وهيكلية تنظيمية؟
حتما "الائتلاف الوطني" المعلن في الدوحة لم يملأ هذا الفراغ لا بل ضاعف الخلافات وفرّق ما بين معارضة الخارج والعاملين في الميدان، فهل السبب هو القصور الذاتي ام ان في الامر إن؟ لماذا لم ينصب الدعم المادي والسياسي على جهة سياسية واحدة تمكنها من الامساك بعصب الثورة؟ هل هدف إبقاء المعارضة صاعدة ولكن مشتتة وبلا قيادة، وإبقاء التوازن مع نظام يتآكل، كي يستمر الصراع ويطول ويأكل معه أخضر سوريا ويابسها، أم أن المطلوب ضرب خصمين لدودين أحدهما بحجار الآخر: التكفيريون بعد تجميعهم في سوريا، والنظام المغرّد في الفلك الإيراني الممانع؟

السابق
عباس زغيب: الدولة التركية مدعوة الى التحرك بشكل فعال وحاسم لتحرير المخطوفين
التالي
تشبيح على الثوابت