هل تدرأ التسوية الرئاسيّة الانهيار اللبناني؟

عامان ونصف عام على الفراغ في رئاسة الجمهورية اللبنانية، الناجم عن تعطيل التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون ومعه حزب الله إجراء الانتخابات طالما أن الرئاسة لم تعقد للجنرال، خُتمت بانتخاب رئيس. انتظر الأمر هذا الزمن المديد لتحسمه تسوية سياسية، تقاطعت فيها المصالح الإقليمية والدولية، عنوانها مجيء الجنرال الى سدة الرئاسة وسعد الحريري الى رئاسة الوزراء، بما يعني توازناً لا يسمح لأي طرف بادعاء النصر على الآخر. وما قيل عن «صناعة لبنانية» للرئاسة ليس سوى مظهر من الادعاءات «المحمّلة بعقد استقلالية» كان البلد فقدها منذ أمد طويل. بعيداً من تضخيم الحدث أو عدمية الإنجاز، كيف تقرأ هذه التسوية بمنظار لبناني؟

 

يجب الاعتراف بأن ملء الفراغ الرئاسي يشكل نقطة إيجابية للبلد، قائمة بذاتها. فرئاسة الجمهورية هي مفتاح عودة المؤسسات أو الحد من شللها، وأحد العناصر الأساسية في درء الانهيار الاقتصادي والمالي الذي وصل الى شفير الهاوية، وهو ما حذرت منه القوى المالية في البلد وقبلها المؤسسات الدولية العاملة في هذا الميدان. وقد يكون هذا الموضوع من الأسباب الدافعة الى قبول قوى لبنانية بالتسوية التي تمت. لا يعني أن انتخاب رئيس هو الترياق لحل المشاكل الداخلية، لكنه شرط أساسي وضروري لعودة الحياة السياسية الى طبيعتها، بصراعاتها وتوافقاتها.

 

من الضروري بدايةً، قراءة الحدث من خلال ما يقدمه القائمون عليه أنفسهم. أي أن مدخل التقويم محكوم في البداية من الانطلاق من خطاب القسم. هناك مفاصل عدة في الخطاب لا يمكن النظر إليها إلا من قبيل المقارنة بين خطاب الجنرال عندما كان خارج الرئاسة وبين الخطاب الذي ألقاه بعد انتخابه. ثلاثة مواقف يمكن التوقف أمامها:

 

الموقف الأول، يتصل بالتزام اتفاق الطائف والسعي الى تنفيذه واستكمال ما تم تجاهله على امتداد السنوات السابقة. ليس في أدبيات الجنرال أي نظرة إيجابية الى اتفاق الطائف، بل على العكس، التزم موقفاً رافضاً للاتفاق قبل أن يوقع في المملكة العربية السعودية وبعد توقيعه. حاول منع النواب من الذهاب الى المملكة وهدّد كثراً منهم بالنفي، وأساء للبطريركية المارونية التي غطت الاتفاق، وخاض حرباً مسيحية – مسيحية لمنع تحقيقه، ومنع انتخاب رينيه معوّض… إضافة الى استخدام مقولة ثابتة في كل خطاباته عنوانها أن الطائف «سرق» صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي لمصلحة رئيس مجلس الوزراء السني، فركّب معادلة قامت على الاتفاق مع الشيعية السياسية لاستعادة هذه الصلاحيات. والأهم من ذلك كله، أن اتفاق الطائف كان السبب في العملية العسكرية على قصر بعبدا، التي أدت الى ترحيله الى فرنسا. العودة الى الاعتراف بهذا الاتفاق الذي شكل عنوان التسوية ووقف الحرب الأهلية، نقطة إيجابية وتراجع من الجنرال لمصلحة تسوية داخلية جديدة.

اقرأ ايضًا: الرئيس عون بين الاستقلال والارتهان… وماذا عن اعلان بعبدا؟

الموقف الثاني، يتعلق بجملة شعارات ومواقف سياسية التزمها الجنرال بعد توقيع اتفاق التفاهم مع حزب الله عام 2006، وعلى رأسها التزام ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». خلا الخطاب من هذه الثلاثية، بل بدا مغلّباً منطق الدولة وسيادتها على الأراضي اللبنانية كافة. بصرف النظر عما ستكون عليه الأمور في البيان الوزاري، والذي سيسعى حزب الله فيه الى إعادة تأكيد هذه الثلاثية، فإن عدم إدراجها في خطاب القسم مؤشر إيجابي.

 

الموقف الثالث، يتناول ما ورد في الخطاب حول ضرورة تحييد لبنان عن الصراعات العربية وعدم التدخل في شؤون الدول الخارجية، وهو قول يناقض ما بات لبنان عليه. فلبنان، اليوم، منغمس في حروب إقليمية عبر مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية، ومد أذرعه العسكرية الى العراق واليمن والبحرين… ما يسمح بالقول بتناقض الخطاب مع الأدبيات السياسية للجنرال، التي كانت في شبه تطابق مع خطابات حزب الله وممارساته.

 

صحيح أن الخطابات والتعهدات التي تعلن في أعقاب حدث مفصلي تبقى عرضة للالتزام أو التملص من التنفيذ لاحقاً. في هذا المجال، وعلى رغم النظرة الإيجابية الى الحدث، إلا أن أسئلة كثيرة ستكون مطروحة تبدأ من تشكيل الحكومة والتوازنات التي ستحكمها، وكيفية تنفيذ التعهدات الواردة. ومن الأسئلة الحارة، كيف سيتصرف حزب الله مع الحكومة الجديدة، هل سيسهّل أم يعرقل؟ كيف يمكن النظر الى موقف حركة أمل التي «انتفضت» ضد التسوية واعتبرتها ثنائية مسيحية – سنية موجهة ضد الطائفة الشيعية؟ وهل يؤشر هذا الموقف الى شعور بوضع حد لتفلّت الشيعية السياسية وهيمنتها على مؤسسات البلاد؟ سؤال سيظل مطروحاً حول استعادة صلاحيات الرئيس، وكيف ستسلك المسيحية السياسية في هذا المجال، وهل ستدخل البلد في صراعات تهدد بعودة حرب أهلية؟ أسئلة كثيرة برسم المستقبل الذي لن يكون بعيداً ليظهر فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

السابق
أميركي يحول رماد الموتى الى أواني
التالي
صراع المحاصصة بدأ.. وهذا جديد بورصة الأسماء الحكومية