أي خيار رئاسي سيتخذه حلفاء «حزب الله» بعد الكلام الأخير لنصرالله؟

أما وقد خرج “حزب الله” عن صمته حيال الملف الرئاسي، والذي طال اكثر من اللازم وفق البعض، فأكد على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله امس الثابت والمؤكد وهو ان رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون ما فتىء المرشح الحصري للحزب للرئاسة الاولى رغم كل التحولات والمستجدات في المشهد السياسي في الاونة الاخيرة، فانه يمكن أي راصد الاستنتاج ان ثمة ابواب مرحلة جديدة قد فتحت في هذا الملف عنوانها العريض ان فترة السماح والتأويل التي استثمرها الحلفاء والخصوم على السواء فشطحوا في حساباتهم قد آن لها ان تنطوي، وبالتالي اعيدت عجلة الامور الى النقطة الجلية التي لا لبس فيها ولا مجال للتكهن.

اقرأ أيضاً: تحديد الإسلاميين من خلال الاستجواب

لم يعد مفاجئا القول ان الحزب يعدُّ في نظر كثر انه المعني الابرز بموضوع الانتخابات الرئاسية انطلاقا من اعتبارين اثنين:
الاول معلن ومعلوم وهو انه يشكل قطب الرحى في فريقه السياسي الوازن في المعادلة السياسية، وهو فريق كان حتى قبل نحو ثلاثة اشهر متحدا، ولو شكلا، خلف مرشح حصري معلن للرئاسة، الى ان نجح الحائكون في ليل في نسج خيوط عملية خرق محكمة من خلال دفع احد اركان هذا الفريق النائب سليمان فرنجيه الى اشهار ترشيحه في وجه عون، مما افضى الى تبديد اتحاد هذا الفريق والى فرض وقائع جديدة عليه وعلى المشهد السياسي خلطت الاوراق وهدمت منظومة حسابات ومعادلات كانت حتى هاتيك اللحظة تدرج في خانة الثوابت.
الثاني: ظهر تكرارا بعد كلام السيد نصرالله ان الحزب يتعاطى مع الملف الرئاسي من منطلق انه ليس استحقاقا سياسيا عابرا يمكن مقاربته بالطرق العادية، بل هو جزء من معركة مواجهة كاملة متكاملة يندرج تحتها السعي الى تسوية سياسية تاريخية مبتدأها وخبرها “السلة المتكاملة” التي كرر السيد نصرالله ورموز الحزب الافصاح عنها وتحديد خطوطها العريضة.
ولم يعد خافيا ان الحزب قد اعد لهذه المعركة كل حساباتها وقلب احتمالاتها، لذا لم يكن مستعدا للقبول بـ”رشوة ” الاخرين له او وضعه امام امر واقع يصعب عليه رفضه، وذلك من خلال تسمية رمز من الرموز التاريخية لفريقه مرشحا للرئاسة على ان ترجأ تفاصيل باقي النقاط والبنود والملفات الى ما بعد ملء الشغور الرئاسي المستمر منذ قرابة 20 شهرا.
ففي الاوساط الداخلية للحزب يتم تداول كلام منسوب الى سيده فحواه ان لا مجال بعد الان لتكرار تجربتي “الاتفاق الرباعي” واتفاق الدوحة، فكلاهما كان له زمنه وظروفه التي اختلفت عن الظروف الراهنة، فلم يعد هناك من اسباب تجعل الحزب يندفع كما في عام 2005 الى السعي لامتصاص تداعيات حدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري المدوي، ولا الحزب مضطر الى محاولة استيعاب احداث 7 ايار عام 2008 بغية اعادة ضبط الساحة.
فضلا عن ذلك، فان المحور اياه دخل في مواجهات ممتدة منذ اكثر من خمسة اعوام حقق فيها اخيرا مكاسب واسقط رهانات، وبالتالي ليس هو في وضع المكره على قبول معادلة تفرض عليه فرضا عنوانها العريض:”منكم الرئيس ومنا رئاسة الحكومة والاكثرية في مجلس النواب”. والدوائر المعنية في الحزب لاحظت باهتمام “عقلانية” النائب وليد جنبلاط حين افصح اخيرا عن هذا الواقع، وإن على طريقته الخاصة، وعدّها دليلا على براغماتية ومرونة مهمة لاسيما بعدما اقتنع ضمنا بأن فرنجيه لم يقبل به كل فريقه ليكون مرشحه للرئاسة الاولى.

ميشال عون
واذا كان سيد الحزب قد دعا مرارا في مناسبات سابقة الى ابرام تسوية لبنانية بمنأى عن حسابات التطورات والتحولات في الاقليم المشتعل على المستويين الميداني والتفاوضي، فان من السذاجة بمكان القول ان عملية اطلاق المواقف الجلية والحاسمة في مثل هذا الموضوع الحساس لا تستند في خلفيتها الى المستجدات في الميدان المجاور حيث يسمع في البقاع الغربي دوي الدبابات السورية وهي تتقدم في عشر جبهات دفعة واحدة في حين ان واشنطن تنحاز الى الخيار الروسي في مفاوضات جنيف فتضع المعارضة السورية بين خيارين احلاهما مر: إما المشاركة من دون شروط مسبقة، واما سحب الغطاء الغربي عنها.
يضاف الى هذا العنصر الاقليمي المستجد عنصر داخلي حاسم تجسد في تعزيز اوراق العماد عون الرئاسية عندما حظي بتأييد “القوات اللبنانية” وما تمثله في الساحة المسيحية، فكان ذلك بمثابة فرض امر واقع لا يمكن تخطيه او تجاهله عبر التذرع بان ثمة قوة اخرى في هذه الساحة.
ولم يعد من قبيل التكهن ان الحزب سيتعامل مع “لقاء معراب” ببراغماتية ويعتبره تطورا يدعم وجهة نظره ويستند اليه للمضي قدما في رحلة تأييده ودعمه لمرشحه الثابت.
وحيال ذلك لا ريب ان هناك من يسأل عن طبيعة رد فعل الحلفاء على هذا الموقف الحاسم لسيد الحزب؟
مسيرة الحزب مع حلفائه تظهر انه ما اعتاد فرض رأيه على احد بل ترك لهم حرية الاختيار، ولكن بعد ان يوضح وجهته المرتكزة دوما على الابعاد الاستراتيجية على غرار ما فعله السيد نصرالله في كلمته الاخيرة اذ اعاد الاعتبار الى الاسباب الموجبة لترشيحه عون وحدد استطرادا الاولويات الثابتة لديه. ومن البديهي ان على الحلفاء اعادة النظر، وربما ان بعضهم لم يقنعه ما عرض له خصوصا انهم مضوا بعيدا في مفارقتهم لوجهة الحزب بدعم عون وتولى احيانا التشهير به ومدح ترشيح فرنجيه. ولكن الثابت ان المشهد الرئاسي بعد كلام نصرالله هو غير ما قبله ولكل ساعة ملائكتها، خصوصا ان التجارب المتكررة اثبتت ان انتخابات الرئاسة في لبنان ليست مسألة حسابات رقمية.

(النهار)

السابق
واشنطن تواصِل الضغط على «حزب الله»
التالي
عن اللجوء والعنصريّة وسوى ذلك