أي نظام يريد الحريري إسقاطه؟

ختم الرئيس سعد الحريري خطابه عن بعد في ساحة الشهداء يوم الأحد الماضي، بالدعوة الى إسقاط النظام. وتوجه الى أنصاره قائلاً: تفصلنا سنة مصيرية عن الانتخابات النيابية، وأنا متأكد انكم ستقولون بأصواتكم في صناديق الاقتراع «الشعب يريد إسقاط النظام».
هذه الدعوة أشكلت على الكثيرين الذين لم يفهموا اي نظام يريد الشعب اسقاطه في صناديق الاقتراع اللبنانية: هل هو النظام السوري الذي يخاصمه الحريري وتياره بحدة، أم إنه النظام اللبناني الذي يعتبر أحد أعمدته؟ وهل يسقط النظام السوري، أو أي نظام في العالم، بأصوات غير أصوات شعبه، إلا اذا كان الحريري يدعو الى احتلال لبنان لسوريا من أجل هذا الغرض، كما فعل الأميركيون في العراق؟

أغلب الظن ان الحريري كان يقصد النظام اللبناني، بل اكثر تحديدا كان يعني حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ربما سها عن باله ان الحكومة في لبنان ليست النظام كما هو الأمر في معظم البلدان العربية. فالنظام في لبنان، دستور وقوانين وهياكل وروحية وتركيبة وثقافة سياسية، ويجب إسقاطه اليوم قبل الغد، وبناء نظام جديد عصري يقوم على المواطنة وينبذ الطائفية. هذا النظام القائم يحرص الحريري على حمايته وصيانته والحفاظ عليه بكل جوارحه. وعليه، فإن سقوط حكومة الرئيس ميقاتي لا يسقط نظاما، وقد سقطت من قبل عشرات الحكومات في لبنان، وكان آخرها حكومة الحريري نفسه ومع ذلك لم تسقط شعرة واحدة من رأس النظام.
وليس من باب المبالغة القول ان النظام اللبناني يزداد عتواً وعيوبا، يوما بعد يوم، ذلك ان كل دعوات الاصلاح والتغيير مع كل مجلس نيابي ومع كل حكومة جديدة، تذهب هباء منثورا. ولعله من الظلم تحميل سعد الحريري وتياره وحدهما مسؤولية حماية هذا النظام. ثمة رعاة وعرابون كثر في لبنان يتقاسمون هذه المسؤولية.

وما من شك في أن الحريري يميز بين النظام والحكومة، ويعرف تمام المعرفة ان جمهوره ليس من الغباء ليصدق ان سقوط الحكومة يسقط نظاما. لكنه في الوقت نفسه، اراد ان يساير «الموضة» السائدة في هذه الايام على وهج الربيع العربي وشعاره الذائع الصيت، وهو يعي ان ربيع لبنان الحقيقي دونه عوائق جليلة، حتى لو سقطت جميع الانظمة العربية، وفي مقدمها النظام السوري. فالخطوة الاولى في رحلة الألف ميل لإسقاط النظام الطائفي في لبنان (أو بالأحرى إصلاحه) تبدأ بتطوير قوانين الانتخاب، وهذا هو التحدي الحقيقي في وجه تيار كبير كتيار «المستقبل» يفترض انه من دعاة الإصلاح والتغيير وفقا لأدبياته السياسية.

وقد بات من البديهيات في علوم الانتخابات وقوانينها ان النظام الاكثري هو نظام ظالم، وقد فارقته معظم دول العالم، المتحضرة منها والمتخلفة، وانتقلت الى النظام النسبي الذي يحفظ حقوق الجميع، اكثريات وأقليات، محادل ودراجات هوائية.
ولعل اغرب نظرية مطروحة في هذه الايام هي القائلة بأن النظام النسبي يلغي الاقليات ويعزز سطوة المحاور الخارجية، في حين ان النسبية انشئت اساسا لحماية الاقليات من سطوة الاكثريات والمحاور.
الواضح ان الخطاب السياسي سوف يزداد حدة من الآن وحتى الانتخابات النيابية التي افتتحت حملتها باكرا، ولسوف يشهد المواطنون اللبنانيون مبارزات حامية ودروسا عالية النبرة في الديموقراطية والاصلاح والتجدد، ولكن من دون جدوى، لأن التغيير في لبنان يلزمه مصلحون، بعدما أخفق الشعب اللبناني العنيد في بلوغ هذا الهدف من خلال الاختيار في الانتخابات.

في المناسبة، سيدة فرنسا الأولى الصحافية «فاليري تريرفيلر» (صديقة الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند) بالها مشغول هذه الأيام بكيفية إعالة أولادها الثلاثة، إذا لم تتقاض راتبا من عملها المستقل، في حال تفرغت لقصر الإليزيه. تقول بكل شفافية: «من غير الطبيعي أن تتحمل الدولة الفرنسية او فرنسوا (الرئيس) أعباء أولادي».
النظام اللبناني يصلح فقط بنساء من هذا المستوى، لأن وراء كل عظيم امرأة.

السابق
حزب الله يتحمَّل جنبلاط..!
التالي
تصعيد الحريري وجنبلاط في قراءة قوى 8 آذار