تصعيد الحريري وجنبلاط في قراءة قوى 8 آذار

رغم تزامن التصعيد السياسي والكلامي لرئيس "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري ولرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الآونة الاخيرة، فان دوائر القراءة والتحليل في حركة "امل" و"حزب الله" تتعامل معهما على أساس أن كلاً منهما حالة وكلاً منهما يرمي الى بلوغ مقاصد مختلفة عن الآخر، وان كان قاسمهما المشترك الحاجة الى فتح "معركة" الانتخابات النيابية مبكراً والظهور بمظهر المبادر والقابض على زمام المبادرة، ما دامت المعادلة الداخلية والاقليمية ستبقى على حالها من المراوحة والثبات الى أجل غير محدد وإن كان البعض يراه غداة موعد الانتخابات النيابية بعد سنة تقريباً.

وعليه، كانت الدوائر عينها مهتمة برصد "المهرجان" الذي نظمه التيار ومضمون الخطاب الذي القاه خلاله الرئيس الحريري، فانها لم تفاجأ اطلاقا بكلام الحريري، اذ رأت ان التصعيد فيه خصوصاً لجهة الوضع السوري، انما هو تعبير عن هاجس الخوف الذي انتاب هذا الفريق اخيراً من جراء امرين:
الاول التصعيد المبالغ فيه الذي مارسته قوى على يمين "تيار المستقبل" وفي داخل الساحة السنية تحت عنوان "نصرة الشعب السوري" مما ادخل الخشية لدى قيادات التيار من ان يصل الى وقت يفقد فيه قسماً من شارعه، لذا بدأ اولا وللمرة الاولى بمهرجان الطريق الجديدة قبل نحو اسبوع من مهرجان ساحة الشهداء.

الثاني: حاجة هذا التيار الى ملء الفراغ بعد اخفاق الرهانات على قرب سقوط نظام الرئيس بشار الاسد وخصوصاً ان مواعيد متتالية "ضربت" مدى 14 شهرا لهذا الحدث المنتظر. فنظام الاسد باقٍ وان كان وسط دوامة الازمة التي بدأ ينجح في قضمها تدريجا. وبالطبع للكلام التصعيدي الأخير لزعيم "تيار المستقبل" اهداف ومرامٍ داخلية ابرزها استمرار التصويب على "حزب الله" لابقائه في حالة الدفاع عن النفس والحيلولة دون تفكيره بأي مبادرات أو تحريك للساحة، ومن ثم استحضار رصيد من المفردات والمصطلحات والكليشيهات السياسية سبق لهذا الفريق ان استخدمها عشية انتخابات عام 2009 وما انفك يعتقد انها ما برحت صالحة للاستعمال مجدداً انطلاقاً من أنها مادة جذب لجمهور هذا الفريق ودفعه لصب اصواته له في صناديق الاقتراع التي ستنصب بعد عام.

لذا لم يكن غريباً بالنسبة الى الدوائر اياها عودة الحريري وفريقه الى "الغرف" مجدداً من خزان احداث 7 ايار ومادة السلاح، بل الغريب كان رفع شعار اعلان رفض الانتخابات في ظل وجود السلاح نفسه مع ان هذا الفريق خاض غمار الانتخابات مرتين وحقق خلالهما اكثرية مريحة.
اما بالنسبة الى تصعيد النائب جنبلاط فان الدوائر عينها تجد في طياته عودا على بدء وتكراراً صار معلوم المقاصد والأهداف، وخصوصاً ما يتصل منه بالنسبية وذمها باعتبارها مدخلاً لالغائه من المعادلة السياسية. لكن المستجد الذي وجدته هذه الدوائر في كلام جنبلاط خلال الاسبوع الماضي وتوقفت عنده في محاولة جدية لمعرفة اعماق الرسالة الجديدة التي يريد جنبلاط ايصالها الى من يعنيه الامر، فإنه يتمثل في الآتي:

– حديث زعيم المختارة عن ان تموضعه الحالي المتصف بالدقة والقائم على معادلة معروفة، قد تنتهي صلاحيته وربما لن تطول الى اكثر من موعد الانتخابات النيابية، حيث لكل حادث حديث، ولكل ساعة ملائكتها وتحالفاتها واستطراداً تموضعها السياسي. و"بلاغة" الكلام الجنبلاطي الجديد هو انه معطوف على انتقاد لتحالفاتها الحالية ظاهرها العتب على ترك الآخرين يذهبون الى نبش القبور، ولكن لها باطن آخر فحواه التلويح والتهديد بقرب التفلت من التفاهم الحالي القائم على ثابتة البقاء في الحكومة مع اطلاق حرية التصرف والقول له في كل ما يتصل بشأن الحدث السوري الى درجة الدعوة الصريحة الى اسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك بشكل شبه يومي.

ومن البديهي ان الدوائر إياها وان كانت ترى ان كلام جنبلاط حيال سوريا ينطبق عليه ما ينطبق على كلام الحريري المماثل لكونه صار حاجة للخروج من حالة الانسداد السياسي في الشأن السوري، فلا ريب ان التلويح الجنبلاطي بالتمرد على تفاهمه المعروف مع "حزب الله" والتحلل من موجباته، يعني الدوائر إياها. لذا لم يكن غريباً ان تتساءل هذه الدوائر عما إذا كان التصعيد الجنبلاطي الجديد في مضمونه هو أول استكشاف بالنار يجريه جنبلاط وهو يفتح صفحة مرحلة ما بعد زيارته الخاصة جداً الى السعودية، أم انه كالعادة استدراج عروض، وعمليات استباقية وقائية لما يمكن أن يحدث، وهل هو استطراداً وكالعادة ايضاً يقع في صلب مساحة الاثارة والتشويق التي اتقن جنبلاط لعبتها منذ أن خرج من صفوف قوى 14 آذار في أواسط صيف عام 2009؟
بالطبع ليس في جعبة اعضاء هذه الدوائر أية اجابات حاسمة وقاطعة لكل هذه التساؤلات والفرضيات لاعتبارات عدة أبرزها:

– ان الكلام الجنبلاطي ما زال في حدود المقبول والمعقول وفي إطار الرسائل التي يبعث بها أي شريك لشريكه، وبالتالي ما زال جنبلاط مداوماً في الحكومة، وان كان تحول الى موقع الشريك المضارب، لذا لا يمكن الذهاب الى أبعد من ذلك حتى اشعار آخر.
– لا ريب في ان حركة "أمل" و"حزب الله" بادرا الى طرح التساؤلات حول ابعاد الزيارة الجنبلاطية الى السعودية ونتائجها وهل هي مجرد "عشاء سري" مع أحد رموز المملكة التاريخيين أم أبعد من ذلك. وقد بقيت هذه التساؤلات حية في وجدان المعنيين حتى بعدما بادر جنبلاط نفسه الى توجيه رسالة مفادها ان الزيارة محدودة في المكان والزمان والنتائج وان الحال ما زال على حاله. ومما عزز هذه التساؤلات وابقاها متفاعلة الهجوم المفاجئ غير المباشر الذي بدأه جنبلاط ضد قائد الجيش العماد جان قهوجي.
وبالتالي كان لا بد للدوائر نفسها من ان تسأل وبإلحاح عن المرامي البعيدة لهذا الهجوم وهل له صلة ما بالدور الأكثر حزماً هذه المرة الذي تقوم به مؤسسة الجيش في موضوع ضبط الحدود مع سوريا، والذي توج بمصادرة الباخرة المحملة بكميات نوعية من الاسلحة، رجحت كل التوقعات أن تكون آتية الى لبنان في طريقها الى الداخل السوري وبالتحديد الى البؤر المشتعلة فيه.

ايضاً ثمة تساؤلات لدى هذه الدوائر عما إذا كان هذا الانتقاد الجنبلاطي لقائد الجيش ردة فعل محدودة غير مباشرة على اشادة النظام السوري المتكررة بدور الجيش اللبناني، أم انه سيكون وعلى الطريقة الجنبلاطية مطلعاً لموال طويل، سيصير لازمة في كل تصريحات جنبلاط من الآن فصاعداً!
وفي كل الاحوال، لا شك في ان الدوائر نفسها بدأت تترصد أكثر من أي وقت مضى الحراك الجنبلاطي، وتنتظر بعض الوقت لتصدر حكماً جديداً على خط السلوك الجنبلاطي ما دام زعيم المختارة مضطراً أكثر من سواه الى الحراك والتصريح وبعث الرسائل المشفرة والتي لا تحتاج الى فك الالغاز.

السابق
أي نظام يريد الحريري إسقاطه؟
التالي
780 كيلومتراً مربعاً