«السبت الأسود»!

تبقى أحداث معينة راسخة في ذاكرة الشعوب مهما كانت عملية وأدها واسعة وعميقة ومعزّزة بالنيات الحسنة والرغبات بألاّ تتكرّر. لكن لا يعني ذلك النجاح، فجأة يخرج الحدث من أعمق أعماق الذاكرة، ويثير المشاعر المليئة بالخوف والحقد والانعزال…
ليس بالضرورة أن يعود الحدث كما حصل. مرور الزمان يحتم التغيير في المكان والأسماء والأهداف. لا أحد من اللبنانيين ينسى «السبت الأسود» في مطلع الحرب الأهلية. رغم كل الفظائع التي وقعت خلال الحرب، يبقى ذلك اليوم علامة فارقة، ومقياساً لرعب كل الأحداث والجرائم التي لحقته.اليوم، كاد يعيش لبنان حدثاً من نوع وبحجم أكبر من «السبت الأسود«. «السبت الأول كان ذا طابع مسيحي مسلم. السبت الجديد بين الشيعة والسّنة. خبر الجريمة السوداء ضد الجندي عباس مدلج على يد «داعش»، فتح أبواب جهنم. الخطف على الهوية. الحواجز الطيّارة. كلها انتشرت في البقاع. أصبح كل سنّي مسؤولاً عن مقتل الجندي مدلج وأُسر باقي الجنود مع أنه بين الجنود الأسرى سنّة ومسيحيين وهم يعيشون على وقع «ساعة الرمل» التي تدق حباتها التضحية بهم على مذبح أهداف لا يعرفون عنها شيئاً، لأنهم ذهبوا للدفاع عن أهلهم وأرضهم.. وتحولوا الى ضحايا لا علاقة لهم بها.

التوقيف على الهوية، على الحواجز الطيّارة باسم دعم الجيش والقوى الأمنية، لن ينهي المشكلة. إلصاق كل ما يحدث بعرسال، يزيد المشكلة ويعمّقها. يجب أن تتوقف عملية «عرسلة« المشكلة لأن ذلك يجعل من أي «سبت أسود»، بداية لحرب مذهبية سنية شيعية، لن تنتهي حتى ولو انتهت الحرب في سوريا. «اللبننة» حالة يعرفها اللبنانيون ودفعوا ضريبتها من دمائهم وأملاكهم، كل حالة يمسها «فيروس» «اللبننة»، لا تنتهي مآسيها.

عرسال جزء من جغرافيا لبنان، و»العراسلة» جزء من المكوّن اللبناني وخصوصاً البقاعي. تحويل عرسال الى «قصير» لبنانية، لن ينقذ «حزب الله» من وحول القلمون. بالعكس ستعمق الأحقاد وتحولها الى صراع تاريخي لا ينتهي. لأنه إذا كان كل ما قام على الأساطير والخرافات لم ينتهِ رغم مرور 1400 سنة، فكيف كل ما قام وسيقوم على وقائع يرويها أهلها جيلاً بعد جيل؟. حزب الله قادر على وأد الفتنة خصوصاً في البقاع. البقاعيون عاشوا ليلة السبت الماضي «ورقصوا» مع الشيطان على وقع حواجز الخطف المذهبية. ما معنى أن يستمر مسلسل الخطف على الهوية المذهبية والأكثر سواداً على هوية موقع الولادة، وكأن المكان هو الذي يصنع المجرم والجريمة وليس الحدث وصبّ الزيت على النار!

أيضاً وهو ما ليس مفهوماً، ويؤكد أن أطرافاً عديدة تلعب لعبة مزدوجة. ما معنى أن يلجأ لبنان الى قطر للوساطة من أجل تحرير الجنود الأسرى، ويكون الوسيط كما يقول ويؤكد الكثيرون ضابط أمن سورياً. كيف تكون قطر مع المجموعات الإسلامية المسلحة ومنها «النصرة« وربما «داعش» وفي الوقت نفسه تتعامل وتتعاون مع النظام الأسدي السوري؟ ماذا يضمن أن لا يلعب ضابط الأمن السوري سواء كان عاملاً أو معاراً، لعبة مزدوجة فيفاوض لإطلاق سراح الجنود الأسرى، وفي الوقت نفسه يحرض الخاطفين على ارتكاب جريمة ذبح الجندي مدلج؟ من مصلحة النظام الأسدي تفجير معركة عرسال وتعميق المواجهة المذهبية وتوسيعها لتصبح حرباً شيعية سنية. النظام الأسدي، لم يعد يهمه من يعيش ومَن يبقى وماذا يبقى في المنطقة بالنسبة للأسد كلّ مَن لا يدعمه عدو يجب تدميره!

تفجير عرسال وتحويلها الى «مقلع» لحرب مذهبية سنية شيعية، يريدها النظام الأسدي ويعمل من أجل تحقيقها. يساعده في ذلك الفراغ القاتل الذي يعيشه لبنان. تستطيع كل القوى وخصوصاً حزب الله أن تصرخ ليلاً ونهاراً أنها ضد الفراغ، لكن الصراخ لن يكون أكثر من دعوة «للشيطان» لأخذ لبنان كله الى جهنم. الحل الوحيد، الإسراع بضرب الفراغ، وعدم انتظار الحل في بغداد ومن ثمَّ في اليمن ومن ثمَّ الملف النووي، وإذا ما طال الانتظار فلماذا لا يمتد الى حل الحرب في سوريا، في وقت أصبحت فيه «سورنة» المنطقة قائمة وتهدد الجميع حتى اللاعبين الكبار بنارها..

السابق
الطائرة الماليزية تفككت الى أجزاء في الجو
التالي
مجاهدو الفتاوى وكسرُ ’بيضة الإسلام’