الراي: هل يقفز ميقاتي من المركب السوري مع هبوب العاصفة؟

لم يكن «العصف» السياسي – الديبلوماسي الذي اصاب دمشق، مع القرارات «غير المتوقعة» لمجلس وزراء الخارجية العرب اخيراً، اقل وقعاً في بيروت، في ضوء رفض وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور تلك القرارات بـ «التكافل والتضامن» مع اليمن، في موقف، لم يشكل خروجاً على الاجماع العربي فحسب، بل تجاوزاً لسياسة «النأي بالنفس» التي كانت اعتمدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تعاطيها مع مقاربات مجلس الامن الدولي للملف السوري.
وسرعان ما بدأ الحديث في بيروت عن «الاثمان المحتملة» لمجازفة الحكومة ربط مصير لبنان بمصير النظام في سورية، وسط تحذيرات من الاقحام الطوعي للبنان في العزلة المتعاظمة لسورية من خلال ادارة الظهر للاجماعات العربية والدولية، ولمجازفتها بوضع التوافقات الداخلية في مهب الريح باعتمادها خيارات «احادية» لا تحظى بقبول فئات واسعة و«وازنة» من اللبنانيين الذين «تجرعوا» النأي بالنفس لكنهم لن يسلموا بالانحياز الكامل للنظام في سورية.
وتوقعت اوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» بان لا يمر موقف الحكومة مرور الكرام، وسط ملامح ارباك رسمي في تبريره، وهو ما ظهر في «السقوف المتباينة» لاركان الحكم ومكونات الحكومة، خصوصاً في ضوء الكلام عن «تهريب» موقف وزير الخارجية الذي يخالف منطق «النأي بالنفس» لميقاتي، ولم تتم مناقشته من اطراف الحكومة، ما فسر الاعتراض الضمني لرئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط عليه. 
ومن غير المستبعد ازدياد مأزق الحكومة «غير المنسجمة» تحت وطأة الهجوم العاصف للمعارضة التي كانت وصفت موقف لبنان في الجامعة العربية بـ «المخجل والمعيب»، بحسب ما عبر عنه زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الذي واصل «فتح النار» على «ارتهان» الحكومة للنظام في سورية ودفاعها عنه في وجه المجتمعين العربي والدولي.
واللافت في هذا السياق ان الرئيس ميقاتي الذي نجح في انتزاع تفهماً دولياً وربما عربياً لمنطق «النأي بالنفس» الذي اعتمدته حكومته لحرص الغرب على الاستقرار في لبنان وابعاده عن خط النار السوري، وجد نفسه مع التصويت ضد قرارات الجامعة العربية في عين العاصفة، الامر الذي من المتوقع ان يزيد المصاعب الداخلية والخارجية في وجهه.
هل يستقيل الرئيس ميقاتي؟
اوساط معارضة لرئيس الحكومة واخرى قريبة منه قالت لـ «الراي» ان ميقاتي تمكن من امرار المرحلة الماضية بكل تعقيداتها بقدر من المرونة نتيجة علاقته الجيدة بالرئيس السوري بشار الاسد من جهة ومروحة علاقاته الدولية من جهة اخرى.
وذكرت هذه الاوساط بما كان نقل عن الاسد من ان «عندنا ميقاتي في بيروت»، في اشارة الى الاطمئنان الذي يوليه الرئيس السوري لوجود ميقاتي في رئاسة الحكومة لما يتمتع به من قنوات اتصال مع الخارج، الامر الذي تحتاجه سورية في هذه المرحلة.
غير ان جنوح الازمة في سورية نحو مراحل اكثر حراجة تضع مصير حكم الاسد على المحك قد تدفع ميقاتي، بحسب هذه الاوساط، الى مراجعة حساباته، وربما الى الاستقالة، وتالياً الخروج من «المركب الواحد» الذي وضع نفسه فيه مع الاسد.
ولفتت هذه الاوساط الى انه رغم «الحشرة» التي يعانيها ميقاتي بسبب رفض «حزب الله» تمويل المحكمة الدولية، فان استقالته غير واردة الا ربطاً «بمسار» المركب السوري، الذي يبدو انه في «قلب العاصفة»، لا سيما في ظل العزلة شبه الكاملة التي يواجهها على المستويين الاقليمي والدولي.
في موازاة ذلك، وفيما يتوقّع ان تشكّل جلسة الاسئلة النيابية التي يعقدها البرلمان غداً «حلبة مصارعة» بين فريقيْ الاكثرية والمعارضة على خلفية الملف السوري وموقف لبنان في الجامعة العربية وسط توقعات بان يبلغ الامر حدّ طرح الثقة بوزير الخارجية عدنان منصور، عكست ردود الفعل المتعلقة باستخدام لبنان الـ «لا» في الجامعة العربية «الانشطار» السياسي الحاد والمرشّح للمزيد من التفاقم.
وفي هذا الإطار ردّ الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري على التبريرات التي أعطاها رئيسا الجمهورية والحكومة لتصويت لبنان في الجامعة العربية ضد القرار بحق النظام السوري، فاعلن في دردشة جديدة مع متتبعيه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي «ان الذين يدّعون انهم يحاولون الحفاظ على حيادية لبنان وحمايته من ارتدادات الازمة السورية، القوا بالبلاد في قلب العاصفة، والى جانب الطرف الخاطئ، الطرف الذي يتبنى القتل والديكتاتورية والهوية المعادية للعرب»، مكرراً «أن النظام السوري فقد شرعيته، وان ما يجب ان يقوم به هو الرحيل».
وإذا أشار الى أن «تبريراتهم لموقف الحكومة اللبنانية المخزي غير مقبولة»، اكد انه «مع سحب سفير لبنان من سورية»، معلناً رداً على سؤال عما إذا كان سيزور سورية مجددا في حال عاد رئيسا للحكومة ويجتمع بالرئيس بشار الأسد «إذا زرت سورية مجددا فهذا يعني ان هذا النظام قد سقط».
وفي حين اعلن «سأعود الى لبنان أقرب مما تظنون، هذا وعدي»، علّق على ما إذا كان الأسد سيشاهد ما ستنتهي اليه المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قال:»إنه الآن يحاكَم من خلال محكمة شعبه»، مضيفاً: «ما تشاهدونه اليوم سبق وفعله القذافي وصدام في آخر أيامهما».
وحين سئل: في حال أقيم نظام إسلامي معتدل في سورية وطلب منكم الوحدة مع سورية فهل توافقون؟»، قال جازماً: «لا، لدينا سيادتنا واستقلالنا. وأنا فخور بأنني لبناني».
واوضح ان علاقته بالنائب وليد جنبلاط «جيدة، وهو وقف الى الجانب الصحيح في الموضوع السوري»، مضيفاً ردا على سؤال آخر: «لماذا تعتبرون مكلفا اتخاذ الموقف السليم؟ هل يجب أن أبقى حياديا تجاه قتلة والدي؟».
في المقابل، برزت الرسالة التي وجّهها رئيس البرلمان نبيه بري الى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز وجاء فيها: «خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية. بعد الذي جرى ويجري، لا أرى غيركم – بعد الله – لمصالحة ليس بين السوريين فحسب، بل بين العرب والعرب. وفقكم الله وعافاكم».
بدوره شدد وزير الخارجية (من حصة بري) الذي توجّه امس الى المغرب للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العربي – التركي وفي اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في الرباط، على ان القرار الذي إتخذه لبنان منسجم مع سياسته ومع توجهه الوطني. واكد «ان الحكومة اللبنانية لن تسير في عملية سحب السفير اللبناني من سورية لأن اعتراضنا على قرارات الجامعة معناه أننا لا نقبل بهذه القرارات وبالتالي لا نقبل لا بسحب السفراء ولا بالعقوبات لأننا من الأساس ضد الاستفراد بأي بلد عربي او عزله».
وفي سياق متصل، أسف «حزب الله» بلسان وزيره محمد فنيش للموقف الذي صدر عن الجامعة العربية، لافتاً إلى أن «هذا القرار جزء من مشروع إسقاط أي حلم بإمكان قيام تعاون عربي أو عمل عربي مشترك»، ومعتبراً أنه «يراد إسقاط الجامعة العربية من خلال استهداف سورية رغم الدور الهزيل لهذه الجامعة».
واستغرب «كيف أن الجامعة العربية التي أصدرت مبادرة لحل الأزمة السورية لم تستكمل الجهود لإيجاد آليات تنفيذ لهذه المبادرة، وخصوصاً عندما نسمع موقفاً أميركياً فاضحاً ووقحاً يحرض على عدم الاستجابة لإنهاء مظاهر الاقتتال، وهذا دليل فاضح على حجم التورط الأميركي في التخريب في سورية»، مضيفاً «ليس من المفهوم أبداً أن تصبح الجامعة العربية ترجمة حرفية لهذه الرغبة الأمريكية في محاصرة سورية وتطويقها».
اما السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، فأشاد بموقف الحكومة اللبنانية في الجامعة العربية، معتبرا ان لبنان « كان قارئا منطقيا وواقعيا للحدث في سورية ويرى ان ما يجري فيها يستهدف امن لبنان والمنطقة، وتشخيص الحكومة اللبنانية كان مسؤولا». 

السابق
اللواء: إستياء خليجي من موقف لبنان ··· ومنصور ينجو من طرح الثقة
التالي
الجمهورية: 500 مراقب عربي الى سوريا بشروط و تركيا تعتزم اتخاذ اكثر المواقف تشددا