أزمة العراق وضرورات سياسات الإدماج في الشرق الأوسط

أقحم التقدّم الذي أحرزه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الجهادي السنّي أخيراُ العراق في أتون حالة من الفوضى العنيفة وعدم الاستقرار.

في حين يشكّل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تهديداً يجب التعاطي معه، إلا أنه لايمثّل القصة الحقيقية. القصة الحقيقية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط ككل هي سياسات الإقصاء التي خلقت بيئة جعلت التنظيمات المتطرّفة، مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام، قادرة على إحراز تقدم.
والحال إن الأزمة الناشبة في العراق، تظهر كيف أن الصراعات الطائفية باتت تمزّق الدول العربية حيث تبدو سوريا أبلغ مثال على ذلك. وطوال فترة الربيع العربي استغلّ قادة عدة الانقسامات الدينية والعرقية بهدف اكتساب السلطة أو البقاء فيها، وعملوا بشكل منهجي على تهميش حقوق القطاعات غير الحاكمة في المجتمع.
أما الحكومات التي وصلت إلى السلطة خلال فترة الربيع العربي مدّعية أنها تملك رؤىً لبناء مجتمعات تعدّدية، فقد تبنّت، بعد أن أصبحت في السلطة، سياسات إقصائية لم تستفد منها سوى قطاعات معينة في المجتمع. لذا يجب أن يتم تبنّي سياسات جامعة في العراق وفي أنحاء المنطقة كافة بهدف تحقيق التعدّدية السياسية. كما يجب على العالم العربي أن يتقبّل تنوع شعوبه ويفخر به، وأن يتيح الفرصة للاستماع لجميع الأصوات. ذلك أن الانتفاضات العربية تطالب جميع الأنظمة بأن تعيد النظر في سياساتها وأن تسمح بوجود اختلافات في وجهات النظر والأعراق والمعتقدات، وبالتالي تعامل كل مواطن على قدم المساواة.
ينبغي أن يكون التركيز في العراق وأنحاء المنطقة كافة على بناء مجتمعات تعدّدية بدلاً من الاستغراق في الذكريات حول “استقرار” الماضي المصطنع. ومامن شكّ في أن هذه العملية ستكون مؤلمة وبطيئة، غير أنه يتعيّن على المنطقة أن تتحمّل مسؤولية مستقبلها. ولكي يتم ترسيخ الديموقراطية، يتعيّن على البلدان العربية بناء هويات وطنية أقوى تتفوّق على الولاءات الفرعية الأخرى. كما يجب عليها أن تتبنّى التعددية السياسية والثقافية والعرقية والدينية فضلاً عن المساواة بين الجنسين.
في الجانب الآخر، يجب على حكومة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ألا ينظروا إلى العراق أو أي بلد آخر في المنطقة من زاوية أمنيّة بحتة. عليهم أن ينظروا إلى الوضع كما هو بالضبط، أي باعتباره فترة انتقالية لايمكن حلّها من خلال العمل العسكري وحده.
ربما يزداد الوضع في العراق سوءاً قبل أن يتحسّن، غير أن سياسات الإقصاء لن تنتج قطّ مجتمعاً فاعلاً في نهاية المطاف. لذا، فإن الالتزام بالتعدّدية يمثّل شرطاً أساسياً من أجل الشروع في عملية تجديد سياسية واقتصادية مستدامة في منطقة الشرق الأوسط. قد يبدو هذا تعبيراً بديهياً وأساسياً، غير أن لغة ممارسة التعدّدية لم تَسُدْ إلى الآن في حقبة مابعد الثورات العربية، باستثناء حالات قليلة مثل تونس. ولهذا لا يبدو مستغرباً أن تونس تحقق نجاحاً أفضل بكثير من بقية بلدان الربيع العربي. يجب على العراق أن يتبنّى سياسة الإدماج ويركّز على تطوير عملية سياسية تشعر فيها كل القوى بأن لها مصلحة في النظام. وإذا مافشل في القيام بذلك، فثمّة إمكانية حقيقية بأن تنقسم البلاد، وهو ما لن يكون في مصلحة أي طرف.
الأسوأ من اتفاق سايكس-بيكو، والذي أنتج حدوداً مصطنعة في الجزء الشرقي من العالم العربي، هو تفكّكه وانتهاؤه. إذ لاتمثّل الدول النقيّة عرقياً أو دينياً الحل المطلوب للوصول إلى مجتمعات منتجة، بل ستؤدّي إلى نشوء كيانات غير قابلة للحياة يحارب بعضها بعضاً. ولن يؤدّي انقسام العراق إلا إلى المزيد من الحروب والصراع لسنوات مقبلة.
إن على حكومة المالكي والمجتمع الدولي أن يجعلوا تشكيل حكومة أكثر تشاركية في العراق أولويتهم الأكثر إلحاحاً. صحيح أن الحل السياسي لن يكون سهلاً، غير أنه يمثّل السبيل الوحيد للعراق كي يمضي قدماً كدولة ديموقراطية واحدة ومستدامة.

السابق
العربة القادرة على كل شيء
التالي
مقتل لبناني في بلجيكا بظروف غامضة