أسئلة الحيرة والقلق

أهي حرية الفرد، أم حرية الجماعة؟ هل يمكن تحقيق حرية الفرد من دون حرية كاملة للجماعة؟ أم هل تبقى حرية الفرد رهن حرية الجماعة؟ وهل فكرة الجماعة توفر فعلاً الحرية الفردية، أم تضع لها الضوابط القمعية باسم مصالح الجماعة؟ وهل الجماعة تبقى على حالها لناحية تعددية تتيح التوصل إلى مشتركات، أم تنتهي إلى حال القوى التي تختصر فيها القرارات بمن هم في سدة السلطة، وبالتالي تقوم حلقة ضيقة تتولى إدارة الحياة من دون الحاجة الفعلية للعودة إلى بقية مكونات الجماعة؟ وهل هوية الجماعة في هذه الحالة هي المكونة من مشتركات كاللغة والعقيدة، أم تحتمل تعددية من المنبعين معاً؟

هل يستوي بلد مثل العراق من دون قاعدة قوية لحكم يمثل مصالح أكثرية بسيطة؟ أم هو سيظل بانتظار تكوّن أغلبية كبيرة تتيح توازناً يسمح للأقلية بالتعبير عن نفسها؟ أم وسط كل ذلك يجب أن يكون مجتمعاً مفككاً بانتظار صدام آخر؟
هل البعث هو الحل في سوريا من خلال توليه قيادة الدولة، وهو الذي لم يثبت قدرته ولا فعاليته ولا نجاعته لهذه المهمة، لا في سوريا ولا في العراق، ولا هو استمر قوة جذب لشاب أو صبية أو ناضج أو مخضرم؟
هل حكم العائلة العادلة أو المستبدة هو الحل لشعب الجزيرة العربية، بينما أُهدرت ثروات وفقدت عدالة وساد تخلف وضاعت ثقافات وبقي الحديد والنار وكتل الباطون الخالية من أي روح؟
هل الاكتفاء بالحديث عن تاريخية البلد ـــــ الأمة وحضارته يتيح لشعب بلاد النيل أن يظل رهينة أفكار متخلفة تنقله من وادٍ إلى آخر، من دون القدرة على تغيير الوظيفة والدور، فيظل العسكر هو الأساس في كل ما يقرر للمستقبل، بينما يغرق الناس في اختيار هذا أو ذاك من الذين لا يقدرون على بناء دولة؟

هل إعلان الهوية العربية عنصراً مشتركاً صار يكفي لإسقاط مفهوم الأقليات في مقابل أكثريات متنوعة عقائدياً؟ أو على ما كان يقول الراحل محمد مهدي شمس الدين: هناك أكثريتان، واحدة عربية وثانية إسلامية ولا مكان لخوف الأقليات؟
هل تنتج الأمة آليات إدارة مشتركة تتيح ضبط التداخل الهائل بين الدين وطقوسه وبين الحياة المدنية اليومية؟ أم أن الإسلام سيظل مع كل مذاهبه وأحزابه مصدر قلق للآخرين من معتقدات دينية أو فكرية أخرى؟
كيف تبقى فلسطين هي القضية المركزية؟ هل ذلك من خلال إعلانها قضية عربية لا يمكن أهل فلسطين الحسم بمصيرها وحدهم، أم من خلال مقترح مرشد الثورة الإيرانية بأن يختار شعبها بتنوعه الديني أي نظام يحكم فلسطين التاريخية؟ وبالتالي على الآخرين من العرب النظر إلى المشكلة مع إسرائيل على أنها مشكلات متفرقة: واحدة مع الفلسطينيين، وأخرى مع قسم من اللبنانيين، وثالثة مع قسم من السوريين، ورابعة مع قسم من الأردنيين، وخامسة مع المصريين، وسادسة مع الإيرانيين، وسابعة مع الأتراك، وثامنة مع العراقيين، وتاسعة مع أبناء الجزيرة العربية من خليجها إلى عدنها إلى البحر الأحمر؟ هل يمكن أكثرية غير متماسكة أو هجينة، أن تقرر شكل العلاقات بين المجموعة بأكملها وبين مجموعة أخرى، من دون العودة إلى الآخرين من أبناء المجموعة نفسها؟ هل يمكن، مثلاً، أبناءَ الجزيرة العربية بكل الممالك والإمارات والجمهوريات، التوحد في دولة واحدة ما دامت المشتركات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية كبيرة جداً؟ هل يجب إلزامهم بالأمر أم إبقاء التقسيم القائم الذي فرضته لحظات تاريخية معينة؟
كيف لبلاد الشام أن تختار مصيرها السياسي من دون إكراه، وأن يحصل التوحد بالمعنى الإنساني، وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون إلغاء خصوصيات ذات طابع ديني أو فكري أو إثني؟
كيف للغرب أن يظل بعيداً عن تفاصيلنا، فلا يخشانا ويتوهم أندلس جديدة، ولا يغزونا لأخذ لقمة عيشنا، ويكتفي بتبادل الطاقات كما هو حاصل اليوم؟ أليس ذلك أفضل من شبابنا وطاقاتنا تعيش وتنتج هناك، بينما يصدّر الغرب لنا العلوم الحديثة، ولو مرفقة مع سيئات كثيرة على طريقة السم في الدسم؟

كيف لنا بناء قوة قادرة على حمايتنا من الخارج ومن بعضنا، من دون أن نخشاها إذا قررنا رفض الحاكم؟ وكيف لنا باسم المجموعة أن ننتج دولة قادرة على تلبية حقوقنا المشتركة في المأكل والمشرب والتعلم والعمل من دون أن تفرض علينا قواعد علاقات سياسية أو اجتماعية معينة؟
كيف يمكن من انتقدوا فكرة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا ـــــ باعتبارها مهزلة، مارست الظلم والتعسف باسم المساواة، فأعطت الجاهل والأمي ما تعطيه للعالم والمجتهد ـــــ كيف يمكن هؤلاء أن يتركوا للمهمشين اجتماعياً وثقافياً وسياسياً ولفقيري الحال علمياً، أن يقرروا مصير بلد ومصير منطقة؟ هل هي عدالة انتقائية، أم هو المصير والقدر، أم هو الرهان على حاجة هؤلاء إلى أصحاب الخبرة والمعرفة لكي يتركوا لهم أمر إدارة الدولة؟ وكيف يحصل ذلك من دون تلزيم الغرب إدارة بلادنا تربوياً وتعليمياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وأمنياً؟
أي مستقبل علينا انتظاره خلال سنوات أو عقد أو عقود إذا ظل نقاشنا يحتدم على خلافات، بينما لا يُبذَل جهد على تنمية مشتركات نعيشها أكثر من ثلث يومنا العادي، ثم نورثها للأبناء والأحفاد مع تمنيات بحياة أفضل؟ 

السابق
ثورة مصر… تحترق وتذوب بنار الفتنة !!
التالي
وصل الربيع العربي إلى لبنان خريفاً!