«الإستئصال» حتميّ لبلوغ «جنيف – 2»

لعبت دول في مجلس التعاون الخليجي دوراً في “أزمة الموازنة” التي شهدتها الولايات المتحدة قبل أيام، لم يُكشف النقاب عنه تحديداً، لكنّه كان مؤذياً لإدارة الرئيس باراك أوباما، على حدّ ما تؤكّده أوساط ديبلوماسيّة. وتضيف، أن الخارجيّة الأميركيّة عبّرت عن هذا الاستياء لعواصم الدول المعنيّة مباشرة، وبأسلوب نافر.

وتوقّعت أن يترك أثراً على العلاقات الثنائيّة انطلاقاً من أنّ هذه الدول “المتهمة” تتحمّل مسؤولية مادّية ومعنوية عن إيصال الفصائل المتشدّدة الى ما وصلت اليه في سوريا، الى حدّ أنّها تمكّنت من الإعلان عن “الدولة الإسلامية في العراق والشام؟!”.
واستناداً إلى ما هو متداول، فإنّ هذه الدول قد استشاطت غضباً عندما تراجع أوباما عن الضربة العسكريّة. وفوجئت بالتفاهم الروسي ـ الأميركي حول السلاح الكيماوي السوري، وما شكّله من تحوّل لمصلحة النظام.
وفقدت بعض صوابها عندما فوجئت ثانية بعزم الإدارة الأميركيّة الإنفتاح على إيران. وعبّرت عن هذا الكمّ من الغضب من خلال اللجوء الى ودائعها المالية الضخمة في المصارف الأميركيّة، حيث ضبطت الإدارة “أدواراً مشبوهة” لعبتها هذه الدول من خلال أرصدتها لدعم أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ معارضين لسياسة أوباما، ويسعون للإطاحة بالضمان الصحّي والاجتماعي، الذي يعتدّ به، ويعتبره من أكبر وأفضل إنجازاته في ولايته الرئاسية الأولى.
وتأتي مواقف وزير الخارجيّة جون كيري المشيدة بتجاوب الرئيس بشّار الأسد مع البعثة الدولية لتدمير الكيماوي، “كدفعة أولى من الحساب الجاري” ما بين الإدارة الأميركية، وهذه الدول، فيما “الدفعة الثانية” الأكثر كلفة تتمثّل بمطالبتها العمل على وقف دعمها للمنظمات الأصوليّة، ومعالجة “حالة الإنتفاخ” التي بلغتها بإعلانها “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
ويدور الحديث عن خريطة طريق تمّ التفاهم في شأنها ما بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف للوصول الى جنيف ـ 2 منتصف تشرين الثاني المقبل، وتقضي بمعالجة “الإنتفاخ” الأصولي في سوريا، إذ يبدو من المستحيل إطلاق عملية سياسيّة في ظلّ المعارك التي يخوضها تنظيم “القاعدة” و”جبهة النصرة”، والفصائل المتطرّفة الأخرى “الفاتحة على حسابها”، والتي تلجأ إلى السلاح لإقامة الدولة الإسلاميّة، وليس لإسقاط النظام. ولأنّ هذه الفصائل لا “تتنفّس الأوكسيجين” إلّا من الدول الخليجيّة الداعمة والمموّلة، فإنّ أقلّ المطلوب، هو وقف الدعم، أو تقنينه، أو ترشيده بمعنى أن يصبّ في خانة مصلحة المعارضة المعتدلة، وليس لمصلحة “التكفيريّين”.
ويبدو أنّ هذه “الحركة التصحيحيّة المطلوبة” ستصيب لبنان أيضاً من خلال الخطط الأمنية، سواءٌ في طرابلس، أو في عكّار، أو الضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك وعرسال، ومناطق أخرى حسّاسة، إذ بات من المؤكّد أنّ هذه التدابير تخضع لمجهر المجموعة الدولية الخاصة بدعم لبنان، للتأكّد من حجم الخلايا الأصولية الناشطة، والنائمة، وضبط أيّ محاولة ترمي الى إطلاق موجة جديدة من العبوات الناسفة، والسيارات المفخّخة، لترويع البلد وسكّانه، والسعي الى فرض أمر واقع في الداخل اللبناني، إن لم يكن في مستوى “الدولة الإسلامية”، فعلى الأقلّ في مستوى المربّعات الأمنية والسياسيّة والطائفية والمذهبية التي سيحسب لها حساباً عندما ينطلق البحث الجدّي حول مستقبل لبنان، ومستقبل نظامه، وصيغته الفريدة؟!.
وتركّز “المناظير الدوليّة” على الدور الذي تضطلع به الدول النفطية التي تدعم هذا النوع من الإسلام السياسي المتطرّف، إذ إنّ “المعركة” التي بدأت إنّما هي “معركة” أميركيّة ـ روسيّة ـ غربيّة ضدّ التطرّف الأصولي في سوريا ولبنان.
في سوريا تبدو المعادلة واضحة: “لا يمكن الرهان على استمرار التجاوب في شأن تدمير الكيماوي إلّا إذا تحوّل جنيف ـ 2 حقيقة. ولا يمكن أن يصبح هذا المؤتمر حقيقة إلّا إذا شاركت في أعماله المعارضة والنظام بلا شروط، ولا يمكن المعارضة أن تشارك إلّا بعد “تنظيفها” من التطرّف، أي لا جنيف ـ 2 في ظلّ وجود “الدولة الإسلامية في العراق والشام؟!”.
وتقود هذه المعادلة الى أمرين، الأوّل: إنّ المعركة من الآن فصاعداً إنّما هي ضدّ الأصوليّين. ليس لهم من مكان في جنيف ـ 2، ولا يمكن الوصول الى هذا المؤتمر إلّا بعد تحجيمهم، وتجاوز خطرهم.
الثاني: إذا لم ينجح التحجيم، فهذا يعني أنّ الاتفاق حول الكيماوي سيسقط، وأنّ القتال سيستمرّ وفي صورة أدهى وأعنف، ويصبح المجتمع الدولي أمام حسابات جديدة.
أمّا في لبنان فالمعادلة أيضاً بالغة الوضوح، إذا لم يحجَّم الدور الأصولي في سوريا، ويتمّ التوصّل الى وقف لإطلاق النار قريباً، فإنّ التدعيات ستكون خطيرة، مزيداً من النزوح، ومزيداً من الأصوليّة المخرّبة؟!

السابق
«إعلان بعبدا» والمعادلة الثلاثية: مخــتلفان غير متناقضين
التالي
نحو دعم دولي للأسد للقضاء على التكفيريين!