وقف اللبنانيون مذهولين من ضخامة الحدث. تم اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. وقع الخبر كالصاعقة على العديد منهم. ومنذ ذلك الحين، باتوا في حيرة من أمرهم، كيف تمكنت من الوصول إليه بعدما فشلت في ذلك ثلاث مرات على الأقل.
لم يتوقف الأمر عند نصرالله فقط، بل على قادة كبار استطاع الاحتلال الوصول إلى أغلبيتهم، هذا ما يدعيه العدو الإسرائيلي أقله في قيادة الهرم التي ينشرها عبر حسابات جيشه.
عوامل عدة أدت إلى تفوّق إسرائيل على حزب الله، حتى وصلت إلى نصرالله، رأس الهرم. صحيح أن عامل العملاء هو أحدها، لكنه ليس العامل الحاسم الذي أدى إلى ما أدى إليه. إبحثوا عن الداتا!
بعد فشل تموز.. بدأت المهمة!
تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن فشل الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات في تحقيق نصر حاسم في حرب تموز التي استمرت 34 يومًا، إتخذت إسرائيل قرارا بتطوير استخباراتها لاستهداف حزب الله.
من قام بهذه المهمّة هي «الوحدة 8200، وهي وكالة الاستخبارات الإسرائيلية للإشارات»، التي عملت على «بناء أدوات سيبرانية متطورة لاعتراض الهواتف المحمولة لحزب الله وغيرها من الاتصالات بشكل أفضل، وأنشأت فرقًا جديدة لضمان نقل المعلومات القيمة بسرعة إلى الجنود والقوات الجوية».
أكثر من ذلك، بدأت إسرائيل في إرسال المزيد من الطائرات بدون طيار وأقمارها الصناعية الأكثر تقدمًا فوق لبنان لتصوير معاقل حزب الله بشكل مستمر وتوثيق حتى أصغر التغييرات في المباني التي قد تكشف، على سبيل المثال، عن مستودع للأسلحة.
استغرق هذا العمل 15 عامًا وكانت نتيجته بحسب الصحيفة «تحديد بيانات كل من يعيش في كل شقة، وكل من يزورها، وكل من يستخدمها لأي غرض».
خطأ سوريا الجسيم.. استفادوا من الجنازات وحتى صور نعي الشهداء!
من جهتها، تشرح صحيفة «فايننشال تايمز» إنه «مع نمو قوة حزب الله، بما في ذلك نشر قواته في سوريا في عام 2012 لمساعدة الأسد في قمع الانتفاضة المسلحة ضد دكتاتوريته، فقد أعطى ذلك إسرائيل الفرصة لاتخاذ قرارها».
منح تدخل حزب الله ما يقال عنه «صورة استخباراتية» ضخمة، عن كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً، ومن عاد للتو من سوريا إلى بيروت.
وخلقت الحرب في سوريا كمية هائلة من البيانات، حتى إن نعي العناصر والقادة، على شكل «ملصقات الشهداء» التي يستخدمها حزب الله بانتظام، كانت واحدة من هذه البيانات، والتي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين ينشرون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت الصحيفة «كانت الجنازات أكثر كشفًا، وأحيانًا تجتذب كبار القادة من الظل، حتى ولو لفترة وجيزة».
ونقلت الصحيفة عن سياسي لبناني قوله إن اختراق حزب الله كان ثمن دعمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وقال «كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سوريا»، حيث اضطرت المجموعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز المخابرات السوري الفاسد سيئ السمعة، أو مع أجهزة المخابرات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين.
من جهته قال الباحث يزيد صايغ في مركز كارنيغي للشرق الأوسط «لقد تحولوا من كونهم منضبطين للغاية ومتشددين إلى أناس يسمحون بدخول عدد أكبر بكثير من الناس (في دائرتهم) مما ينبغي». وهنا بدأ الضعف الذي استغله الإسرائيلي.كيف؟
وحدة خاصة.. تخترق ما يخطر على بال أحد حتى «الريموت كونترول»
عدا عن التفوق التكنولوجي بأقمار التجسس، والطائرات بدون طيار المتطورة، وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت، تجمع إسرائيل الكثير من البيانات لدرجة أنها أنشأت مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات تغربل تيرابايتات من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر على جانب الطريق، أو فتحة تهوئة فوق نفق أو إضافة المفاجئة على تعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.
بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه.
بحسب مسؤولين إسرائيليين لـ«فايننشال تايمز»، إن هذه العمليات يمكن التعرف عليها من مصادر مختلفة مثل طائرة بدون طيار تحلق في السماء، أو من خلال بث كاميرا مراقبة مخترقة يمر أمامها، وحتى من خلال صوته المسجل على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد (الريموت كونترول) الخاص بالتلفزيون.
بتحليل الروتين اليومي للمقاتل أو القائد في حزب الله، يصيح أي تغيير مفاجئ في هذا الروتين «بمثابة تنبيه لضابط الاستخبارات للتحقق من الأمر».
«بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات»
وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين أن الجيش الإسرائيلي راقب «جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسبًا لهجوم». وهذه الخطوات مكّنت العدو من تحديد العديد من القادة منذ تشرين الأول الفائت وقتلهم.
لكن كل واحدة من هذه العمليات تتطلب الوقت والصبر للتطور. على مدى سنوات، تمكنت المخابرات الإسرائيلية من ملء بنك أهداف ضخم لدرجة أنه في الأيام الثلاثة الأولى من عدوانها الذي بدأ الإثنين الفائت، حاولت طائراتها الحربية قصف 3000 هدف للحزب، وفقًا لأكثر من بيان رسمي صادر عن الجيش الإسرائيلي
قرب لبنان من فلسطين.. وإدخال «كوماندوز» إليه
على شقّ آخر، يلعب العامل الجغرافي دورًا في تسهيل اختراقات اسرائيل للبنان وحزب الله.
وتكشف «نيويورك تايمز» أن إسرائيل استغلت قرب لبنان جغرافيا لصالحها «فالقدس تبعد أقل من 150 ميلاً عن الحدود اللبنانية». وعليه استطاعت «إدخال قوات كوماندوز سرية إلى عمق البلاد للقيام بمهام استخباراتية حساسة».
والأمر الأكثر أهمية هو أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين السابقين يقولون إن جرأة إسرائيل على تنفيذ مثل هذه العمليات «تميزها عن وكالات الاستخبارات التقليدية التي لا تميل إلى المخاطرة والعقبات القانونية».
«حتى إن نعي العناصر والقادة، على شكل «ملصقات الشهداء» التي يستخدمها حزب الله بانتظام، كانت واحدة من هذه البيانات»
ما هو أخطر.. ما نأكله ونشربه ونشتريه و..نتكلم به!
ذهبت حسابات مقربة من اجواء حزب الله عبر مواقع التواصل الإجتماعي أبعد من ذلك، ونشرت معلومات حول الخرق التكنولوجي الذي نفذته إسرائيل على الضاحية الجنوبية على مدى الأعوام السابقة وصولا حتى اليوم.
تقول هذه المعلومات، غير المؤكدة من مصادر رسمية أو من حزب الله، والمتشابهة مع «نيويورك تايمز» و«فايننشال تايمز»، التالي:
1- قسمت إسرائيل الضاحية الجنوبية إلى «مربعات بحثية»، لا يزيد حجم المربع الواحد عن 400 متر مربع. استغرق هذا العمل 15 عامًا، تم خلالها تحديد بيانات كل من يعيش في كل شقة، وكل من يزورها، وكل من يستخدمها لأي غرض، وذلك عبر كاميرات التتبع، وخصائص كشف الصوت، والطائرات بدون طيار، واختراق الإنترنت والعنصر البشري (العملاء المحليون والأجانب)
2- تم تحديد تفاصيل حياة جميع السكان. أين يأكلون، ويشربون، من أين يطلبون مأكولاتهم، أين يركنون سياراتهم، وأين يعملون، وأنماط سفرهم، ومدارس أطفالهم، وكيف ينقلون أطفالهم، ومن أين يشترون أجهزتهم الإلكترونية، ومن أين يتلقون رواتبهم، وأي صرافين يتعاملون معهم، ومن يحول لهم الأموال، وحتى أي صالون حلاقة ومحل قهوة يزورونه، تم اختراق سلاسل التوريد التي يعتمدون عليها. بمعنى آخر، ربما هناك تلفزيونات وأجهزة تكنولوجية من كل الأنواع مجهزة بأجهزة تنصت وتتبع وكشف الأصوات، وربما يكون بعضها مفخخاً
3- تم تحديد البصمة الرقمية لكل شخص (صوته، مظهره، نشاطه لرقمي، التطبيقات التي يستخدمها). وتم العمل على اختراقها وزرع «أصدقاء» وعملاء لأكثر من شخص من بيئة حزب الله وعناصرها
4- في كل مربع مجموعة في الموساد والشاباك والجيش (من الوحدة 8200) تعمل على الرصد والمراقبة وتفعيل خطة الاغتيال
5- يتم مراقبة الموانئ والمطار واختراق السجلات اليومية لحركة المسافرين
6- تم اختراق شبكة الاتصالات الأرضية والخلوية