في ذكرى غيابه الثالث.. جلسة أدبية فكرية في «جنوبية» تستعيد شعر العلامة الأمين

Sayyed Mohammad Hassan 3rd Memorial
بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيل العلامة المفكر الإسلامي والشاعر الكبير السيد محمد حسن الأمين، اختار أصدقاؤه ومحبوه، أن يجتمعوا حول ديوان شعره والذي ما زال قيد الطبع، فيقرأون منه ما طاب لهم من قصائده، التي سمعها عدد منهم ينبسها من شفتيه الكريمتين، في المناسبات وجلسات الأدب والأخوة التي كانت تتحلّق عفواً أنّى يذهب.

فقد غصّت مكتب “جنوبية” مساء أمس الاثنين في بيروت، عشية الذكرى الثالثة على رحيله، بعدد وفير من الأدباء والشعراء والإعلاميين، تحلقوا حول صورة علاّمتهم الراحل، وحول قصاصات من ديوان شعره، قيد الطبع والنشر في الأمد القريب، في مقدمهم، صاحب مجلة الشراع الصحافي حسن صبرا، الدكتور محمد وهبي، الشاعر شوقي بزيع، الدكتور عبد الحسين شعبان، الدكتورة سيلفا بلوط، مالك مروة، الصحافي منير الربيع، الدكتور وجيه قانصو، الدكتور علي خليفة، الدكتور عبد الله سليمان، الدكتور حارث سليمان، السيد مهدي الأمين، السيد محسن الأمين، الشيخ حسن حمادة، علي قشمر، مجيد مطر، أحمد ياسين، عباس هدلا.

قدّم للجلسة الشعرية نجل السيد الراحل رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين، فيما تولى الشاعر عباس عياد، قراءة أبيات من قصائد كان نظمها السيد الراحل وألقاها في مناسبات مختلفة، منذ أن كان فتى في الثالثة عشرة من عمره وحتى رحيله في منتصف السبعينيات،قبيل يوم العاشر من شهر نيسان عام 2021.

علي الأمين

بعد ترحيب بالحضور، تحدث الأمين عن شعر والده العلامة الراحل، لافتاً أنه “تناول مختلف القضايا والأغراض، وكان شعره أحياناً يؤرخ لمفاصل ومناسبات وطنية جسيمة”.

وبعد قراءة قصيدة بعنوان “رمضان” كان عمر السيد فيها، رحمه الله، 15 عاماً، قرأ عياد للسيد الراحل قصيدة غزلية رائعة وهو في العمر عينه. ثم قرأ عياد قصيدة كان قد نظمها السيد الراحل في شقراء بمناسبة انتقال السيدة العذراء منها:

عيدك السمح لو وعيناه كنّا

أمّة مجدها حديث الظهور

ومن القصائد الشهيرة للسيد الأمين التي قرأها الشاعر عياد في ليلة اول أمس قصيدة “غربتي نزهة” وكان نظمها في شبابه أيضاً وهي وجدانية غزلية تفيض بالحساسية منها:

ومن القصائد الأخيرة التي ألقاها الشاعر عياد للسيد الأمين، قصيدة رثاء الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري نظمها السيد عام 1997 والقاها في الجامعة الاميركية في بيروت وقد اشتهر منها بيت لهجت به الالسن لسنوات وهو: والمبدعون مناياهم تضاعفهم.. فكلما قلّ من أعمارهم كثروا!

وتخلّل الحفل قراءة قدّمتها الدكتورة سيلفا بلوط حول فكر العلامة الراحل على ضوء ما ورد في كتاب “قصاصات من أرشيف العلامة السيد محمد حسن الأمين في العلمنة والدين والحداثة والدولة والمواطنة”، أعدّه الدكتور علي خليفة، ومما جاء في نص الدكتورة بلوط: “لقد شكلت العقلانية التي نادى بها العلامة الأمين أساساً لوعي ليس فقط دينياً، وإنما سياسيا واجتماعيا، أسهم في بناء فكري “ناضج” وغير طفيلي”، وهذا ما يشكل بالطبع ركيزة لحداثة فكرية، تعدّ منقذاً للمجتمع، ليس فقط من أزماتها، وإنما من اضطراباته النفسية، التي تتسبب بها نزوات التعصّب.

ومن قصائده:

بزيع

وفي نهاية الحفل ألقى الشاعر شوقي بزيع قصيدته بعنوان: “يمحو ظلّه ليشفّ كالمرآة” كان اهداها للسيد في حياته تعبيرا عن المودة الحارة تجاهه كما قال، ومما رواه ان في بداياته الشعرية في شبابه انه كان يعرض على السيد قصائده البكر قبل نشرها، فيحصل منه على التشجيع او يعمد الى تعديل عدد منها استجابة لملاحظات السيد.

بزيع: كان يعرض على السيد قصائده البكر قبل نشرها، فيحصل منه على التشجيع

في وصف السيد الراحل يقول الشاعر بزيع في قصيدته:

” لا غيم في يده فيبسطها وتلتمع الرؤى من حوله، وتشق مثل مجرة صدر الغمام.

يصغي الى الامطار قبل هطولها والى الكواكب وهي تهرم فجأة، والى القصيدة وهي تنظر في المسام. متدثرا بغيابه الشفاف،يدخل في عباءته، ويبحث عن بلاد لم تلده، وعن ظهور اخر لخفاء صورته، فينكشف الغطاء له وتختلط الحقيقة بالمنام، ويعود نحو منابع الماضي، ليختبر الحواس بقلبه فيشم عطر الجنة الأولى، ويلمس ما تبفى من نواة الإثم في ثمر الحرام.

لا غيم في يده وتسرو نحو جبهته سماوات مهجّنة الصّدى وقرى من القتلى تعتم نفسها لتضيء في احلامه، ويميط عن غدها اللثام. لخطاه أزمنة يغيّبها الحجاب، فلا تقلّ الى سرادق غير جوهره المشع، وقد يرى ما ليس نبصره، فنهتف يا ابانا قل لنا ما وراء الباب؟ باب اخر ولكن لم يعد احد من الاحياء بعد دخوله.. في العشق لا جهة تدل ولا اشارة، والوراء هو الامام، ومتى الوصول، ولا بديل سوى السدى، والشعراء كالعشاق لا يصلون ما لم يحرقوا من خلفهم سفن الهيام، وهل الحقيقة في الغموض ام البساطة، في الرحيل أم المقام؟

هي في الطريق ولو نأت صنعاء خلف جبالها الظمأى وشتتها الظلام. لا بدّ من صنعا اذن؟ لا بدّ، لكن الرحيل أشد من اسوارها سحرا وصنعاء حطام.

لا غيم في يده، ويمحو ظله ليشف كالمرآة، خلف العمة السوداء، متكئا على جبل عميق الريح، يترقب كالنبي بزوغ نجمته، ويتلو آخر الآيات منتشياً بوحدته الثقيلة كالإمام.

نأتي إليه لكي نحدّق مثله في وردة المعنى فنخطئها، ولكننا نقلد صمته لنصاب بالعدوى ونقطف ما يفيض عن ابتسامته من الألم الحكيم، وما تصبّب عن رؤى عينيه ما ذهب الكلام”.

حمادة

والقى الشيخ حسن حمادة، كلمة تناولت فكر السيد الراحل ومواقفه الوطنية والاسلامية، وانه كان من اوائل الذين اطلقوا المقاومة الوطنية اللبنانية لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي عام 1982 في مسجد الزعتري في صيدا، ودفع ثمنا باهظا بسبب صلابته في المواجهة عندما اعتقلته مخابرات العدو الاسرائيلي وابعدته خارج الجنوب.

حمادة: كان من اوائل الذين اطلقوا المقاومة الوطنية اللبنانية لمواجهة الاحتلال

قانصو

وكانت بعدها مداخلة من الدكتور وجيه قانصو قال فيها ” لفتني ان السيد رحمه الله كان شخصية مفارقة تجمع التناقضات، كان يجمع بين العقل والشعر، العقل الذي يردك الى الواقع والبحث في النهضة والحداثة والديموقراطية والعلمانية بما تحويه من ثقافة وعلم حوزوي دبني، مقابل الشاعر الطليق والحر، فالشاعر هو النبي الذي يستقدم الالهة الجدد، كان هناك اله جديد في قلب السيد، واقولها مجازا، هذا الاله يريد الخروج من الجمود والعقد، بنفس الوقت، فالشاعر هو المنصت الى النداءات اللامكانية”.

قانصو: تجربة السيد الفكرية الكاملة بحاجة لدراسة معمقة، فلا يمكن تقديمه كوقائع، بل كحقيقة، كاختبار وجودي مليء بالتناقضات

ولفت قانصو الى انه “في السنوات الاخيرة من حياة السيد وفي جلساتي معه انتبهت انه كان يؤثر الصمت، هذا لا يعني انه لم يكن يملك شيئا ليقوله، ولكن كان يعلم ان ما يفكر فيه لا يمكن ان يقال، فقد كان يستشرف مآلات خطيره غير عادية جعلته يصمت”!

وخلص قانصو الى ان “تجربة السيد الفكرية الكاملة رحمه الله بحاجة لدراسة معمقة، فلا يمكن تقديمه كوقائع، بل كحقيقة، كاختبار وجودي مليء بالتناقضات، بما يعنيه من نجاح واخفاق معا، فالاخفاق هو جزء من التحقق الوجودي الانساني”.

سليمان

وفي مداخلة الدكتور حارث سليمان قال فيها “ان السيد محمد حسن الامين كان مولودا على خط التماس مع القضايا الكبرى، وكان صاحب فكر واضح، لم يطرح افكارا رمادية، كان يعلم ما يريد فكريا دون حسابات الخسارة والربح، من هذه المواقف: مناصرته للقضية الفلسطينية، وطرح العلمانية والدولة المدنية، وحقوق المرأة، الازمة السورية، العلاقة مع ايران. فعقلانيته ثم المواقف الواضحه التي اتخذها هو ما يميزه، رغم انها كانت تدخله في عراك وصراع مع ما يسود من افكار في الشارع”.

سليمان: كان مولودا على خط التماس مع القضايا الكبرى، وكان صاحب فكر واضح، لم يطرح افكارا رمادية.

وألقى في نهاية الحفل السيد حسن الأمين قصيدة رثاء كان نظمها والده العلامة السيد علي الأمين في رحيل قريبه المحتفى به العلامة السيد محمد حسن الأمين.


سليمان من اليسار
السابق
في اليوم الاول من الشهر السابع للعدوان.. الجنوب مشدود نحو غزة!
التالي
أسرار الصحف الصادرة اليوم الخميس 11 نيسان 2024