حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: الإقليم ينبض على ايقاع غزة

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تستمر حرب اسرائيل على غزة، وتتخذ منذ اول يوم فيها قبل اربعة اشهر مضت، شكل الابادة الجماعية والتدمير المنهجي، لكل مقومات الحياة فيها، ويستمر العنف المنهجي الاسرائيلي، لإجلاء قسري لأكثر من مليوني فلسطيني الى اقصى جنوب القطاع، حيث يتجمع في منطقة رفح، حوالي مليون ونصف مليون نازح، يعانون من شظف العيش في خيام من نايلون، لا تحمي لا من برد الشتاء، ولامن عصف الرياح، ولاتقي من بلل الامطار، ولا تتصل باي نوع من خدمات الماء والكهرباء، وتأمين الغذاء والصرف الصحي.

يتجمع في منطقة رفح حوالي مليون ونصف مليون نازح يعانون من شظف العيش في خيام من نايلون لا تحمي لا من برد الشتاء

لا تقتصر كارثة غزة على فلسطين وشعبها، والتي تصر حكومة اليمين الاسرائيلي على صناعتها، وادامتها وتمديد زمانها ومكانها، بل يمتد الخراب سيارا ودوارا على دول الاقليم والمنطقة، من لبنان الذي اشتعلت جبهة جنوبه، مع كيان العدو، بعد ان قرر “حزب الله” بنفسه فتح جبهة اسناد ومشاغلة في اليوم الثاني ل “طوفان الاقصى”، فكان ان تحولت قرى الجنوب الامامية الى ساحات وغى، تنطلق منها حمم النار والدمار، وتصب فوق رؤوس سكانها ومواطنيها، أحقاد القذائف الاسرائيلية التي تتقصد تدمير الحياة اليومية، وتشل نشاط من تبقى صامدا من السكان، فيما تزداد اعداد النازحين من هذه القرى، لتبلغ  أكثر ٧٠ الف نازح يشغلون مراكز ايواء في منطقة صور  والنبطية…

رفح

يمتد الخراب سيارا ودوارا على دول الاقليم والمنطقة من لبنان الذي اشتعلت جبهة جنوبه مع كيان العدو بعد ان قرر “حزب الله” بنفسه فتح جبهة اسناد ومشاغلة

 ويطال الخراب يمن الحوثيين الذي اعلن حصارا بحريا لموانئ اسرائيل، ردا على حصار اسرائيل لسكان القطاع وحرمانهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود،  والذي توالت عليه حملات القصف الجوية الاميركية والبريطانية في محاولة لثنيه عن تهديد الملاحة البحرية عبر باب المندب والبحر الاحمر، وبعد ان كان حصار الحوثيين محصورا باستهداف السفن الاسرائيلية، او تلك المتوجهة الى موانئ اسرائيل، ادت العمليات الحربية الاميركية والبريطانية، الى توسيع نطاق الحصار المفروض من الحوثيين، ليطال سفنا بريطانية واميركية تجارية وعسكرية على السواء…

قضف اسرائيلي غزة
قضف اسرائيلي غزة

أما في العراق، فقد قامت فصائل الحشد الشعبي فيه، باستهداف القواعد الاميركية في العراق وسوريا  واخيرا الاردن، بمئات العمليات العسكرية، وادت العملية الاخيرة منها الى مقتل ٣ جنود اميركيين وجرح ٣٤جندي آخر… 

وهو ما استدعى ردا اميركيا اوليا، بقصف ٨٥ هدفا في سبع مناطق عراقية وسورية، لما أسمته وزارة الدفاع الاميركية، مراكز تابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، وهي تسمية لها دلالاتها، من أن الكيان المستهدف هو ايراني، حتى لو كان كل افراده وقتلاه ليسوا كذلك، لان ايران حرصت على انسحاب ضباطها ومستشاريها من المواقع المستهدفة قبل قصفها، وحرصت على الاعلان عن عدم اصابة اي من عسكرييها، في القصف الاميركي  على الحدود العراقية السورية.

ولعل أكثر ما يثير التساؤل والدهشة، هو كيف تم اعتبار هجوم ميليشيات الحشد الشعبي، على القواعد الاميركية في سوريا والعراق، ورفع شعار انسحاب القوات الاميركية من العراق وسورية، كمطلب يحقق مصلحة المقاومة في غزة، في حين ان هذا الانسحاب للقوات الاميركية، هو مطلب ايراني سعت اليه طهران قبل “طوفان الاقصى”، ورفعت الصوت لتنفيذه والزام ميليشيات العراق بتبنيه، اثر اغتيال قاسم سليماني و ابو مهدي المهندس، في مطار بغداد إبان عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب؟! فكيف اصبح الهدف الايراني مكسبا فلسطينيا وجب انجازه؟! وكيف تم اعتبار قتل جنود اميركيين في الاردن، هو وسيلة دفاع وعون لمقاومة غزة..؟!

تداعيات الصراع ادت الى اتساع الحرب وتورط اطراف اقليمية ودولية فيها

وعلى الرغم من انه بدا، في الاسابيع الأولى للحرب، ان اميركا تحرص على حصر النزاع في غزة، وتسعى لتجنب  إندلاع حرب اقليمية تشمل ايران، الا أن تداعيات الصراع ادت الى اتساع الحرب، وتورط اطراف اقليمية ودولية فيها، وذلك بسبب من هواية، اغلب الاطراف الفاعلة الى اللعب على حافة الهاوية.

قصف اسرائيلي الجنوب
القصف جنوب لبنان

لقد سعت ايران للتنصل من كل حلفائها، والى اعلان حلف الممانعة كعقد انفرطت حباته، بعد انقطاع الخيط الذي يجمعه، و هو حلف طالما تغنت بوحدته وتماسكه، وانتظامه بغرفة عمليات مشتركة، وبأمرة واحدة تجمع ساحات المواجهة، فبعد عملية “طوفان الاقصى” تنصلت ايران من غزة ومقاومتها، وانكرت اي علم مسبق بعمليات التحضير للعملية والاعداد لها، ونفت علمها المسبق بتاريخ تنفيذها، وأكدت انها عملية فلسطينية صافية تخطيطا وتنفيذا وتوقيتا، وتبرع السيد حسن نصرالله في تأكيد براءة اطراف المحور كافة، من إثم طوفان الاقصى ومسؤولياته، واعفى سورية الاسد من اي واجبات دعم قد يتراءى للبعض ان يطالبها بها، وتكرر الانكار ذاته، بالنسبة لبدء الحوثيين لعملياتهم في محيط باب المندب، فالممانعة حسب اخر نسخة من مزاعمها، هي حلف يتألف من حلقات منفصلة، وتتمتع كل حلقة باستقلالية تامة، يجعل تكتيكاتها وعملياتها مستقلة عن مصالح طهران و تعليماتها ورغباتها، أما علاقة طهران بميليشيات الحشد الشعبي العراقية وفصائلها، التي تتمركز على الارض السورية، فهي علاقة تساكن وتجاور، من السهل انفكاكها، وذلك بانسحاب العسكريين الايرانيين الى بلادهم، وترك افراد الميليشيات من عراقيين وسوريين وافغان وباكستانيين، لمصائرهم في مواجهة الغارات الجوية التي تشنها طائرات ال  B1 الاميركية… 

لم يقتصر الانكار والتنصل الايراني على العلاقة بالميليشيات، بل طال الحكومات ايضا؛ فالرئيس الايراني سرعان ما إنضوي تحت عباءة القمة الاسلامية العربية، المنعقدة في الرياض، وتبنى سقف مطالبها وصياغات بياناتها، والحكومة العراقية هددت بتقديم شكوى الى مجلس الامن ضد ايران، بعد قصفها مدينة اربيل في كردستان العراق، كما أدانت الغارات الاميركية على مدينة القائم في الانبار، وهي حكومة هالها وارعبها، تفجر الصراع بين اميركا وايران، لكونها ثمرة اتفاق بينهما…

اما في لبنان الذي شهد زيارات عدد من وزراء الدول الغربية لربوعه، فمعروض عليه الاختيار، بين حرب اسرائيلية يشنها الجيش الاسرائيلي بموازاة حرب غزة، ويكون هدفها ابعاد مقاتلي “حزب الله” عن الحدود الدولية، الى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لتأمين عودة المستوطنين اليهود الى المستوطنات في شمال كيان العدو، واما السير بحل ديبلوماسي، يلبي المتطلبات الامنية الاسرائيلية، ويلزم “حزب الله” بتنفيذ مندرجات القرار الدولي رقم ١٧٠١.  

وتتضمن مبادرة آموس  هوكستاين و دافيد كاميرون في هذا الخصوص، ترسيما للحدود البرية، والعودة لخط الهدنة المتفق عليه سنة ١٩٤٩ بين لبنان واسرائيل، واقامة سلسلة من ابراج المراقبة التقنية على حدود لبنان، وتفعيلا لانتشار الجيش اللبناني وقوات الامم المتحدة، في منطقة عمليات القوات الدولية.

ويعاني لبنان مأزقا حقيقيا  لعدم قدرة حكومته على تجاوز موقف “حزب الله”، الذي يربط اي حل على الجبهة اللبنانية بنهاية الحرب في غزة، فيما تعد حكومة اسرائيل جيشها للهجوم على مدينة رفح، مع ما يحمله الخيار الاسرائيلي هذا، من تصعيد وتهجير اهالي غزة الى شبه جزيرة سيناء، وهو امر لو حدث، سيؤدي الى انفلات العنف على كل جبهات المواجهة في الاقليم، وستشهد المنطقة توسيع المواجهة الى حروب اقليمية غير مسبوقة…

يعاني لبنان مأزقا حقيقيا  لعدم قدرة حكومته على تجاوز موقف “حزب الله” الذي يربط اي حل على الجبهة اللبنانية بنهاية الحرب في غزة

وعلى الرغم من نجاح ايران لتاريخه، في التأرجح بين الصبر الاستراتيجي والتنصل التكتيكي من اذرعتها، فإن غزة اليوم هي مفتاح سلام المنطقة واستقرارها، كما هي ايضا باب الجحيم الآتي تدرجاً، عبر تصعيد متبادل بين حكومة اليمين الاسرائيلي و”كتائب القسام”، والفشل في الإتفاق على هدنة بين الطرفين،  تؤدي الى وقف شامل لاطلاق النار، سيدفع اطرافا اقليمية ودولية الى الإنخراط ولو مكرهين، في حرب تلهب كل دول المنطقة.

لا يحتجز يحي السنوار في غزة جنودا صهاينة فقط، بل يحتجز كل خيارات اطراف الممانعة ويستدرجها الى اجندته، ويجعل من اولوياته الفلسطينية اولويات لكل اطراف المنطقة.

السابق
لجنة التنسيق اللبنانية – الأميركية: لانتخاب رئيس وانتظام عمل المؤسسات الدستورية
التالي
اسرائيل تكشف خطة بايدن للبنان.. حوافز و منطقة عازلة في الجنوب خالية من «حزب الله»